لينا وهب / كاتبة وإعلامية من لبنان
إثر إقرار موازنة الحكومة اللبنانية 2019، التي اتسمت بطابع نهم جيوب الناس لتحصيل الأموال، وتخفيف العجز من أجل الحصول على رضا البنك الدولي صاحب الفضل والفضيلة في إقراض اللبنانيين، ماذا بعد؟! ماذا بخصوص تشجيع المستثمرين على الاستثمار في لبنان، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وعلاقة ذلك بالموازنة الجديدة؟ ماذا عن السكوت الشعبي حيال الموازنة التي أقل ما يقال فيها بأنها سيئة؟
المستثمرون «المبعدون» عن لبنان
قُسّمت كعكة الموازنة فأقرّت، على الرغم من معارضة عدد من النواب للموازنة ووصفهم إياها بميزانية «المكياج» و «الترقيع»، ومن دون اكتراث «فلان أو علتان». وبكل ما تعنيه الكلمة من لا مبالاة تم تجاهل رأي الشعب، من دون أدنى مداراة، بعد أن قسموه هو أيضاً إلى قواعد شعبية وطائفية. فلم يتوانوا بعد ذلك عن تحييد حيتان المال من الإعفاءات الضريبية على اعتبار:
أولاً : أن الشعوب اللبنانية تلك المفرَزَة لن تتحرك إلا بأمر أولياء النعمة منهم وذلك استحالة حدوثه.
ثانياً: بحجة أن ذلك يخدم المصالح العامة في جذب المستثمرين والرأسماليين والمحافظة على الحاليين. إلا إن العكس هو الصحيح، وما تحييد أصحاب الأموال الطائلة والضخمة من دفع الضرائب المتوجبة ومنحهم الاعفاءات عن المستحقات القديمة إلا لتسليك المصالح الشخصية لهؤلاء. فإن زيادة الضرائب والرسوم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الناس في سبيل جمع الأموال من جيوب الناس، ضمناً، له آثار سلبية ستطال المستثمرين أيضاً.
قطاعات الخدمات
غاب عن أذهان من اتخذوا إلى تلك الموازنة سبيلاً، أو ربما لم يغب، أن أهم عوامل جذب المستثمرين هو توفر مستوى معيشي واستهلاكي مشجع لإقامة الشركات على الأراضي اللبنانية. فتشغيل الشركات يتطلب توظيف جهاز بشري كبير يتقاضى رواتب تتلاءم مع المستوى المعيشي والاستهلاكي للفرد في لبنان. هذا يعني أن الشركات ستكون أمام دفع رواتب كبيرة للاستثمار في لبنان مما يجعلها تعيد حساباتها بهذا الشأن. إضافةً إلى ذلك، تعد قطاعات الخدمات من كهرباء، مياه، اتصالات، إقامة وغيرها الكثير من الأمور المهمة والضرورية لجذب الاستثمارات ونموها واستمرارها لأنها تدخل في صلب الأعمال اليومية. والواقع أن ما يحصل في لبنان لا يتوافق مع تلك المتطلبات، فنجد أن المستثمر يضطر مرغماً بدفع فاتورتين أحياناً، مثل فواتير كهرباء الشركة والمولدات، أو فاتورة كبيرة لخدمات سيئة وأقل مستوى جودة أحياناً أخرى، كما في حال الاتصالات وخدمات شبكة الانترنت.
وفي هذا السياق، أذكر لكم طرفة صغيرة ينطبق عليها مقولة من المضحك المبكي. في أحد المؤتمرات الدولية، التي كنت أغطيها حول ريادة الأعمال الرقمية، طرح أحد الحاضرين السؤال على ممثلة شركة فيسبوك نشوى العلي، عما إن كان هناك من إمكانية لفتح مكتب لفيسبوك في لبنان. فجاء مضمون الإجابة بما يلي» هذا الأمر يستدعي دراسة قرار إداري كبير يأخذ بعين الاعتبار عدة نقاط. فكيف لنا أن نفتح مكتباً هنا في لبنان ولا تتوفر الكهرباء 24/24 ساعة على مدار الأسبوع، والبنى التحتية ضعيفة، ومع ذلك الكلفة عالية. وأضافت، نعم يمكن لشركة فيسبوك أن يكون لها مكتب في منطقة الشرق الأوسط مركزه دبي حيث يتوفر كل شيء من كهرباء وطرقات جيدة وخدمات مختلفة وحياة ذات جودة عالية تشجع على جذب المبدعين من مختلف بلدان العالم ولكن لا يمكن مقارنة ذلك مع لبنان او غيرها من الدول حيث الوضع مختلف تماماً». فأخذتني العزة بالخجل كمواطنة لبنانية لأن كل ما قيل صحيح، فلا توجد مغريات كافية لتشجيع الشركات العالمية على الاستثمار في لبنان على الرغم من كثرة المحولات، ولا أقول ذلك لمجرد النقد وإنما لتتدبر الحكومة سياساتها وتنظم أمرها من أجل استقطاب المزيد من الاستثمارات مستقبلاً وإنعاش الاقتصاد اللبناني المتردي.
فلا يمكن في الوضع الحالي الحديث عن الاعتماد على الشراكة بين القطاع الخاص والعام ونيل ثقة الاستثمارات الأجنبية بشكل موضوعي وشفاف من دون أن تكون هناك صفقات مشبوهة. وأما في خلاف ذلك، فإن العوامل المشجعة للاستثمار ضحلة ولا يبنى عليها لإعمار اقتصاد لبنان.
الشعب قنبلة موقوتة انفجاره حتمي
لا يغرّن أحداً سكوت الشعب اللبناني المكفهر بمختلف أحزابه وطوائفه، عن أنه قنبلة موقوتة لا يُعلم متى يضيق الحال به ويشتد الخناق المعيشي عليه، فيرتد ذلك سلباً على الوطن. وأبسط ما يمكن حدوثه، تصدير الشباب المبدع والمنتج، وتهجير العقول والأدمغة، وتغريب أبناء هذا الوطن من مختلف الطوائف. وفي معرض هذا الحديث، يظهر جلياً خوف الزعامات المسيحية من تراجع التواجد المسيحي كعامل مؤثر في صنع القرار والانتخابات والتوزيع الديموغرافي والتوظيف وخلافه نتيجة تزايد عدد الهجرة والاغتراب.
ومن جهة أخرى، في ظل كل ما سبق ذكره لا يمكن استبعاد انحلال الشباب أخلاقياً، نتيجة قلة فرص العمل، وزيادة الفراغ، وبالتالي التوجه نحو آفات المخدرات، والعلاقات الإنسانية المدمرة، إضافةً إلى إعدام العنصر الإبداعي والمهني والمنتج فيهم. وفي هذه الحالة قد تنفجر الأوضاع في جميع الاتجاهات، كأن تخرج شرائح مجتمعية هنا وهناك للعبث بالأمن والأمان والاستقرار، أو أقله الترويج لذلك. هذا الأمر، من شأنه توليد الخوف لدى السائحين والمستثمرين وغيرهم من القدوم إلى لبنان وتكبيد الدولة خسائر مادية في قطاع السياحة والصناعة وعديد من القطاعات الأخرى تباعاً. سيبقى بالتالي السؤال هنا مفتوحاً على مصراعيه إلى أجلٍ غير معلوم، عن مدى صبر وثقة وإيمان المجتمع الدولي عموماً واللبنانيون خصوصاً بالحكومة اللبنانية؟ وعن إن ما كانت تتمتع تلك الأخيرة بدرجة كبيرة من الوعي أم بدرجة كبيرة من الاخفاقات؟! وما النتائج المترتبة على ذلك فيما سيشهده لبنان في المستقبل؟