هي بنت غرناطة الصغرى. يلقبونها بالحمامة البيضاء. مدينة تكاد تكون بأكملها فوق جبل، توحي لك بأنها جزيرة داخل المملكة. مدللة الحس.
أعلنتها منظمة اليونيسكو مدينة مبدعة في الفنون الشعبية والصناعة التقليدية، و صنفتها ضمن التراث الإنساني العالمي.
أهلها بسطاء الطبع رغم نزعة الكبرياء التي تسكنهم. فالتطواني يكفيه أن يكون تطوانيا ليشعر أنه متميز وذلك يعود لأصوله الموريسكية المعتادة بالفطرة على البروز. أكثر ما يستهوي سكانها هو النظافة والمظهر الحسن. المرأة في تطوان بصفة عامة لا تغادر بيتها إلا إن كان وشاح رأسها ولباسها متطابقين في اللون، والحذاء والحقيبة أيضا إلى آخر وأصغر كل تفصيلة تنافسها في ذلك بالدرجة الأولى الرباطية.
إلا أنهم عكس الرباط في الرفاه والمظاهر الاجتماعية. فأشد ما يضايق التطواني هو تعريف الشخص بمنصبه المهني (دكتور محامي مهندس)، أمور تجعله يشعر بالحذر من الذي أمامه وأيضا بالنفور لأنه يعتبر ذلك تكبرا. فطبيعة الجبل لا تتعامل مع الوظيفة وإنما مع المعاملة ومدى بشاشة الوجه. لهذا قالو دوما أن الملك محمد السادس يرتاح في تطوان أكثر من أي مدينة أخرى، أولا بسبب طبيعتها وثانياً لبساطة أهلها التي تميل للقروية الأنيقة.
التطوانيون بالرغم من أنهم مهذبون، يبقى تهذيبهم محلي الطبع. فطبيعة الجبل مباشرة جدا تصل لدرجة الحدة، مما يجعل أهل الداخل وهو وصف يطلق هنا على كل مدن الجنوب، يجدونهم قساة في التعبير في الوقت الذي لا يشعرون هم بذلك.
الطابع العام لسكان تطوان هو البيتوتي، تستشعره في المخاطبة العامة بين الناس فهو إن نادى قال “أختي أو أخي أو الوالدة والوالد أوالشريف والشريفة لكبار السن”، عكس الرباط مثلا الذي يخاطب إما ب “مدام أو لالة او سيدي”.
تاريخيا هي أول مدينة في العالم العربي اقيمت فيها مدرسة من مدارس الرابطة اليهودية التي قدمت تعليما عصريا لابناء هذه الطائفة، وكان سقوطها عام 1860 بيد الاسبان بداية لانهيار المغرب وزيادة شهية الجيران الايبيريين والاوروبيين في الانقضاض عليه.
مدينة ضمت أعراقا مختلفة مما جعلها تشتهر بلقب مدينة الفتيات الجميلة، أو كما يقال “من أراد الجمال فليذهب للشمال وتحديدا تطوان” أو كما يقال في المطلق “أراولي زين الجبال”.
لكن هذا الجمال يحمل وجها قاسيا للعاشق أو المغرم الذي أتى خاطبا من مدن الجنوب تحديدا الدار البيضاء والرباط وفاس. وهذا يعود لسببين أولا بسبب شدة الدولة في التعامل مع اهل الشمال في بعض المحطات التاريخية غير البعيدة، إذ كانت تبعث مسؤولين من مناطق الداخل كانوا شداد الطبع متغطرسين في التعامل، الأمر الذي ركب في نفسية التطواني شعورا الغربة وحاجزا نفسيا بينه وبين الوافد من تلك المناطق، وثانياً لأن الزيجات القليلة التي تمت في القرن الماضي مع البيضاويين والرباطيين حملت معها صدمة للمحيط التطواني والجبلي المحافظ، فكثير ممن كانوا يأتون إلى الشمال في ذلك الزمن هم ممن اعتاد على نمط عيش منفتح اكثر مما هو متعارف عليه. أضف إلى ذلك طلب الزوج من زوجته المغادرة معه إلى مناطق الداخل، مما جعل موضوع الإرتباط مع الداخل إلى اليوم هو أمر محط جدال.
في نفس الوقت كان سببا في أن يقبل الجبلي الزواج من الريفي على الرحب والسعة، لأن الطابع المحافظ للريفي هو في عرف التطواني تدين واطمئنان على العرض، ولأن افتقار منطقة الريف نسبيا للخضرة واسلوب العيش المديني، خاصة فيما مضى، هو للتطواني والجبلي ضمان لمكوث ابنتهم بقربهم واستقرار لها بجوارهم.
وعودة لتطوان المدينة، فهي مدللة المملكة ووتر مشحون بالتاريخ الأندلسي الخالد.
الأولى على صعيد المملكة في المحافظة على نظام قوانين السير والمرور، والمهووسة بالنظافة والبياض لدرجة التباهي وصاحبة اللكنة الغرناطية العذبة لمن أتقن فن المديح وفهم مداخل ومخارج حنجرة الصوت، وهم أهل الذوق الرفيع إن حضروا وأروع من يعبر عن شكره إذ يقول بعد كل معاملة “الله يرحم والديك”.
✏️مريم عرجون / كاتبة مغربية