نجاح عبد الله سليمان / كاتبة مصرية
قد يكون الركود الاقتصادي ومعدلات التضخم العالية، التي بلغت ثلاثين في المئة العام الماضي (2018) وعشرة في المئة إضافية هذا العام (2019)، وارتفاع معدلات البطالة في تركيا، قد أشعلا غضب البعض تجاه السوريين الذين ينظر الأتراك لكثيرين منهم باعتبارهم عمالة تستولي على الوظائف وتستفيد من الخدمات العامة. تململ بعض الأتراك انعكس أيضاً على متاجر وممتلكات السوريين، كالتي حدثت في حي كوتشوك تشيكمجه في إسطنبول.
اللاجئون السوريون، لا شك أنهم ما زالوا ورقة مهمة ساوم ويساوم بها العديد من الحكومات داخلياً وخارجياً، فقد فتحت دول حدودها على مصراعيها لاستقبال أكبر عدد ممكن من السوريين. وهنا ترى هذه الدول في السوريين المقيمين فيها أداة للدعاية للدولة، مع استمرار التواجد العسكري لهذه الدول على طول الحدود من جرابلس إلى عفرين (350 كم) حيث تقدم الخدمات الكبيرة لسكان المنطقة، كما تقدم مثل هذه الخدمات المجانية للسوريين المقيمين فيها، لتقول لهم «انظروا، نحن نحترمكم ونقدم لكم كل ما تحتاجونه خلافاً لعديد الأنظمة الدولية». فنجد أنه للعام التاسع يوجد في تركيا أكثر من 3.6 مليون سوري، وتضم إسطنبول وحدها أكثر من نصف مليون سوري، وفقاً لوزارة الداخلية التركية.
حل المشكلة السورية يساهم في حل مشكلة اللاجئين السوريين، الذين يعتبرون عبئًا اقتصاديًا وأمنيًا على بعض الدول
الواقع على الأرض أنه لم تكن العلاقات التركية السورية جيدة ومتطورة في يومٍ من الأيام، إلا ما بين عامي 2006 و2011، ولكن هذه العلاقات أيضًا لم تدم كثيرًا، والأزمة القائمة بين الدولتين في الوقت الحالي ليست وليدة العصر، بل لها جذور تاريخية عميقة. فلا يمكن لأحد أن ينكر أن تاريخ العـــلاقات التركية السورية شهد تراوحًا مستمرًا ما بين التحسن والتراجع، ولكن الخلافات والقطيعة كانت هي الغالبة على العلاقات لفترات طويلة، رغم أن حزب العدالة والتنمية قد أعلن في بداية وصوله للحكم في تركيا عن تصفير المشكلات مع الخارج، خاصة دول الجوار وسوريا بشكل خاص.
جاءت البداية مع استمرار الحرب في سورية، حيث تعيّن على الجهات الفاعلة أن تستجيب لأزمة اللاجئين السوريين، وأن تغيّر الدول استجاباتها على مستوى السياسات، من كونها استجابات طارئة إلى نهج مستدام على المدى الطويل. هذا الواقع يحمل انعكاسات مهمّة على سياسات المجتمع الدولي والدول المانحة. عندما ظهر الخوف من الوجود السوري الدائم في المجتمعات المضيفة، تآكلت الفوائد الأولية التي جنتها الحكومة. وقد كشف السوريون نقاط الضعف المتوطّنة في البنية التحتية السياسية والاقتصادية وتلك المتعلقة بالموارد. وفي ظل تزايد الإحباط العام، اجتازت الحكومة عقبة التوتر المتصاعد عن طريق الحدّ من توفير الخدمات، وتقييد وصول اللاجئين السوريين. مع ذلك، فإن التلاعب بسياسات اللجوء لن يفعل شيئاً يُذكر لتهدئة التحدّيات التي كان الجوار يعاني منها قبل وقت طويل من وصول اللاجئين السوريين، ما يؤكّد الطبيعة المسيّسة للسياسة المتبعة تجاه اللاجئين. كما أن تهميش اللاجئين أكثر سيدفع السوريين إلى مزيد من العوز وسيؤدّي في الواقع، إلى تفاقم الحال على المدى الطويل .
واقع الحال على أرض العثمانيين أنه سيؤرخ ليوم السبت 13 يوليو/تموز 2019 كنقطة تحول أساسية لقضية اللاجئين السوريين عندهم. فوزير الداخلية سليمان صويلو، ومسؤولون كبار اجتمعوا بصحافيين سوريين وعرب في إسطنبول. الوزير التركي أكد أن بلاده «أعدت خطة تنفيذية تشمل ثلاثة ملفات: الهجرة غير القانونية، والهجرة النظامية، ووضع الحماية المؤقتة، فتنظيم ملف الهجرة يعني تطبيق القوانين كاملة على السوريين كتجار وأصحاب محلات وأفراد بضرورة حصولهم على التراخيص المناسبة وحملهم للأوراق الثبوتية وتصاريح العمل بالنسبة للعاملين».
في محاولة البحث في ما يخص الإقامة، فمن لا يحمل إقامة نظامية في إسطنبول «معرّض» للترحيل إلى بلده، ومن يحمل «إقامة الحماية المؤقتة» (كيملك) من ولاية أخرى سيتم إرجاعه إليها. وإن تناقلت مواقع صحافية وناشطون سوريون قول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن بلاده «ستوقف الخدمات الطبية المجانية المقدمة للسوريين». وهنا ليس ثمّة حافز لدى المجتمع الدولي للنهوض بأعباء اللاجئين السوريين، في حين يواجه تحدّيات وطنية خاصة به. لا شك في أنها لحظة حاسمة في أزمة اللاجئين السوريين. ولذا، يتعيّن على المجتمع الدولي أن يتحوّل نحو نهج مستدام طويل الأجل للنهوض بأعباء السوريين النازحين والمجتمعات المضيفة. فحقاً، يستحق اللاجئون الحصول على دعم الدول المانحة لمواجهة تحدياته الأكثر انتشاراً على صعيد الموارد والاقتصاد والحوكمة، مع الحفاظ في الوقت نفسه على نطاق الحماية الإنسانية الأساسية للاجئين السوريين.
كذلك، يبقى أن حل المشكلة السورية يساهم في حل مشكلة اللاجئين السوريين، الذين يعتبرون عبئًا اقتصاديًا وأمنيًا على بعض الدول. ولا ننسى أن لدى دول الجوار أعباء كبيرة خارج حدود الدولة، فالنظام يرى أنه ينبغي على تركيا أن تصبح قوة كبيرة في الشرق الأوسط، لكي تكتسب النفوذ الكافي لدى أوروبا، ولدى تركيا عدد من المخاوف، وتعتمد في الوقت نفسه على عدد من المعطيات الموضوعية في رسم مسار موقفها من الأزمة السورية، فحساباتها دقيقة جدًا ومعقدة، وإن كانت تحاول أن توازن بين عدد من الاعتبارات الحساسة في الوقت نفسه، أثناء اتخاذها موقفها، وتعرف تركيا أن التغيير سيطال المنطقة برمتها، لكنها تخاف من سيناريو الفوضى الكارثي.
نعم، من حق السلطات القضائية في أي بلد ومنها (تركيا)، أن يعاقب كل من ارتكب جريمة في نطاق اختصاص سلطته القضائية، في إطار منع الجناة من الإفلات من العقاب، ووفق منظومة الضمانات القانونية للحقوق، غير أن ارتكاب أحد السوريين لجريمة ما على الأراضي المجاورة، يجب أن لا يُعرّض غيره من السوريين غير المنخرطين لأي ملاحقة أو اضطهاد قضائي أو غير قضائي.
الحقيقة أن المجتمع الدولي يقلّص باستمرار تمويل الاحتياجات الناجمة عن تدفّق اللاجئين، فقد شهد اللاجئون السوريون تقييداً مماثلاً لنطاق الحماية في دول الجوار. وعلى الرغم من أن هذا الأخير شهد في الواقع زيادة صافية في المساعدات الدولية، فإن شعور المانحين بالإعياء يثير المخاوف من أن يصبحوا مسؤولين عن مجموعة أخرى من اللاجئين على المدى الطويل. ويبقى وسط ذلك واقع الحال التركي أنه تأتي القرارات الجديدة والتفعيل لأخرى قديمة والتشديد في تطبيق القرارات الأخرى، تطورات قد تنبئ بانعكاسات قريبة على وضع السوريين في تركيا، خاصة في ما يتعلق بالإقامة والعمل والرعاية الطبية. فهل حقاً أضحى «كرم الضيافة» التركي على المحك؟ وهل أصبح اللاجئون السوريون في تركيا.. بين مطرقة معارضة وسندان حكومة؟