عبد السلام اسريفي
يتفق الكثير من الساكنة والمهتمين بإقليم الخميسات، على أن العامل الحالي منصور قرطاح لم يقدم ما كان منتظرا منه كممثل جلالة الملك باقليم مهمش يعاني الاقصاء والهشاشة.
فأغلب المشاربع التي دشنها عامل الخميسات يقول حقوقي كانت من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية،وكان من ورائها أشخاص عرفوا بخبرتهم وجرأتهم والتزامهم،واستهدفت بشكل أساسي بعض المرافق الخدماتية بالاقليم ( دار الطالبة، دار الأمومة، سيارات لنقل الأموات وأخرى لنقل التلاميذ، بالاضافة الى مشاريع أخرى تعد على رؤوس الأصابع).
لكن،هل يكمن دور عامل الاقليم في تدشين مشاربع التنمية البشرية؟
بالرجوع الى مهام العمال كما حددها الدستور المغربي، نجد أن من مهام العمال هناك تمثيل الدولة في العمالات والأقاليم والجهات،السهر على تنفيذ القوانين، وتحمل المسؤولية عن تطبيق قرارات الحكومة،تحمل مسؤولية تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية.
هذا جعل العمال يحتلون مكانة سامقة في البناء المؤسساتي على المستوى الترابي باعتبارهم ممثلين للدولة ومشرفين مباشرين على عمل المصالح الخارجية للوزارات، وباعتبارهم كذلك مسؤولين عن تطبيق قرارات الحكومة وتنفيذ القوانين.
وهي الاختصاصات التي تخولهم بامتياز لعب ضابط إيقاع عمل مختلف مؤسسات الدولة على المستوى المجالي.
فالعمال يترأسون عدد كبير من اللجان المشرفة إما على اقتراح أو تنفيذ السياسات والبرامج في لمختلف القطاعات الوزارية وفي مختلف الميادين، وفق ما تنص عليه النصوص القانونية والتنظيمية وكذا برامج هذه القطاعات، وذلك في كل المجالات تقريبا. وهو الأمر الذي يمكن اعتباره طبيعيا بالنظر للأدوار المحددة لهم في الدستور.
كما يمارسون دور الوصاية الذي يمارسونه على الجماعات المحلية طبقا لمقتضيات الميثاق الجماعي والقوانين المنظمة لمجالس العملات والأقاليم .
فهم يتحولون عمليا إلى المشرف الرئيس على عمل كل من المصالح الخارجية والمؤسسات التابعة للحكومة وكذا على الجماعات الترابية. وإذا أضفنا إلى ذلك أدوارهم في تنسيق تدخل المؤسسات الأمنية على مستوى مجال تدخلهم، فإن هذا يجعلهم يتحملون المسؤولية الأولى في تطبيق سياسة الدولة ككل على مستوى مجال تدخلهم.
بالاضافة الى هذا فدورهم يمتد إلى المجالين الاقتصادي والتنموي بشكل عام، حيث يلعبون دورا بالغ الأهمية في تيسير إنعاش الدورة الاقتصادية على المستوى المجالي.
كما يمثلون السلطة المركزة في الجماعات الترابية عوض الدولة كما كان منصوصا عليه في الدستور السابق. وهو تغيير عميق الدلالة ويأتي منسجما مع تعزيز موقع الجماعات الترابية، خاصة الجهات. بحيث أن تمثيلية الدولة أصبحت مركزية، فالملك هو المثل الأسمى للدولة ( الفصل 42) وباقي المؤسسات تقوم بمسؤولياتها وفق اختصاصاتها الدستورية والقانونية.
فهل عامل اقليم الخميسات سبق له أن مارس دوره القانوني والاجتماعي والاقتصادي؟
فبعد أسبوع من تعيينه، تبين أن العامل الجديد له طريقـته الخاصة في تحديد لائحة الانتظارات,وتبين فيما بعد، أن المقاربة المعتمدة كانت أيضا ستمكنه من التعرف على الإمكانيات البشرية والكفاءات المتوفرة، والاقتراب من النخب المؤثرة والفاعلة .
هكذا، أعلن العامل في اجتماع موسع عن تفاصيل مقاربته، ودشن تفعيلها بلقائه بمختلف فعاليات المجتمع المدني ، لتليها بوثيرة يومية، اللقاءات مع كل من : الأحزاب السياسية ، النقابات، الجمعيات الحقوقية، البلديات، الجماعات القروية ,الغرف المهنية … وهي لقاءات أتاحت له ترتيب لائحة الانتظارات، حسب أهميتها.
بعد هذه اللقاءات التي أطلق عليها حينها بالتواصلية،استبشرت الساكنة خيرا خصوصا والاقليم يعاني هشاشة قاتلة واقصاء ممنهج يتغدى من حساسيات سياسية ضيقة،فهناك جماعات تنتظر فك العزلة عنها،وسكان لا يطلبون الا قطرة ماء للشرب،وآخرون ينتظرون فتح مراكز صحية لتجنب مخاطر الطريق عند نقل حواملهم وأطفالهم للمستشفى الاقليمي للخميسات،وطلبة ينتظرون خلية جامعية لتخفيف العبء على آبائهم،وأسر اضطرت لتوقيف بناتها عن متابعة دراساتهن بسبب بعد المدرسة،ومعطلين اتخذوا أبواب العمالة مقراتهم الدائمة في انتظار التفاتة أو حتى لقاء مفتوح،ووداديات غارقة في مشاكل استمرارها يعني ضياع حقوق وتكريس منطق القوي وأصحاب النفوذ بالاقليم،وانتشار البناء العشوائي بشكل يهدد جمالية المدن واستقرارها،…
فبالرجوع الى المدة التي قضاها عامل الاقليم على رأس مؤسسته،وتفحص ما تم فعله خارج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،هناك حصيلة ضعيفة بالمقارنة مع عمالات أخرى كقلعة السراغنة مثلا التي استطاعت في ظرف وجيز تسلق سلم الترتيب على مستوى الجهة ،فلا زالت هناك مداشر تعاني العطش خاصة على مستوى جماعة أيت ميمون، وأخرى محاصرة بسبب البعد أو عدم وجود طرق أو حتى مسالك،ولا زلنا نجد آباء يضطرون لتوقيف بناتهم بسبب عدم وجود مؤسسة التعليم الاعدادي بالقرب من سكناهم،ولا زلنا نتابع نساء حوامل يتم نقلهن بشكل غير إنساني في وسائل النقل العمومي في اتجاه المستشفى الاقليمي بسبب عدم وجود دار للولادة أو حتى مركز صحي،ولا زلنا نرى الحفر تتوسط الطرق وأحيانا تتسبب في حوادث سير قاتلة،ولا زلنا نرى قنوات الصرف الصحي تفرغ حمولاتها بالأزقة والشوارع كما هو الشأن بالنسبة لجماعة تيداس،ولا زلنا نسمع عن سكان بلا إنارة عمومية كما هو الشأن بأحياء في قلب مدينة الخميسات،ناهيك عن دواوير غير بعيدة عن مقر العمالة،ولا زلنا نرى وقفات لسكان يحتجون أمام المؤسسة الاقليمية ،طلبا للماء والكهرباء والعيش الكريم،ولا زلنا نتابع كيف اكتسح الباعة الجائلون أزقة وشوارع الخميسات والرماني وباقي الجماعات باستثناء تيفلت التي شرعت في تنظيم هذه الفئة،ولا زلنا نتابع عبر مواقع التواصل الاجتماعي كيف يتذمر شباب الاقليم من أفعال بعض رجال السلطة والأمن،وصرخاتهم بفتح تحقيق في بعض الرخص الخاصة بالبناء هنا وهناك،ولا زال المعطلون يحلمون بلقاء مفتوح يقترحون من خلاله أفكارهم على أمل دعمها وتنزيلها على شكل مشاريع مدرة للدخل،ولا زالت البطالة في تصاعد خطير،انتشار الجريمة ،توقف مشاريع وتعثر أخرى….
هذا لا يعني ،أن الرجل لم يحقق شيء يذكر،بل ساهم في إخراج الكثير من المشاريع في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،لكن السكان ،في حاجة الى عامل يساهم مساهمة قوية وجدرية في تنمية الاقليم، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ويجعل منه قطبا صناعيا مهما يستطيع تحريك المنطقة اقتصاديا وتوفير فرص الشغل وضمان العيش الكريم .
فمجموعة من الشركات أغلقت أبوابها بالمنطقة الصناعية بالخميسات،ما تسبب في هجرة العديد من اليد العاملة المحلية للشمال أو مناطق أخرى،تعثر غير مبرر للمنطقة الصناعية لعين الجوهرة،ركود اقتصادي محلي مخيف،تعثر كبير لمجموعة من المشاريع المدرة للدخل،تراجع الاقتصاد المحلي،وانتشار البطالة،ما دفع شباب الاقليم للهجرة بحثا عن عمل قار يضمن الحياة العادلة.
فالكثير من المتتبعين للشأن الاقليمي يرون أن العامل الحالي لم يقدم الكثير للاقليم باستثناء مشاريع محسوبة على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وهي تعد على رؤوس الأصابع،وهو ما جعل الاقليم يحتل المرتبة الأخيرة في سلم الترتيب بالجهة، تأخر ملموس في كل القطاعات،تعثر ملحوظ في كثير من الأوراش،يرجعه المهتمون بتداخل السياسي بالاداري وتباطؤ الآمر بالصرف في دعم بعض المشاريع بسبب حساسيات سياسية .
الساكنة في آخر هذا المقال تحتاج إلى إرادة حقيقية،قادرة على حل كل الاشكالات،لها من الأدوات والآليات ما يجعلها متحررة من اللوبي السياسي، لها من الفطنة ما يساعدها على التقاط رسائل جلالة الملك فيما يتعلق بالتنمية المحلية ،لها من الجرأة ما يجعلها قادرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
أختم بما قاله لفتيت وزير الداخلية المغربي بخصوص رجل السلطة ودوره المحوري ” “الدور المحوري الذي يلعبه رجل السلطة ضمن المنظومة المؤسساتية أصبح اليوم أكثر تعقيدا، بالنظر إلى التطورات المتسارعة التي تعرفها بنيات المجتمع والحاجيات والانتظارات الآنية والملحة للمواطن في كل المجالات المرتبطة بحياته اليومية”.