ياسين اكتاي / مستشار أردوغان
لقد تم صرف 40 مليون دولار كميزانية على 14 حلقة فقط، من المسلسل الذي يعرض على قناة “إم بي سي”، تحت اسم “ممالك النار”. منتج المسلسل زعم بأن مسلسله “فضح التاريخ المليء بالوحشية وراء الحكم العثماني”، مشيرًا إلى أن المسلسل هو أكبر عمل درامي لعام 2019 على مستوى العالم العربي.
إن الإسلاموفوبيا بينما هي الآن من أحد المواضيع عالميًّا اليوم، ومع مرور الوقت يزداد خطرها شيئًا فشيئًا على مستوى العالم كله؛ نرى الدول المسلمة الغنية مشغولة بهكذا مواضيع، إنها بدلًا من أن تقوم بإنفاق تلك الأموال التي هي من حق المسلمين على إصلاح ما بينهم، تغدقها على بث الفتنة وزرع الشقاق لتحصد شقاقًا أكبر، ولعمري هذا تناقض مؤلم في عالمنا الإسلامي.
إعلان المسلسل الترويجي، وصفَ الحكم العثماني بـ “قانون دموي حكم إمبراطورية”. ليتابع بالقول “فأصبح لعنة تطاردهم”. أما كاتب السيناريو المصري، محمد سليمان، فقال “إنها حكاية درامية لا تتضمن أي معلومة تاريخية خاطئة”، بل وقال أيضًا أنّ “الحقبة العثمانية مليئة بالمجازر التاريخية”.
في الحقيقة لدينا نصيحة نريد قولها لذلك الكاتب، لا تتعب نفسك بالبحث في التاريخ عن المجازر، يكفي أن تنظر لأسيادك الذين يحكمون مصر لترى مجازر حديثة طازجة، انظر لها فهي شواهد حاضرة من وقتنا الحاضر. لو أن ذلك الكاتب نظر إلى تلك الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن وليبيا وسوريا، التي يرتكبها منتجوا المسلسل الذين أغدقوا عليه الأموال، لكفى نفسه جهد العناء في النظر للتاريخ، عبر نظره الزائغ.
بينما هناك الكثير من التناقضات الكثيرة في عصره، بإمكانه إخراج أعمال درامية أفضل من هذا، لو نظر لجرائم وانتهاكات من موّلوه، كي يجدوا عزاء لأنفسهم من التاريخ، بالطبع لو كان يملك احترامًا للفن أو للحقيقة.
لو كان عملك الدرامي أو حكاية مسلسلك خالية من أي خطأ تاريخي،، بالتالي بجب أن يكون لديك موقف خالٍ من أي مجانبة للأولوية الإنسانية. أما القتلة واللصوص والمجرمون اليوم، فمن الواضح جدًّا على من سيعثرون في التاريخ كشيء يجسّدهم ويشبههم. إن التاريخ هو مرآة اليوم. في الواقع إنه مرآة الشخص الذي ينظر إليه. إن “ممالك النار” الذي يزعم أنه تاريخ، ما هو إلا تجسيد لجرائم وسرقة وضلالة وسوء نيتهم ليس إلا.
يجب القول لهؤلاء: إن ما أغدقتموه من أموال، لهو من حق الأناس الفقراء والذين يموتون من الجوع والحروب والبطالة في بلاد العالم الإسلامي.
إن تلك الأموال الطائلة بينما أنتم صرفتموها لتشويه سمعة تركيا اليوم، فإن تركيا تحتل المرتبة الأولى على العالم من حيث تقديم المساعدات الإنسانية، على الرغم من كونها لا تمتلك أموالًا مثل أموالكم، ولهذا السبب نرى أن المسلسلات التي تنتجها تركيا والتي بالطبع لا تغدق عليها كم تغدقون؛ نجد كيف تحظى باهتمام بالغ لا سميا من الشعوب العربية ذاتها، من دون الحاجة إلى إعلانات أو ترويج، حيث تستقبلها بكل ترحيب وتشاهدها بكل شوق وحرارة.
إن ما يتم عرضه في ذلك المسلسل من تهجم وعداء، ليس في إطار التاريخ فحسب، بل هو متعلق بتركيا اليوم أيضًا. إن الفرق القائم بين تلك الدول المنتجة للمسلسل وبين تركيا، لهو واضح للجميع مباشرة ابتداء من التاريخ. ولذلك السبب لو أنفقتم 40 مليار دولار، لا مليون، فلن تتمكنوا من تحسين صورتكم، ولا من إقناع الشعوب العربية والإسلامية المضطهدة بظلمكم.
إن الطريق الوحيد لتسحين صورتكم، هو تقويم أنفسكم، وتصحيح مسار طريقكم. لا يزال هذا خيارًا مطروحًا أماكم. باب التوبة لم يوصد بعد. حان الوقت لأن تدركوا بعد أن الأموال التي منحكم إياها الله تعالى، ليست ملككم.
وفي السياق ذاته، عليكم أن تعلموا بعد أن الشعوب التي تحكمونها حسب الصدفة، ليسوا عبيدًا لكم، وأنه ليس بإمكانكم التأثير بهم عبر نفخ السحر في عيونهم من خلال آلتكم الإعلامية، افهموا هذا. لأن حقيقة واحدة من “موسى”، كافية لا محالة، لإبطال كل تأثير ما جئتم به من سحر آلتكم الإعلامية. تمامًا كما أنكم لم تنجحوا بكل ما حشدتم له من ألاعيب ضد تركيا لن تنجحوا الآن كذلك. لأن لتركيا هوية وكلمة صحيحة، هي بجانب الظلوم وضد الظالم.
لا تتوقفوا عن إهدار تلك الأموال التي لا تعود ملكيتها لكم أصلًا، استمروا. لقد تم طردكم من قلوب المسلمين، لذا لن تجدوا مأوى آخر يظلكم مهما بحثتم. وما لجأتم إليه من مأوى خادع عند أسيادكم الصهاينة، ثقوا أنه لن ينفعكم.
إن الزعيم الليبي السابق القذافي، على الرغم من كل حكمه الاستبدادي، فإن الأعمال الدرامية التي قام بتمويلها، وهي فيلما “الدعوة” وأسد الصحراء”، لا تزال تُذكر له حتى يومنا هذا. إن ما لديكم من إمكانيات تجعلكم قادرين على إخراج أعمال أفضل من تلك بكثير، لكنكم لم تفعلوا. وإنكم ستُسألون يوم المحشر عما لم تفعلوه وقد كان بإمكانكم فعله. وما فعلتموه في النهاية سيكون عليكم شهيدًا وشاهدًا. إنكم لم تتمكنوا أن تكونوا حتى كالقذافي.
إن انشغالكم بمسلسل ضد تركيا للنيل منها، في الوقت الذي يشهد فيه العالم ارتفاع ظاهرة العداء ضد المسلمين، والتي تتسبب بالتأثير سلبًا على حياة المسلمين في كل أنحاء العالم؛ لن ينال من تركيا شيئًا، بل سينال منكم ويفقدكم الكثير.
تعالوا واستجمعوا عقولكم. لربما كان لديكم أموال فائضة لدرجة أنكم مستغنون عنها، نعم لكن هذا لا يعني أن تهدروها في غير طائل.