اسماعيل كايا / اسطنبول
رغم نفوذها الكبير في الأزمة السورية وضعت إيران خارج الحسابات في الاتفاقيات الأخيرة التي توصلت إليها تركيا مع الولايات المتحدة وروسيا والتي تعيد رسم خريطة السيطرة والنفوذ في شمال وشرق سوريا بعيداً عن طهران التي لمحت تركيا لإمكانية تغيير موقفها الداعم لها في العديد من الملفات رداً على هجومها الحاد على عملية نبع السلام التي نفذها الجيش التركي شرقي نهر الفرات شمالي سوريا. وعلى الرغم من أنه لم يكن من المتوقع أن يكون لطهران أي دور في التفاهمات التي جرى التوصل إليها بين أنقرة وواشنطن حول شمالي سوريا، إلا أنه لا يعرف حتى الآن ما إن جرت أي تفاهمات سرية بين البلدين حول تقييد النفوذ الإيراني في المناطق التي ستنسحب منها القوات الأمريكية، ولا سيما فيما يتعلق في المناطق الحدودية مع العراق. وفيما اعتبر «تلميحاً» لموقف تركي جديد من النفوذ الإيراني في سوريا، ذكر وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو في حوار مع وكالة الأناضول، الأربعاء، أن هدف الولايات المتحدة الأساسي في سوريا يتمثل في منع إقامة ممر إيراني وتقليص نفوذها في سوريا، وقال الوزير: «هدف الولايات المتحدة منع إقامة ممر إيراني في سوريا، سنرى ماذا ستفعل الولايات المتحدة (لتحقيق هذا الهدف)، لكن هذا العمل هو ما ستقوم به الولايات المتحدة في سوريا». وبينما لم تكن رسالة الوزير التركي واضحة بما فيه الكافية، إلا أن أطرافاً تركية فسرتها على أنها تلويح بإمكانية تعاون أكبر مع الولايات المتحدة يهدف إلى تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، وذلك في إطار الغضب التركي المتصاعد من موقف طهران من عملية نبع السلام في سوريا. هذا التصريح التلويح الغامض، جاء بعد يوم واحد من تلويح أكثر وضوحاً من الرئيس رجب طيب اردوغان ذكر فيه طهران بالموقف التركي من الملف النووي الإيراني، وبلغة العتاب طالب اردوغان من نظيره الإيراني حسن روحاني «إخماد» الأصوات التي تنتقد العملية العسكرية التركية في سوريا. وقبيل مغادرته إلى موسكو الثلاثاء، قال اردوغان: «ثمة أصوات مزعجة تصدر من الجانب الإيراني، وكان ينبغي على روحاني إسكاتها، فهي تزعجني أنا وزملائي، وبينما أدان اردوغان هذه التصريحات، حذر من أنها «تطعن التعاون القائم بين تركيا وروسيا وإيران لحل الأزمة السورية».
رداً على مواقفها الحادة ضد العملية العسكرية التركية في سوريا
ويعتقد أن أنقرة ما زالت تساعد طهران في التحايل على العقوبات الأمريكية وتقديم تسهيلات اقتصادية واسعة لها، حيث تقول تركيا إنها تلتزم بالعقوبات الأممية ولكنها غير مجبرة على الالتزام بالعقوبات الأمريكية أحادية الجانب، وهي الورقة الأقوى في يد تركيا للضغط على إيران التي تعاني من صعوبات اقتصادية كبيرة وتساعدها التسهيلات التركية في الصمود أمام الضغط الأمريكي المتواصل. ومنذ انطلاق العملية التركية شرق الفرات، أطلقت العديد من التصريحات الرسمية الإيرانية المنددة بالعملية، وما قالت تركيا إنها حملة تشويه ممنهجة قامت بها وسائل إعلام إيرانية، كما قامت وكالة الأناضول بحملة «تفنيد مزاعم وأكاذيب تروجها وسائل إعلام إيرانية لتشويه العملية التركية في سوريا»، كما هاجمت صحف إيرانية رسمية اردوغان ووضعت صورة له على غلاف صحيفة إيرانية وصفته فيها بـ»الإرهابي». ورغم الدور الفاعل لطهران في الملف السوري، إلا أنها كانت خارج الاتفاقيات الأخيرة التي جرت شمالاً في مناطق النفوذ التركي بشكل خاص، لا سيما اتفاق حماية الحدود الأخير بين أنقرة وموسكو، وما سبقه ما اتفاقيات في سوتشي حول إدلب، حيث اقتصرت التفاهمات على الجانبين التركي والروسي رغم أن إيران تعتبر الدولة الضامنة الثالثة في إطار ثلاثي أستانة لحل الأزمة في سوريا. وفي تعقيبها على الاتفاق التركي الروسي الأخير، رحبت طهران بما قالت إنها «جميع المبادرات الرامية إلى تعزيز سلامة الأراضي والسيادة الوطنية وإحلال السلام والاستقرار في سوريا»، وعبر لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية عباس موسوي عن أمله في إقامة حوار مباشر بين دمشق وأنقرة. ورغم التعاون التركي الإيراني في العديد من الملفات الإقليمية وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين في السنوات الأخيرة، إلا أن الملف السوري بقي أحد أبرز ملفات الخلاف بين البلدين، حيث تدعم طهران النظام السوري، وتدعم في المقابل أنقرة المعارضة السورية. وبينما تعاون البلدين في إطار أستانة لتعزيز التقارب وحل الأزمة السورية، إلا أن طهران ضلت تعمل من أجل منع أنقرة في تحقيق نفوذ أكبر لها في سوريا، في حين عملت تركيا من أجل تقليص النفوذ الإيراني في سوريا ومنع وصول المليشيات الإيرانية للشريط الحدودي.