اسماعيل كايا / اسطنبول
هاجم الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، أمس الأربعاء، الولايات المتحدة الأمريكية، بعد تبني مجلس النواب قرارًا بإدانة الأرمن في العهد الثماني بتركيا.
والثلاثاء، تبنى مجلس النواب الأمريكي، مشروع قانون يصف المزاعم الأرمنية بخصوص «أحداث 1915» بـ «الإبادة الجماعية»، وآخر ينص على فرض عقوبات ضد تركيا بسبب تنفيذها عملية «نبع السلام» شمالي سوريا.
وقال اردوغان أمام نواب حزب «العدالة والتنمية» في البرلمان: «هذه الخطوة لا تمثل أي قيمة لنا. نحن لن نعترف بها». وأضاف: «الدولة التي لديها تاريخ ملطخ بأعمال الإبادة الجماعية والعبودية والاستغلال ليس لها الحق في أن تقول أي شيء لتركيا أو تعلمها درسًا».
وزاد: «نأسف لأنه يتم القبول بتشويه بلادنا في برلمان دولة»، مؤكدًا أن الإبادة الجماعية محرمة تمامًا في الإسلام.
ووصف القرارات «بالخطوات التي تهدف إلى الاستهلاك السياسي المحلي فقط».
كذلك، أدانت وزارة الخارجية التركية القرار غير الملزم بشأن الأرمن، الذي تم تمريره بواقع تأييد 405 نواب مقابل رفض 11 نائبًا في المجلس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون.
وأفادت وكالة «الأناضول» التركية بأن الخارجية التركية استدعت السفير الأمريكي بأنقرة ديفيد ساتيرفيلد، على خلفية الخطوة.
وأيضاً، أدان زعيم «الحركة القومية» التركي دولت بهتشلي، القرارين الأمريكيين، وقال في تصريح للصحافيين في العاصمة أنقرة: «أدين القرار المزعوم لمجلس النواب».
وأضاف: «العلاقات وروابط الشراكة الودية والاستراتيجية بين تركيا والولايات المتحدة أصيبت بجرح عميق».
في السياق، انتقد كمال قليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، القرارين ضد بلاده، مبيناً أن هذه الخطوة تؤثر سلبًا على علاقات تركيا مع أرمينيا، فضلًا عن علاقاتها مع واشنطن. وأكد على رفضه بشدة قرار مجلس النواب الأمريكي، رقم 296، مشددًا على ضرورة تجنب البرلمانات اتخاذ قرارات تؤدي إلى ظهور توترات جديدة في المنطقة.
البرلمان التركي كذلك أدان القرارين، وقال في بيان: «ندين ونرفض بأسف تبني مجلس النواب الأمريكي فرضيات بعض الجهات حول مزاعم المجازر الأرمنية، وتحويل تلك المزاعم إلى قرار رغم اعتراض بعض الأعضاء».
وأشار إلى أن «كانت هناك مبادرات مماثلة في السنوات السابقة، غير أنها لم تنعكس على التصويت في مجلس النواب بهذه الطريقة العدائية».
وأضاف: «للأسف، ساهم مجلس النواب مرة أخرى عبر قراره هذا، في إرث سياسة العبودية والاستعمارية والاستغلالية والإمبريالية، بدلًا من المساهمة لإعلانات حقوق الإنسان المناهضة للعبودية».
وتابع: «قرار مجلس النواب الأمريكي الذي يهدد تركيا بفرض عقوبات ما هو إلا محاولة ابتزاز، وأنقرة لم ولن ترضخ إطلاقًا لأي ابتزاز».
واستطرد بالقول: «نحن ككيان واحد نرفض بشدة قرار مجلس النواب الأمريكي الذي يهدد أنقرة بفرض عقوبات».
وتابع: «البرلمان التركي يؤمن من حيث المبدأ بأن القرارات المتعلقة بالأحداث والادعاءات التاريخية ليست من صلاحيات البرلمانات».
وتمر العلاقات التركية الأمريكية في الأسابيع الأخيرة بواحدة من أسوأ مراحلها على الإطلاق وسط خلافات متصاعدة بين الجانبين فتحت الباب واسعًا أمام تساؤلات جوهرية متكررة حول ما إن كان هناك حقًا ما يمكن أن يطلَق عليه «تحالفًا استراتيجيًا» بين البلدين اللذين يمتلكان أكبر جيشين في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ومع كل حلقة من حلقات الخلاف المتعاظم بين أنقرة وواشنطن، لا يتوانى البلدان عن التأكيد على ضرورة التعامل بما يتلاءم مع «روح التحالف الاستراتيجي» بينهما، وهو ما يجمع كثيرون على أنه بات مجرد كلام إنشائي لا يتوافق مع مستوى التباعد الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين.
وإلى جانب الخلافات بين البلدين على المستوى الرسمي في ملفات كبرى، يتصاعد الشرخ الشعبي العام، حيث تشير كثير من الدراسات واستطلاعات الرأي إلى أن أغلبية ساحقة من الشعب التركي لا ترى في الولايات المتحدة «حليفاً استراتيجياً». وعلى العكس من ذلك، ترى فيها دولة معادية وسط تصاعد كبير في مستوى الكراهية للولايات المتحدة وسياساتها في العالم واتجاه تركيا بشكل خاص.
ويغذي ذلك، بشكل واضح، الخطاب الرسمي والإعلامي التركي، حيث لا يخلو خطاب لاردوغان من توجيه اتهامات باستخدام لغة حادة جدًا ضد الإدارة الأمريكية، ويتهم وزراءه بشكل منظم واشنطن بـ«دعم الإرهابيين ضد تركيا»، فيما يقدم الإعلام وجبة يومية دسمة كافية لإقناع أي مواطن بأن الولايات المتحدة ما هي إلا دولة معادية لتركيا وتعمل ضد مصالحها. وأظهرت التطورات الأخيرة المتعلقة بالعملية العسكرية في سوريا مدى تصاعد المواقف المعادية لتركيا داخل الإدارة الأمريكية ومجلسي الشيوخ والنواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حد سواء وصولًا لاتخاذ قرارات غير مسبوقة ضد تركيا.
وخلال عملية «نبع السلام»، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديدات مباشرة وغير مسبوقة ضد تركيا، وتوعد بـ«تدمير وسحق الاقتصاد التركي»، متفاخرًا بأنه وجه ضربة كبيرة للاقتصاد التركي خلال أزمة الراهب برانسون الذي كان موقوفًا في تركيا، وهو ما قدمه الإعلام التركي كدليل على أن الولايات المتحدة هي سبب «المؤامرات الاقتصادية» على تركيا، وهي المتسبب في الصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها المواطن التركي.
ويعتبر دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا من أبرز أسباب الخلاف المتصاعد بين البلدين، حيث يتساءل المسؤولون والمواطنون الأتراك بشكل دائم عن أسباب دعم واشنطن «تنظيم إرهابي مرتبط بتنظيم بي كا كا المصنف في أمريكا إرهابيًا» ضد تركيا، وتمده بآلاف شاحنات الأسلحة والمعدات العسكرية وتدافع عنه وتفرض عقوبات على تركيا لإرضائه.
وعلى مستوى الاجتماعات والاتصالات الثنائية الرسمية، واجتماعات حلف «الناتو»، دائماً ما تطرح تركيا أسئلة مبدئية على واشنطن تتمحور حول «هل أنتم حلفاء لتركيا أم للوحدات الكردية؟».
وكرر أردوغان خلال الأيام الماضية السؤال «منذ متى أصبح تنظيم ب ي د الإرهابي عضواً في الناتو وأهم من تركيا بالنسبة لكم؟»، وسط توحد شعبي وحزبي ورسمي تركي على رفض مكتوب ترامب لاردوغان الذي وصف بـ«المهين» ولا يتوافق مع «الحد الأدنى من اللباقة الدبلوماسية والعلاقات بين الدول».
كما لا تزال شريحة واسعة من الشعب التركي على قناعة راسخة بأن واشنطن دعمت محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد عام 2017 وأدت إلى مقتل 250 مواطنًا تركيًا، ويثير إصرار واشنطن على حماية وعدم تسليم تركيا فتح الله غولن، المتهم بقيادة المحاولة الانقلابية، غضب الشارع التركي الذي قدم له الإعلام ما قال إنها الأدلة الكافية على دعم واشنطن للمحاولة الانقلابية الدموية. إلى جانب كل ذلك، وفي إطار الخلافات المتصاعدة بين البلدين في السنوات الأخيرة، بدأت تركيا بالتوجه رويدًا رويدًا نحو روسيا مبتعدةً شيئًا فشيئًا عن حلفائها التقليديين في الناتو، ومن تطوير السياحة والعلاقات الاقتصادية إلى التعاون في مجال الطاقة النووية وخطوط الغاز، تعمق التعاون بين البلدين في المجالات الاستراتيجية وعلى رأسها السلاح.
وبديلًا عن منظومة باتريوت الأمريكية التي تقول أنقرة إن واشنطن رفضت بيعها لها، اشترت تركيا منظومة إس 400 الروسية في خطوة تاريخية تعتبر أكبر مؤشر على مدى ابتعاد تركيا عن حلفها مع واشنطن التي عاقبتها بطردها من مشروع طائرة إف 35 الاستراتيجية، الأمر الذي عمق الخلافات ودفع تركيا للبحث عن بديل روسي، وسط أنباء عن قرب توقيع أنقرة على صفقة لشراء 48 طائرة من طراز إس يو 35 الروسية، الأمر الذي قد يترتب عليه مزيد من العقوبات الأمريكية على تركيا.
وفي خلافات جوهرية متصاعدة تتعلق بملفات سوريا والوحدات الكردية وغولن وتزايد العقوبات والتهديدات بين البلدين والتقارب التركي المتزايد مع روسيا، لا يتوقع أن تنجح زيارة اردوغان إلى واشنطن والمقررة في الثالث عشر من الشهر المقبل بإحداث اختراق حقيقي في العلاقات بين البلدين، التي يبدو أنها باتت أبعد ما يكون عن وصفها بـ«التحالف الاستراتيجي».