بعد 7أيام كاملة على حادثة اختفاء الكاتب السعودي جمال خاشقجي عقب دخوله قنصلية بلاده في إسطنبول، طلبت السلطات التركية رسمياً من المملكة الحصول على إذن بتفتيش مبنى القنصلية في إطار التحقيقات المتواصلة حول القضية.
وعلى العكس مما قد يعتقده البعض بأن عملية التفتيش يمكن أن تساهم في الكشف عن مصير خاشقجي، يكشف هذا الأمر كم النقص في المعلومات التي تعاني منه الجهات الرسمية التركية في إطار مساعيها للوصول إلى تفسير وتصور كامل لما حصل ما خاشقجي، وبالتالي معرفة مصيره الحقيقي الذي يتأرجح بين خيارين أساسيين هما القتل والاختطاف.
وبدرجة أساسية، يكشف هذا الطلب أن جميع المعطيات المتوفرة لدى الجهات الأمنية التركية غير كافية حتى الآن في معرفة مصير خاشقجي بشكل قطعي، ورغم وجود الكثير من التصورات والاستنتاجات إلا أن الدلائل القطعية تبدو غائبة حتى الآن.
ومنذ الإعلان عن اختفاء خاشقجي، عملت الجهات الأمنية التركية على تحليل كافة المشاهد التي التقطتها كاميرات المراقبة في المطار وشوارع إسطنبول وعند بوابة القنصلية، وبينما تمكنت هذه العملية مع وضع تصور جيد للكثير من الحلقات المتعلقة بالفريق المنفذ، إلا أن الحلقة الأهم والمتعلقة بما حصل داخل أروقة القنصلية ومصير خاشقجي، ما زل يكتفنها الكثير من الغموض.
ومن أبرز ما توصلت إليه الجهات الأمنية التركية، هو وصول طاقم سعودي مكون من 15شخصاً على متن طائرتين دخلوا القنصلية بالتزامن مه وجود خاشقجي، وعادوا إلى وجهتهم، قبل أن يتم الإعلان أنهم عناصر تابعين للشرطة السعودية، وهي مؤشرات كافية للتيقن أن هذا الفريق الأمني السعودي هو من نفذ العملية بحق خاشقجي، دون معرفة باقي خيوط العملية.
وفي ظل وجود تسجيلات كافية تثبت دخول الفريق الأمني السعودي للقنصلية وخروجهم بالتزامن مع اختفاء أثر خاشقجي، والحديث لاحقاً عن تسجيلات لإخراج صناديق ووضعها في سيارة سوداء، تبقى الجهات الأمنية بحاجة لتفسير أو دلائل أو معطيات تساعد في رسم تصور عما حدث داخل أسوار القنصلية.
وفي هذا الإطار، طلبت وزارة الخارجية التركية، رسمياً الاثنين، من السعودية تفتيش القنصلية في إسطنبول، وذلك في إطار التحقيقات المتواصلة حول اختفاء خاشقجي، فيما كشفت مصادر تركية عن أن أنقرة استدعت مجددا، الأحد، السفير السعودي وليد الخريجي للمرة الثانية منذ اختفاء خاشقجي.
من جهتها، نقلت وكالة الأناضول الرسمية عن أن مساعد وزير الخارجية التركي سادات أونال طلب من السفير السعودي “التعاون التام” بالتحقيقات المتواصلة حول خاشقجي، حيث يتوقع أن توافق المملكة على الطلب التركي بتفتيش السفارة، لا سيما أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أعلن سابقاً عن استعداد بلاده لمنح الإذن لتركيا لتفتيش القنصلية.
لكن وفي حال دخول الأمن التركي لمبنى القنصلية المكون من 6طوابق وقيامه بكل عمليات التفتيش والتدقيق الممكنة، فمن غير المتوقع أن يتوصل إلى أي أدلة ملموسة أو معطيات جديدة يمكن أن تحسم الجدل حول مصير خاشقجي وما إن قتل داخل القنصلية أو أخرج منها حياً.
فالعملية نفذت من قبل فريق أمني محترف، جاء خصيصاً لتنفيذ هذه المهمة، وكان معه أكثر من 5أيام -الفترة الممتدة ما بين منح موعد مراجعة القنصلية لخاشقجي ويوم وصوله إليها- من أجل وضع الخطط الكاملة لتنفيذ هذه العملية باحترافية عالية دون ترك أي دلائل يمكن أن تستخدم لإدانة السعودية.
وفي حال حدث أي خطأ خلال عملية التنفيذ، استطاعت الجهات الرسمية السعودية تطهير السفارة من أي دليل يمكن أن تصل إليه السلطات التركية طوال الأيام الماضية، لا سيما أيضاً أن المملكة طلبت من تركيا السماح لفريق أمني سعودي زيارة القنصلية وهو الفريق الذي وصل بالفعل السبت الماضي، ومكث لأكثر من ساعتين داخلها، وتمكن من التأكد بشكل قطعي بعدم وجود أي أدلة يمكن أن تثبت ما جرى لخاشقجي، وهو ما سيدفع الجهات الرسمية السعودية بالسماح للسطات التركية بتفتيش القنصلية في محاولة لإثبات براءتها من الاتهامات التركية.
ويبقى المعطى الأبرز لمعرفة ما حصل مع خاشقجي هو ما يفترض أن تكون سجلته كاميرات المراقبة المنصوبة داخل أروقة القنصلية، لكن هذا الأمر بات من الماضي باعتبار أن الجميع متأكد من أنه جرى تعطيل الكاميرات بشكل كامل وقت تنفيذ العملية، وهو ما قاله القنصل السعودي أيضاً لوكالة رويترز.
وبعيداً عن الكثير من الأخبار غير الدقيقة المبنية على التوقعات والتكهنات، يبدو أن الجهات التركية المتيقنة من أجل فريق الاغتيال السعودي الذي وصل إسطنبول يوم العملية هو من نفذ عملية اغتيال أو اختطاف خاشقجي، إلا أنها ما زالت تفتقد إلى الدلائل القطعية التي تساعدها في توجيه الاتهام المباشر للسعودية، وهو السبب الرئيسي الذي دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لـ”التروي” وترجيح الانتظار قبيل بلورة موقف رسمي اتجاه المملكة، على أمل التوصل إلى إجابة للسؤال الأبرز منذ أيام حول العالم، وهو “أين وكيف اختفى خاشقجي؟”.