على الرغم من الغموض الكبير في تفاصيل الاتفاقيات التي جرى التوصل إليها بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية إلا أن التسريبات حول توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين وحمايتها تشير إلى نقطة تحول في الصراع الخطير المتصاعد على الغاز شرقي البحر المتوسط والتي تدخل فيه تركيا ومصر واليونان وقبرص بشكل مباشر، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى بشكل غير مباشر.
واعتبرت صحف ووسائل إعلام تركية وخبراء سياسيون وعسكريون الاتفاق غير المعلن عن تفاصيله بعد بأنه “خطوة استراتيجية”، ونقطة تحول عامة جداً في الصراع على المتوسط، واتفاقية سوف تساعد تركيا في “الحفاظ على حقوقها في البحر”.
ومساء الأربعاء، استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج، وعقب لقاء استمر لأكثر من ساعتين بعيداً عن الكاميرات أعلن بيان صادر عن مكتب الاتصال في الرئاسة التركية، أن حكومتي البلدين وقعتا مذكرتي تفاهم الأولى حول التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، والثانية حول السيادة على المناطق البحرية، “التي تهدف لحماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي”.
وعلى الرغم من أن الجانبين التركي والليبي لم يقدما معلومات أكثر عن تفاصيل الاتفاق، اكتفي فخر الدين ألطون رئيس دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية بالتأكيد على أن اتفاق التعاون الأمني والعسكري الجديد بين البلدين هو “نسخة أوسع” من اتفاق التعاون العسكري السابق.
وقال في تغريدات على تويتر “واثقون من أن اتفاق التعاون العسكري (مع ليبيا) سيساهم في تحسين الأمن لليبيين”، مضيفاً: “الاتفاق الأمني يمهد لعمليات تدريب وتعليم ويضع الإطار القانوني ويعزز الروابط بين جيشينا.. سنواصل كذلك الدعوة من أجل التوصل لحل سياسي لبناء ليبيا ديمقراطية ومستقرة ومزدهرة”.
من جهته، اعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو أن مذكرة التفاهم الموقعة مع ليبيا حول مناطق الولاية البحرية، “تحمي حقوق تركيا المنبثقة من القانون الدولي”، لافتاً إلى أن “تركيا يمكنها إجراء مباحثات مع جميع الدول حول مناطق الولاية البحرية في المتوسط، باستثناء إدارة جنوب قبرص الرومية”، وشدد على أن أنقرة يمكنها أيضا خلال الفترة القادمة، اتخاذ مثل هذه الخطوة مع جميع البلدان الواقعة حول البحر المتوسط.
وبينما شدد الوزير التركي على أن بلاده تحرص على حماية حقوقها النابعة من القانون الدولي، سواء في شرق المتوسط أو بحر إيجة، قال: “هذا ينطبق أيضا على الاحتياطات حول قبرص، ونحن ندافع دائما عن ضمان التقاسم العادل للثروات هنا بين الطرفين الرومي والتركي بقبرص، في المساحات الواقعة خارج جرفنا القاري أيضا”، وأضاف: “إذا كانت هناك دول لا تبدي رغبة في هذا الإطار، فهذا شأن يعنيها، أمّا نحن فسنواصل المباحثات مع بقية البلدان خلال الفترة القادمة كلما توافرت الأرضية المناسبة”.
وكانت جهات تركية طالبت بضرورة توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا وذلك من أجل الضغط على اليونان وقبرص ومصر في الصراع المتصاعد معهم على الغاز في شرقي البحر المتوسط، معتبرين أن هذه الاتفاقية سوف تعيق مساعي اليونان لتوقيع اتفاق منطقة اقتصادية خالصة مع قبرص اليونانية ومصر.
وتقول وسائل إعلام تركية إن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين الجانبين يحمل أهمية بالغة جداً وسيعمل على خلط الأوراق في شرقي المتوسط من جديد، مؤكدة أن الاتفاق من شأنه حماية حقوق تركيا ومنع اليونان وقبرص من القيام بخطوات استباقية إلى جانب أنه يتيح لتركيا التحرك عسكرياً لحماية تلك المناطق بشكل يتوافق مع الاتفاقيات الثنائية مع اليونان والقانون الدولي.
الجنرال المتقاعد من القوات البحرية التركية مصطفى أوزباي قال في تصريحات صحافية إن هذه الاتفاقية تعتبر الأهم لتركيا منذ توقيع اتفاقية لوزان، وهي مكسب كبير للسيادة التركية من أجل حماية حقوقها في شرقي البحر المتوسط، على حد تعبيره، في حين قال جيهون بوزكورت رئيس تحرير مجلة M5 التركية إن هذه الاتفاقية من شأنها “تغيير موازين القوى في المنطقة”.
ووصف كتاب أتراك هذه الاتفاقية بانها “هزيمة واضحة لليونان”، كما نشرت رسومات توضح المناطق التي يشملها الاتفاق وهي طول المسافة البحرية التي تمتد من السواحل الليبية إلى السواحل التركية وتقتطع مناطق متنازع عليها، لكن هذه الرسومات لم يتم تأكيدها من مصادر رسمية تركية.
من جهتها، رفضت حكومة شرق ليبيا المناهضة لحكومة الوفاق في طرابلس الاتفاقيات الجديدة مع تركيا، وبعد أن اعتبرت هذه الاتفاقية “غير شرعية” شنت هجوماً حاداً على تركيا والرئيس أردوغان، وحذرت من أن “الاتفاقية تهدف لحصول تركيا على موطئ قدم في ليبيا”.
كما دانت وزارة الخارجية المصرية الاتفاق بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية واعتبرت أن “مثل هذه المذكرات معدومة الأثر القانوني، إذ لا يمكن الاعتراف بها”، وأضافت: “توقيع مذكرتي تفاهم في مجالي التعاون الأمني والمناطق البحرية وفقا لما تم إعلانه هو غير شرعي ومن ثم لا يلزم ولا يؤثر على مصالح وحقوق أية أطراف ثالثة، ولا يترتب عليه أي تأثير على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط، ولا أثر له على منظومة تعيين الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط”.
وتقدم تركيا دعماً سياسياً وعسكرياً إلى حكومات الوفاق في طرابلس ما مكن الأخيرة من الصمود في وجه الهجوم التي تنفذه قوات المشير خلفه حفتر على العاصمة طرابلس منذ أشهر.