اسماعيل كايا / اسطنبول
تقترب آخر حلقات مسلسل شراء تركيا منظومة “إس – 400” الدفاعية من روسيا من نهايتها مع وصولها مرحلة اتخاذ القرار النهائي بتشغيل المنظومة وإدخالها الخدمة الفعلية، بعدما أكدت مصادر روسية أن نقل المنظومة اكتمل تماماً بما في ذلك الصواريخ، ومع اقتراب الموعد المعلن سابقاً لتفعيل المنظومة في أبريل/ نيسان المقبل.
وطوال الأشهر الماضية شهد ملف شراء تركيا منظومة “إس – 400” من روسيا الكثير من حلقات الشد والجذب والتهديدات الأمريكية وسط شكوك سابقة حول مدى قدرة تركيا على استلام المنظومة الذي تم بالفعل، وشكوك حالية حول قدرتها على تفعيل المنظومة وإدخالها الخدمة.
وقبيل الموعد المحدد للتشغيل الفعلي للمنظومة بأشهر قليلة، عادت القضية إلى الواجهة مجدداً وبقوة، لا سيما بالتزامن مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى البيت الأبيض واتفاقه مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب على تشكيل لجنة لبحث سبل حل الأزمة وإمكانية عودة تركيا لبرنامج صناعة وبيع طائرات “إف- 35” الذي طردت منه في أولى العقوبات الأمريكية رداً على شرائها المنظومة الدفاعية الروسية.
ورغم هذا الاتفاق، أكد أردوغان عقب الزيارة أنه أبلغ ترامب أن بلاده “لن تتخلى” عن المنظومة الروسية، وأنها مضطرة للبحث عن بدائل لطائرة “إف- 35″، وقال أردوغان أمام البرلمان، الثلاثاء: “أبلغنا سيد البيت الأبيض بأن أنقرة لن تتراجع حتى خطوة واحدة في إطار هذه القضية. وشددنا مع ذلك من جديد على اهتمامنا بشراء منظومات باتريوت”، ولكن من دون التخلي عن المنظومة الروسية.
وقبل أيام، قال رئيس دائرة الصناعات الدفاعية في الرئاسة التركية، إسماعيل دمير، إن بلاده اقتنت منظومة “إس- 400” “لاستخدامها، لا لتركها جانبا”، وأضاف في التصريحات التي أعقبت زيارة أردوغان لواشنطن: “من غير المنطقي لأي دولة أن تشتري منظومات دفاعية مماثلة ثم تكتفي بتركها دون استخدام”.
وإلى جانب التصريحات الرسمية التي تؤكد نية تركيا تفعيل المنظومة الروسية وإدخالها الخدمة في الوقت المحدد، هناك العديد من الأسباب التي تدفع للاعتقاد بجدية هذه التصريحات وذلك في ظل حاجة تركيةٍ ماسة لتفعيل المنظومة، وانعدام أي حلول في الأفق يمكن أن تكون مرضية لتركيا وتقنعها بعدم تفعيل المنظومة، مقابل تجنب العقوبات الأمريكية المتوقعة فقط والتي باتت تركيا متهيئة لتحمل جزء كبير منها.
ومن أبرز هذه الأسباب، انعدام الثقة بين تركيا والإدارة الأمريكية التي فشلت في الالتزام بوعودها السابقة لتركيا في الكثير من الملفات المحورية، وعقب سنوات من الخلافات العميقة حول سوريا وصواريخ باتريوت ودعم الوحدات الكردية وغيرها، وصلت أنقرة للمرحلة التي لا يمكنها على الإطلاق الوثوق بأي وعود أمريكية جديدة، لا سيما في ظل التقلب الكبير في قرارات وإجراءات إدارة ترامب تجاه تركيا.
وفي هذا الإطار تخشى تركيا من أن تشكيل لجنة مشتركة بين البلدين سيكون هدفه “المماطلة وكسب مزيد من الوقت”، ولذلك تطالب بسقف زمني، كما أنها ترفض بتاتاً أي مقترح لعدم تفعيل المنظومة الروسية مقابل وعود ببيع تركيا منظومة باتريوت وإعادتها إلى برنامج “إف -35” ولذلك رفضت في المفاوضات أي وعود وطالبت بإجراءات حقيقية على الأرض “من أجل إعادة بناء الثقة”.
وإلى جانب ذلك، ترى تركيا أنها بحاجة استراتيجية ماسة جداً لتفعيل المنظومة الدفاعية في أسرع وقت ممكن في ظل تصاعد تخوفاتها من حصول مواجهة عسكرية كبرى في المنطقة وخاصة في ظل تصاعد التوتر غير المسبوق بين الولايات المتحدة وإيران، الأمر الذي يزيد حاجة تركيا لمنظومة دفاعية متقدمة لحماية مجالها الجوي من أي صواريخ أو طائرات تهدد أراضيها إذا وقعت مواجهة كبرى في دولة جارة.
هذا الأمر نفسه ينطبق على العراق الذي تتصاعد فيه الاضطرابات الداخلية وما قد يمهد له ذلك من عودة الفوضى واحتمال دخول العراق في أي مواجهة عسكرية بين إيران وأمريكا وما يرافق ذلك من تهديدات على طول الحدود الواسعة بين البلدين.
كل ذلك يضاف إلى الأزمة السورية التي ما زالت متواصلة بقوة وعادة لزخمها في مناطق شرقي نهر الفرات قرب الحدود مع تركيا بطول أكثر من 400 كيلومتر، وبالتالي فإن أنقرة بحاجة لمنظومة دفاعية في أسرع وقت تحمي شريطها الحدودي ويمكن أن تساهم أيضاً في حماية مناطق سيطرة الجيش التركي شمالي سوريا أيضاً.
وفي ملف جوهري آخر، تعتبر المنظومة الدفاعية أحد أبرز احتياجات تركيا في صراعها المتصاعد على الغاز مع قبرص ومصر واليونان والغرب بشكل عام شرقي البحر المتوسط، حيث قررت أنقرة فرض وجودها شرق المتوسط بالقوة العسكرية وسط خشية من تصاعد التوتر وإمكانية حصول مواجهة عسكرية، حيث تشير مصادر تركية إلى أن سواحل شرق المتوسط ستكون مكانا محتملا لنصب إحدى بطاريات المنظومة الدفاعية الروسية.