بعد أيام من الحديث عن تغيير جوهري في سياسات تركيا لمنح “الإقامة السياحية” التي يقيم بموجبها أعداد هائلة من العرب الموجودين في تركيا، اعتمدت لجنة الداخلية في البرلمان التركي مسودة قانون تنص على إجراء تغييرات في آليات منح اللجوء وبطاقة الحماية المؤقتة على الأراضي التركية.
هذا التعديل الجديد في قانون اللجوء والحماية المؤقتة، والتعديلات المتوقع بدء تطبيقها بالتزامن بداية العام المقبل على آليات منح الإقامات، أثارت مخاوف قرابة 5 إلى 6 مليون عربي يقيمون في تركيا تحت بنود مختلفة في ظل نقص حاد بالمعلومات التفصيلية والآليات المتوقع اتباعها لتنفيذ هذه التغيرات.
“القدس العربي” بحثت في نص القانون التركي، وآليات منح الإقامات، وحاولت من خلال هذا التقرير تقديم إجابات على أكبر قدر ممكن من تساؤلات المقيمين العرب في تركيا.
التغييرات المتوقعة
على الرغم من عدم وجود إعلان رسمي على موقع وزارة الداخلية التركية أو دائرة الهجرة، إلا أن نسخة من منشور (برشور) صادر عن دائرة الهجرة انتشر على نطاق واسع أظهر وجود توجه جديد لدى الدائرة فيما يتعلق بآليات وشروط منح الإقامة السياحية التي يقيم بموجبها أعداد كبيرة من العرب في تركيا، وهو ما أثار حالة من الخوف والقلق لديهم.
ويشير النص المعلن إلى أنه بموجب القانون رقم 6458 لن يتم تجديد الإقامات السياحية منذ بداية العام المقبل إلا في حال تقديم “سبب مقنع”، وعلى الرغم من أن هذا السبب لم توضح تفاصيله بعد، إلا أن بنود الإقامة السياحية بشكل عام لا تنطبق على أغلب المقيمين العرب بموجبها، وبالتالي بدأ عدد كبير من العرب بالتفكير والبحث عن البدائل الممكنة.
الجانب القانوني
– في نص الإعلان، فإن قرار عدم تمديد الإقامات السياحية منذ بداية العام المقبل بدون “سبب مقنع” يستند إلى المادة 31 من القانون رقم 6458.
-بالعودة إلى القانون التركي، فإن القانون رقم 6458 هو قانون قديم تم قبوله في البرلمان التركي بتاريخ (4.4.2013) ونشره بالجريدة الرسمية بتاريخ (11.4.2013) ولا يوجد أي تعديل جديد على نص هذا القانون.
-القانون 6458 هو قانون (الأجانب والحماية الدولية) وفيه مادة تتحدث عن شروط منح الإقامة قصيرة الأمد لأهداف مختلفة ومنها “السياحة”.
على ماذا تنص المادة 31 من هذا القانون؟
المادة 31 من القانون رقم 6458 تنص على منح الإقامة قصيرة الأمد تحت البنود التالية:
– من يصلون للبلاد بهدف البحث العلمي
– من يمتلكون عقارا في تركيا
– من لديهم روابط تجارية أو يؤسسون أعمال
– من ينضمون إلى برامج علمية
– الواصلون بموجب برامج التبادل الطلابي
– من يرغبون بالإقامة بهدف السياحة (البند الشائع والذي يدور حوله هذا الجدل)
– الإقامة بهدف العلاج
– من يجبر على الإقامة بطلب من السلطات الإدارية أو القضائية
– من ينتقلون من إقامة العائلة إلى الإقامة قصيرة الأمد
– من يلتحقون بدورات تعلم اللغة التركية
– من يصلون لتركيا بهدف التعليم أو البحث أو التدريب بدعوة من الجهات الرسمية التركية
– من يرغبون بالحصول على إقامة 6 أشهر عقب اكمالهم التعليم العالي في تركيا
ويلحق بالقانون البنود التالية:
– الإقامة المؤقتة تمنح في كل مرة لمدة سنة واحدة فقط
– من يحصلون على الإقامة تحت بند تعلم اللغة التركية يمكن أن تمدد لهم مرة واحدة فقط (إجمالي عامين)
– من يحصلون على الإقامة تحت بند من ينهون تعليمهم العالي في تركيا يمكن أن تمدد لهم مرة واحدة (أجمالي عام فقط)
شروط منح الإقامة قصيرة الأمد:
– تقديم سبب أو أكثر لطلب الإقامة والإثباتات اللازمة لذلك
– شروط أخرى عادية حول تقديم عنوان وعدم الإخلال بشروط الأمن والصحة العامة وغيرها يمكن رفض طلب الإقامة أو إلغاءه أو عدم تمديده في الحلات التالية:
– انتهاء أو انتفاء السبب التي منحت بموجبه الإقامة
– استخدام الإقامة لسبب يخالف الهدف الذي منحت من أجله
– الإقامة أكثر من 20٪ من المدة الإجمالية للإقامة خارج البلاد
– صدور قرار طرد خارج الحدود أو منع دخول لتركيا بحق الشخص صاحب الإقامة إذا، هل التغييرات قانونية أم إجرائية؟
كما هو موضح بالأعلى كل بنود القانون السابق والمشار إليها في التعميم الأخير لدائرة الهجرة نابعة من القانون الصادر عام 2013 ولم يسجل أي تعديل على القانون، وبالتالي كل ما يجري الحديث عنه تغييرات إجرائية يمكن أن يتم إدخالها على آليات تطبيق القانون وذلك لدوافع غير معلنة بشكل واضح حتى الآن ولكن يمكن فهم الأسباب السياسية والأمنية والاقتصادية لها.
ماذا يعني ذلك؟
يعني ذلك، أن الحديث لا يجري عن تعديل قانوني صارم، أو قرار إجرائي واضح، وإن آليات التطبيق ومدى الحزم المتوقع فيها يعود إلى تقدير السلطات التركية التي ستحدد مستوى الحزم وهي تعلم جيداً الأسباب التي دفعتها لاتخاذ هذه الخطوة والمستهدف منها بالدرجة الأولى (هل ستكون كافة الجنسيات أم جنسيات معينة أم شرائح معينة من الجنسيات المختلفة).
والدليل على ذلك، أنه وبموجب القانون نفسه:
– طوال السنوات الماضية، مُنحت الإقامة السياحية لمئات آلاف الأشخاص- خاصة العرب- رغم معرفة السلطات التركية أنهم لا يقيمون بهدف السياحة.
– تم تجديد الإقامة السياحية لسنوات طويلة لأغلب المقيمين بدون تقديم أدلة على هدف الإقامة.
– منحت الإقامة السياحية لأكثر من عام (عامين) رغم أن القانون ينص على تمديدها لعام واحد فقط كل مرة، مع إثبات السبب.
ماذا لو طبق القانون بحزم كبير؟
لو عادت السلطات التركية لتطبيق القانون بحزم كبير -قانون 2013 الذي لم يتغير- فإن ذلك يعني تهديد إقامة مئات آلاف العرب أو ربما أكثر من مليون (لا يوجد إحصائيات دقيقة)، وسيكون المقيم العربي مضطر لتقديم (الدليل المقنع) المطلوب للحصول على الإقامة بهدف السياحة- حتى الآن لا يوجد أي تصور لطبيعة الأدلة التي يمكن أن تقدم في لهذا السبب-.
ما هي الخيارات المتاحة؟
– الخيار الأول إمكانية تقديم أدلة للحصول على الإقامة قصيرة الأمد، ولكن ليس تحت البند المعتاد (بهدف السياحة) وإنما تحت بند آخر من ضمن 12 بند (مذكورين بالأعلى) تمكن الشخص من الحصول على الإقامة قصيرة الأمد ربما أبرزها الالتحاق بمركز رسمي لتعليم اللغة التركية أو امتلاك عقار وهي خيارات ستكون متاحة لمن يمتلك المال ولن تكون متاحة للشباب العرب المقيمين بهدف العمل محدود الدخل.
– الخيار الثاني سيكون محاولة الالتحاق بإحدى الجامعات التركية الخاصة لدراسة الماجستير أو الدكتوراه للحصول على إقامة الطالب، وهو خيار أيضاً سيكون متاح لذوي الدخل الجيد، ومن تنطبق عليه شروط الدراسة ويرغب بها.
– الخيار الثالث سيكون محاولة الحصول على إذن عمل رسمي وهو خيار صعب المنال للكثيرين، وسيكون خيار لمن يتمكن من الضغط على مكان عمله لتوفير إقامة العمل له إذا كان المكان مؤهلاً وقادراً على توفير ذلك، أو اللجوء إلى توفير إذن عمل مقابل المال (يتم دفع تكاليف التأمين الصحي وإذن العمل والإجراءات لشركات مختصة في هذا المجال) وهو خيار سيكون مستحيلاً لذوي الدخل المحدود وحتى المتوسط.
– الخيار الرابع سيكون تحرك أصحاب المال ومنعدمي الخيارات من أجل شراء عقار مرتفع الثمن بقيمة تتجاوز الـ250 ألف دولار وذلك من أجل الحصول على الجنسية التركية وضمان إقامة أفضل في البلاد.
هل يمكن تطبيق القرار بحزم؟
يبدو هذا الأمر صعب للغاية، الكثير من المقيمين العرب في تركيا أتوا من مناطق نزاع وصراع لا سيما من سوريا واليمن ومصر وفلسطين وغيرها من المناطق، وسيكون إجبارهم على الخروج أو ترحيلهم مثار جدل كبير وورقة ضغط على الحكومة التركية يمكن أن يصل للمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية.
هل ستكون هناك استثناءات؟
في ظل وجود تعقيدات تتعلق بكون جزء من اللاجئين السوريين وجانب من العرب الملاحقين سياسياً وأمنياً في دولهم يقيمون بموجب “الإقامة السياحية” في تركيا، فإن السلطات التركية ستكون مضطرة لتقديم حلول أو استثناءات لتفادي التطبيق العشوائي للقانون والذي قد يتسبب لها في متاعب كبيرة.
لا يوجد رؤية واضحة حتى الآن لطبيعة الاستثناءات، ولكن السيناريو الأقرب يمكن فهمه من خلال تزامن ذلك من إجراء تغيير في قانون “الحماية المؤقتة”، حيث اعتمدت لجنة الداخلية في البرلمان التركي نص تعديل تقدمت به الوزارة يتضمن تعديلات على قانون اللجوء والحماية المؤقتة المتعلق بمنح إقامة الحماية المؤقتة للفارين من مناطق الحروب والملاحقين سياسياً وامنياً في بلادهم.