اسماعيل كايا / اسطنبول
بعد مناقشات مطولة وتزايد احتمالات إلغاء اللقاء بسبب تعاظم الخلافات، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيلتقي نظيره الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض يوم الأربعاء المقبل وذلك عقب اتصال هاتفي جرى بينهما في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء.
ويأتي هذا اللقاء في ظل وصول الخلافات التركية الأمريكية إلى مستويات غير مسبوقة، وسط شكوك واسعة حول قدرة الجانبين على تجاوز هذه الخلافات الممتدة من ملفات سوريا والوحدات الكردية وتنظيم غولن ومنظومة S400 الدفاعية وطائرات F35 إلى العقوبات الأمريكية على تركيا والاعتراف بما يعرف بـ”مذابح الأرمن” وغيرها الكثير من ملفات الخلاف الصعبة.
وفتحت هذه الخلافات المتعاظمة الباب واسعاً أمام التساؤلات حول وجود “تحالف استراتيجي تاريخي” بين واشنطن وأنقرة في ظل الاختلاف الكبير في سياسات البلدين، وابتعاد تركيا رويداً رويداً عن حلف شمال الأطلسي “الناتو”، والتوجه أكثر نحو روسيا.
ما يمكن وما لا يمكن حله من هذه الخلافات؟
وفي تصريحات له، الخميس، لفت أردوغان إلى أنه أجرى تقييم واسع من كافة النواحي مع طاقم مستشاريه من أجل اتخاذ قرار بالقيام بالزيارة من عدمه، لافتاً إلى أن الاتصال الأخير مع ترامب كان حاسماً باتجاه اتخاذ قرار بالقيام بالزيارة في موعدها المقرر، مشيراً إلى أن اللقاء وجهاً لوجه مع ترامب سوف يتيح فرصة لمناقشة كافة الملفات بشكل أفضل.
ملف سوريا والوحدات الكردية
يعتبر ملف سوريا ودعم واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها تركيا امتداداً لتنظيم (بي كا كا) الأبرز على أجندة الاجتماع المرتقب في البيت الأبيض لا سيما وأنه يأتي عقب عملية نبع السلام التي نفذها الجيش التركي ضد الوحدات الكردية شمالي سوريا وما رافق ذلك من خلافات عسكرية وسياسية بين البلدين.
ومنذ سنوات تطالب تركيا الإدارة الأمريكية بوقف دعم الوحدات الكردية وعدم إرسال مزيد من الأسلحة لها وإخراجها من الشريط الحدودي، والخميس، جدد أردوغان اتهاماته للإدارة الأمريكية بعدم الإيفاء بالتزاماتها لتركيا بموجب الاتفاق الأخير الذي يقضي بسحب الوحدات الكردية من عمق 30 كيلومتر من الشريط الحدودي.
وبناءاً على تطورات هذا الملف على مدى السنوات الماضية، لا يتوقع على الإطلاق أن يحصل تغير جوهري في السياسات الأمريكية اتجاه دعم وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، ويتوقع مزيد من الوعود والتطمينات الأمريكية النظرية المتعلقة بسحب الوحدات الكردية من الشريط الحدودي وطرد العناصر المرتبطة بقيادة تنظيم بي كا كا في جبال قنديل وجمع الأسلحة الثقيلة من المناطق القريبة من الحدود وغيرها من التطمينات التي بقيت نظرية طوال السنوات الماضية.
كما سيحاول الرئيس التركي الضغط على ترامب من أجل منع حصول الزيارة التي يجري الترتيب لها لقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي إلى واشنطن، والضغط على الوحدات الكردية للانسحاب من بعض المناطق التي ما زالت تنتشر فيها ضمن حدود المنطقة الآمنة التركية وخاصة المناطق المتبقية في محيط رأس العين والتي ما زالت تجري فيها معارك ضارية بعيداً عن الإعلام.
العقوبات
مع تصاعد الخلافات الأمريكية التركية حول العملية العسكرية التركية في شمالي سوريا، أخرجت الإدارة الأمريكية والكونغرس على الطاولة كافة الملفات التي يمكن استخدامها للضغط على تركيا، وبدأت بإجراءات لفرض عقوبات واسعة تحت بنود مختلفة.
وفي هذا الإطار يهدف أردوغان للضغط على ترامب من أجل وقف العمل على هذه الملفات وأبرزها منع تنفيذ القرار الذي اتخذه الكونغرس بفرض عقوبات على تركيا رداً على تنفيذها العملية العسكرية في سوريا وذلك باستخدام صلاحياته الإدارة التي تمكنه من تعطيل بعض قرارات الكونغرس، وهو نفس المطلب الذي ينسحب على تصويت الكونغرس على ما تعرف بـ”مذابح الأرمن” ومنع القيام بأي خطوات عملية ضد تركيا إلى جانب التصويت الرمزي على اعتبار أحداث 1915 ضد الأرمن “إبادة جماعية”.
إلى جانب ذلك، من شأن أي توافقات جديدة بين أردوغان وترامب أن تؤدي إلى وقف العمل على تفعيل قضية هالك بنك التركي التي تلوح فيها واشنطن بفرض عقوبات ضخمة على البنك الحكومي بتهمة مساعدة إيران في تجاوز العقوبات الأمريكية، إلى جانب التلويح بإعادة العمل على قضية حراس أردوغان الذين اشتبكوا مع محتجين أكراد في واشنطن قبل عدة سنوات.
S400 و F35
وترتبط أبرز العقوبات المتوقعة بملف شراء تركيا منظومة S400 الدفاعية من روسيا وما أعقبها من قرارات طرد تركيا من برنامج صناعة وشراء طائرات F35 والتلويح بفرض عقوبات سياسية وعسكرية واقتصادية قاسية نتيجة توجه تركيا المتزايد نحو روسيا.
ومن خلال مباحثاته مع ترامب، يسعى أردوغان لتسوية هذا الملف بأقل الخسائر وذلك عبر تحقيق رغبة ترامب ببيع تركيا منظومة باتريوت الدفاعية الأمريكية، وإعادة تركيا لبرنامج طائرات F35 ومنع فرض الكونغرس أو الإدارة الأمريكية أي عقوبات جديدة على تركيا، مقابل ربما يكون تعهد تركيا بعدم تشغيل وتفعيل منظومة S400 الروسية.
غولن
كما يجري في كافة الاتصالات واللقاءات، يتوقع أن يعيد أردوغان تجديد الطلب التركي بتسليم زعيم جماعة غولن “فتح الله غولن”إلى القضاء التركي، ولكن لا يتوقع أي استجابة أمريكية مختلفة هذه المرة، حيث ما زالت الإدارات الأمريكية المتعاقبة لا تقدم أي تنازلات في هذا الملف.