اسماعيل كايا / اسطنبول
تشهد مناطق شمال سوريا تداخلاً غير مسبوق بين الجيوش الأمريكية والروسية والسورية والتركية وفصائل مسلحة مختلفة في مشهد هو الأعقد منذ بداية الأزمة السورية المعقدة أصلاً قبل نحو ثماني سنوات، وذلك على الرغم من قرار الانسحاب الأمريكي من الشريط الحدودي مع تركيا.
وتعيش المنطقة تحركات متسارعة وسط غموض في الخطة الأمريكية النهائية لطبيعة وأماكن الانتشار في سوريا وعودة القوات الأمريكية لمناطق دخلتها قوات النظام السوري ودوريات عسكرية روسية، وأخرى باتت تحت سيطرة الجيش التركي، الأمر الذي زاد المشهد تعقيداً بشكل غير مسبوق.
والخميس، سيرت القوات الأمريكية لأول مرة منذ إعلانها الانسحاب من المنطقة دورية على الحدود مع تركيا، وأوضحت وكالة الأنباء الفرنسية أن خمس مدرعات تحمل الأعلام الأمريكية سيّرت دورية من قاعدتها في مدينة رميلان (في محافظة الحسكة) متّجهة إلى الشريط الحدودي مع تركيا شمال بلدة القحطانية. وهذه المنطقة كانت واشنطن تسيّر فيها دوريات قبل سحب قوّاتها من نقاط حدودية عدة مع تركيا، وعادت إليها للمرة الأولى منذ أسابيع، فيما أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن القوات الأمريكية تسعى للحفاظ على وجودها في بضع نقاط من الحدود الشرقية.
والخميس أيضاً، عبرت قافلة أمريكية تتكون من أكثر من 100 عربة عسكرية وشاحنة من مناطق الاشتباكات قرب تل تمر في ريف الحسكة، كما عبرت من مناطق سيطرة النظام السوري على الطريق الدولي جنوب تل تمر بتغطية جوية أمريكية، وصولاً إلى مناطق في عين العرب/كوباني وعين عيسى وهي مناطق باتت تتواجد فيها قوات روسية وأخرى تابعة للنظام السوري إلى جانب الوحدات الكردية.
«الدفاع» التركية: نحتجز 18 من قوات النظام ومباحثات مع موسكو لإطلاقهم
وتأتي عودة القوات الأمريكية للتحرك في مناطق انسحبت منها وأخرى على الشريط الحدودي مع تركيا بالتزامن مع استمرار الاستعداد العسكري لتسيير دوريات روسية – تركية مشتركة بعمق 10 كيلومترات على الشريط الحدودي بموجب اتفاق «سوتشي» الأخيرة بين البلدين. وبعد أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الأربعاء، أن الدوريات المشتركة سوف تبدأ الجمعة، أعلنت موسكو الخميس أن الشرطة العسكرية الروسية بدأت بتسيير دوريات استكشافية على الشريط الحدودي استعداداً للدوريات المشتركة مع الجيش التركي.
وفي ظل هذا التداخل غير المسبوق للجيوش الأربعة في المنطقة إلى جانب قوات المعارضة المدعومة من تركيا والوحدات الكردية والمليشيات التابعة للنظام فإن الخشية تتصاعد من وقوع حوادث ربما تؤدي إلى اشباكات غير محسوبة بين هذه القوات. فخلال اليومين الأخيرين تحدثت مصادر سورية وتركية عن وقوع اشتباكات مباشرة لأول مرة بين جيش النظام السوري والجيش التركي في محيط تل تمر شمال رأس العين والتي تستعر فيها الاشتباكات في الأيام حيث يحاول النظام السوري على ما يبدو منع الجيش التركي من السيطرة على المنطقة.
والخميس، أكدت مصادر محلية أن قوات النظام السوري اضطرت للانسحاب من المنطقة عقب اشتباكات مع الجيش التركي وقوات المعارضة السورية أوقعت قتلى وجرحى في صفوف قوات النظام كما أعلنت وزارة الدفاع التركية أن الجيش التركي يحتجز 18 عنصراً من قوات النظام السوري في المنطقة، في حين أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أقار، الخميس، أن مباحثات متواصلة مع موسكو من أجل تسليمهم إلى موسكو.
وإلى جانب مخاطر الاشتباك بين الجيش التركي والنظام السوري في تل تمر، تتحدث مصادر كردية عن اقتراب القوات الأمريكية من المنطقة، وسط خشية من عودة الخلافات التركية الأمريكية وانهيار اتفاق وقف إطلاق النار، حيث لا يعرف ما إن كانت منطقة تل تمر التي تتواصل فيها المعارك تقع ضمن حدود المنطقة الآمنة التي جرى الاتفاق عليها بين أنقرة وواشنطن أم لا.
إلى جانب ذلك، وخلال المباحثات بين العسكريين الروس والأتراك قرب الشريط الحدودي قبل يومين، انفجرت عبوة ناسفة قرب آليات عسكرية روسية، لكن وزارة الدفاع الروسية نفت أن يكون الانفجار ناجم عن قذيفة أطلقتها القوات التركية، على العكس مما أشيع آنذاك.
وعلى الرغم من اتفاقيات وقف إطلاق النار التي عقدتها تركيا مع روسيا وأمريكا بشكل منفصل، فإن العمليات العسكرية التركية ما زالت متواصلة بصمت وبدون إعلانات رسمية لتأمين المناطق الواقعة في محيط تل أبيض ورأس العين، وبينما خاطب وزير الدفاع التركي قواته بالقول إن «العملية ما زالت مستمرة وعليكم الاستعداد لكافة الاحتمالات»، هدد اردوغان بأن الجيش التركي قد يوسع نطاق المنطقة الآمنة في حال استمرار الهجمات على قواته في تلك المنطقة.