اسماعيل كايا / اسطنبول
تشير العديد من المعطيات إلى وجود تعثر في المباحثات التركية الروسية حول آليات تطبيق اتفاق سوتشي الذي ينص على إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن الحدود السورية مع تركيا بعمق 30 كيلومترا شرق نهر الفرات شمالي سوريا، في ظل غموض كبير حول مصير منطقتي منبج وتل رفعت غربي النهر.
وفي الثاني والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جرت مفاوضات صعبة بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في منتجع سوتشي استمرت لأكثر من 6 ساعات متواصلة نتج عنها “تفاهم سوتشي” الذي تكون من 10 بنود وينص في جوهره على تكفل روسيا بإخراج الوحدات الكردية من الحدود السورية مع تركيا بعمق 30 كيلومترا ومنطقتي منبج وتل رفعت، وتسيير دوريات عسكرية مشتركة.
ورغم إعلان الوحدات الكردية انسحابها من تلك المناطق، وإبلاغ روسيا تركيا رسمياً بتطبيق بنود الاتفاق، وإعلان تركيا “عدم الحاجة للقيام بعملية عسكرية جديدة”، إلا أن المعطيات على الأرض تشير إلى عكس ذلك تماماً، وتؤكد المصادر التركية أن الوحدات الكردية ما زالت تنتشر في الكثير من المناطق الحدودية وأن تحصيناتها لم يتم تدميرها بعد، وأن لا شيء تغير في منبج وتل رفعت.
وعلى مدار يومي الأول والثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أجرى وفد عسكري روسي مباحثات في العاصمة أنقرة حول “الجوانب التكتيكية والتقنية لتطبيق تفاهم سوتشي”، وذكر بيان لوزارة الدفاع التركية أن المباحثات انتهت دون الإعلان عن نتائج واضحة.
وقبل بذلك بأيام، جرت مباحثات على مدار يومين بين مسؤولين عسكريين روس وأتراك في أنقرة أيضاً، دون الإعلان عن أي تفاصيل سوى تأكيد وزارة الدفاع التركية أن المباحثات ركزت على بحث آليات تطبيق تفاهم سوتشي، وسط أنباء عن تحضيرات لعقد لقاء ثالث بين البلدين.
وبعد أيام من التأخير، نفذت القوات التركية والروسية أول دورية جوية وبرية في مناطق شرق نهر الفرات بموجب تفاهم سوتشي، حيث شاركت 8 عربات عسكرية مشتركة وطائرات بدون طيار في دورية في المنطقة الواقعة شرقي رأي العين بـ40 كيلومترا وحتى غربي مدينة القامشلي بـ30 كيلومترا.
والمنطقة التي جرت فيها الدورية تعتبر منطقة محدودة جداً مقارنة بالحجم الإجمالي المقرر أن تسير فيه الدوريات من بداية شرق نهر الفرات وصولاً للحدود العراقية بطول قرابة 300 كيلومتر، حيث يستثني من شرق النهر المنطقة التي سيطر عليها الجيش التركي بين رأس العين وتل أبيض، ومنطقة القامشلي غير المشمولة بالاتفاق.
وتطالب تركيا بآلية واضحة تمكنها من التأكد من إخراج كافة عناصر الوحدات الكردية من المنطقة المحددة وأسلحتهم المختلفة وتدمير التحصينات العسكرية وشبكات الأنفاق التي أقيمت في تلك المنطقة، وهو أمر معقد ما زال الجيش التركي لم ينته منه في المناطق التي يسيطر عليها عسكرياً في تل أبيض ورأس العين، وسط تساؤلات حول آلية القيام بذلك من خلال دوريات عسكرية محدودة.
الكاتب التركي المقرب من دوائر صنع القرار في البلاد، عبد القادر سيلفي، ذكر في مقال له بصحيفة “حرييت” التركية، الإثنين، أن الكثير من الجوانب لم يتم التوصل إلى اتفاق حولها مع روسيا، لافتاً إلى أن أبرز الخلافات تتمحور حول “آلية تحييد الإرهابيين الذين يجري اكتشافهم خلال الدوريات المشتركة”، موضحاً أن روسيا تتفق على مبدأ وضرورة تحييدهم لكنها تختلف مع تركيا في الطريقة الواجب اتباعها.
ويلفت سيلفي إلى أن الخلافات تمتد أيضاً إلى الآلية التي سيجري من خلالها التنسيق والمتابعة للأوضاع الميدانية، حيث ترجح روسيا مقترح إنشاء مركز عمليات مشترك، بينما تريد تركيا إقامة نقاط مراقبة عسكرية -ما بين 12 إلى 13 نقطة مراقبة- على غرار النقاط التي أقامها الجيش التركي في إدلب ومحيطها بموجب اتفاق أستانة مع روسيا وإيران، وكتب سيلفي: “حسب معلوماتي الأجواء إيجابية بشكل عام لكن ذلك لا يعني وجود توافق حول جميع الملفات”.
وقبيل إطلاق عملية “نبع السلام” شرق نهر الفرات شمالي سوريا، أكدت مصادر تركية أن “مخطط المنطقة الآمنة يشمل إقامة 12 نقطة مراقبة عسكرية للجيش التركي من أجل تأمين المنطقة”، لكن عقب تنفيذ العملية تضاربت الأنباء حول إمكانية تطبيق هذا المخطط.
ورداً على سؤال حول هذا الشأن، قال أردوغان: “نعم، في حال الإعلان عن إنشاء المنطقة الآمنة فإن قواتنا المسلحة تخطط لإنشاء نقاط المراقبة العسكرية على غرار نقاط المراقبة في إدلب”، وذكر في تصريح سابق أن الجيش التركي يخطط لإقامة 12 نقطة مراقبة عسكرية في المنطقة الآمنة.
إلى جانب ذلك، ورغم أن الاتفاق ينص على إخراج الوحدات الكردية وأسلحتها بشكل كامل من منطقتي منبح وتل رفعت، تؤكد مصادر المعارضة السورية أنه لم يحصل أي تغيير بعد في تلك المنطقتين، وسط تظاهرات كبيرة لأهالي تل رفعت في مناطق درع الفرات تطالب الجانب التركي بالإيفاء بتعهداته وتمهيد الطريق لهم للعودة إلى مناطقهم.
ورغم تسيير دوريات تركية أمريكية لأشهر طويلة في منبج، ودوريات تركية روسية في تل رفعت أيضاً، إلا أن كل التفاهمات النظرية والدوريات التي وصفت بـ”الشكلية” فشلت في تغيير الوضع القائم وإخراج الوحدات الكردية من تلك المناطق التي ما زالت تنتشر فيها بقوة.
وقبل أيام، قال وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو إن “الروس موجودون هناك (منبج وتل رفعت) بعد انسحاب الولايات المتحدة، وسيتم إخراج ‘إرهابيي ي ب ك/ بي كا كا’ من مدينتي تل رفعت ومنبج السوريتين، وحققنا عبر الاتفاقيْن مع واشنطن وموسكو ما كنا نريده وبأقل الخسائر”.
ورغم حديث أردوغان ومسؤولين أتراك آخرين عن آليات مختلفة يمكن أن تطبق في منبج وتل رفعت مثل نقاط المراقبة، وآليات عمل مشتركة مع روسيا، وتشكيل مجالس محلية وإدارات من السكان بعيداً عن النظام، وغيرها، إلا أنه لا يوجد حتى الآن أي آلية واضحة ومعلنة بشكل نهائي، وبالتالي لا يوجد أي تغيير على الأرض في تلك المنطقتين.