اسماعيل كايا / اسطنبول
توجه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بهجوم واسع وغير مسبوق على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باتهامه بأنه في حالة «موت دماغي»، داعياً إياه بمراجعة طبيب، الأمر الذي دفع الخارجية الفرنسية لاستدعاء السفير التركي في باريس للاحتجاج على هذه التصريحات التي تأتي وسط خلافات متصاعدة وقبل قمة صعبة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في لندن، وقبل قمة رباعية على هامشها تشارك فيها تركيا وفرنسا إلى جانب ألمانيا وبريطانيا.
وفي خطاب له في مدينة إسطنبول، أمس الجمعة، قال اردوغان إن ماكرون، يعاني «موتاً دماغياً» ودعاه لمراجعة طبيب، وذلك رداً على تصريحات ماكرون التي قال فيها إن الناتو يعاني من «موت دماغي» وتصريحات أخرى هاجم فيها تركيا، لا سيما عملية «نبع السلام» التي نفذها الجيش التركي ضد الوحدات الكردية شمالي سوريا.
وقال: «السيد ماكرون، انظر، أتحدث الآن من تركيا، وسأقول هذا في الناتو أيضاً، عليك أن تفحص موتك الدماغي أولاً»، وخاطب ماكرون قائلاً: «الحديث عن إخراج تركيا من الناتو أو إبقائها.. هل هو من شأنك؟ هل لديك صلاحية اتخاذ قرار كهذا؟»، مضيفاً: «فرنسا تتجاهل حساسيات تركيا في سوريا وتحاول في الوقت ذاته أن تجد لنفسها موطئ قدم في هذا البلد».
وعلى خلفية تهجم اردوغان ومسؤولين أتراك آخرين على ماكرون، أعلن قصر الإليزيه أن الخارجية الفرنسية ستستدعي السفير التركي في فرنسا للحصول على تفسيرات حول تصريحات اردوغان اعتبر فيها أن ماكرون في حالة «موت دماغي»، وقالت الرئاسة الفرنسية: «هذا ليس تصريحاً، إنها إهانات»، مضيفة: «سيتم استدعاء السفير إلى الوزارة لكي يفسر ذلك».
في السياق ذاته، رد رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، على تصريحات ماكرون، وكتب عبر «تويتر»: «تركيا دولة موثوق بها، تواصل الإيفاء بواجباتها داخل حلف الناتو، وستواصل البحث عن سبل لتحسين فاعلية وصلاحية الحلف»، وبينما دعا الدول الأعضاء إلى تَفَهُّم المخاوف الأمنية القوميَّة لتركيا، قال إنه «من الإجحاف إلقاء دولة (فرنسا) اللوم على حلف الناتو جرَّاء مشكلاتها الخارجية واختياراتها الخاطئة وحساباتها الداخلية».
إلى ذلك، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، في تغريدة عبر «تويتر»، إن «ماكرون يواصل كسر الكؤوس تلو الأخرى، ولا يزال يطلب الشاي»، مضيفاً: «ماكرون هو الزعيم الأوروبي الوحيد الذي رفض بدء مفاوضات انضمام شمال مقدونيا إلى الاتحاد الأوروبي، رغم أن الأخيرة حققت كافة طلبات الاتحاد بما في ذلك تغيير اسم البلاد. واستذكر قالن ما قال إنها مقولة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وجهتها لماكرون جاء فيها: «أفهم رغبتك في السياسة المدمرة، لكنني مللت من إصلاح ما تدمره، لكي نستطيع أن نشرب الشاي مجدداً، اضطر لجمع قطع الكؤوس التي تحطمها».
هجوم جماعي من المسؤولين الأتراك على الرئيس الفرنسي قبيل قمة صعبة للناتو
كما اعتبر المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، عمر جليك، أن تصريحات ماكرون حول سوريا «محاولة لإنعاش ماضي فرنسا الاستعماري في سوريا»، مضيفاً: «يجب على الرئيس الفرنسي أن ينظر إلى بلده الذي ينفذ عمليات في جميع أنحاء إفريقيا من أجل حماية مصالحه الاستعمارية، ضارباً بالقانون الدولي عرض الحائط»، وتابع: «ماكرون هو أكثر شخص انزعج من العمليات التي أعاقت إنشاء دويلات إرهابية شمالي سوريا، وأنه أيضاً أكثر المستضيفين للقيادات الإرهابية».
وكان وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو، قلل من أهمية تصريحات ماكرون، معتبراً أن ماكرون لا يعلم ما يقول بعدما أصيب بـ« خيبة أمل عقب انهيار آماله بتأسيس دولة إرهابية شمالي سوريا نتيجة عملة نبع السلام»، متهماً إياه بتقديم الدعم للإرهابيين في سوريا، على حد تعبيره. هذا التوتر بين الحليفين في الناتو يأتي قبيل أيام فقط من قمة الحلف المقرر انعقادها في لندن بداية الشهر المقبل، والتي ستبحث ملفات دفاعية مهمة وسط أنباء عن خلافات بين تركيا ودول الحلف، كما ستعقد قمة رباعية حول اللاجئين السوريين بين زعماء فرنسا وألمانيا وتركيا وبريطانيا، على هامش قمة الناتو.
وقبل أيام كشفت وكالة «رويترز» البريطانية عن أن تركيا ترفض دعم خطة دفاعية للحلف تخص دول البلطيق وبولندا ما لم تحصل على مزيد من الدعم السياسي لمحاربتها وحدات حماية الشعب الكردية بشمال سوريا، حيث تريد تركيا أن يعترف الحلف رسمياً بأن مقاتلي الوحدات، وهي المكون الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن، إرهابيون وتشعر بالغضب الشديد لأن حلفاءها قدموا دعماً للوحدات. ونقلت الوكالة عن مصدر تركي قوله إن الحلف وافق هذا العام على دعم خطته للدفاع عن أنقرة، بما في ذلك في حال تعرض تركيا لهجوم من الجنوب حيث تقع حدودها مع سوريا، حيث تنطوي الخطة على الاعتراف بأن الوحدات تمثل تهديداً إرهابياً لأنقرة، لكن المصدر قال إن واشنطن سحبت دعمها فيما بعد كما عبرت دول أخرى عن معارضتها. وفي وقت لاحق، أكد مصدر دبلوماسي تركي أن أنقرة «ستقاوم» جهود شركائها في حلف شمال الأطلسي لإقناعها بدعم الخطة لحين تلبية مطالبها فيما يتعلق بخطة الدفاع عن تركيا، وقال: «لذلك، نقول إذا لم تنشر (خطتنا الدفاعية) فلن نسمح بنشر الخطة الأخرى (الخاصة بالبلطيق وبولندا)».
وتعقيباً على هذا الجدل، قال جاوش أوغلو: «على الناتو التحرك لإزالة مخاوف جميع الحلفاء.. وفي هذا الصدد، ما هو مطلوب لمنطقة البلطيق يجب أن يطلب لنا أيضاً»، مضيفاً: «إذا اعترضت بعض الدول على إزالة المخاوف الأمنية، فلن تكون هناك وحدة في الناتو الذي تكون القرارات داخله بالإجماع أصلًا».
وبالتزامن مع ذلك، أعلن وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، الجمعة، اعتزام بلاده ترحيل 11 مواطناً فرنسياً من تنظيم الدولة إلى بلادهم مطلع ديسمبر/ كانون الأول القادم، وهي خطوة تعارضها باريس وتسببت في زيارة الخلافات بين البلدين.