اسماعيل كايا / اسطنبول
حسم الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، التسريبات المتواصلة منذ أيام، بعدما أكد بالفعل أن بلاده أشهرت الفيتو في وجه خطط حلف شمال الأطلسي إلى حين تلبية الشروط التركية في خطوة تاريخية غير مسبوقة تتزامن مع انعقاد قمة الناتو في لندن بمناسبة مرور 70 عاماً على تأسيس الحلف الأول في العالم والذي يعاني من تحديات متعاظمة، أبرزها ما يتعلق بالخلافات المتصاعدة بين تركيا ودول الحلف.
وتعتبر تركيا أحد أبرز دول الحلف، حيث انضمت إليه عام 1952 أي بعد 3 سنوات فقط من تأسيسه، وتعتبر ثاني أكبر دولة فيه من حيث عدد الجيش، وتشارك في نشاطاته بفعالية كبيرة، حيث ينتشر عناصر الجيش التركي في لبنان وأفغانستان والبلقان وغيرها من المناطق في إطار مهام دولية للناتو.
لكن السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً تاريخياً في علاقة تركيا بالحلف، وسط كم هائل من الخلافات الكبرى بين أنقرة وعواصم مهمة في الحلف، أبرزها واشنطن وباريس وبرلين، دفعت تركيا إلى الاقتراب أكثر من روسيا، العدو اللدود للحلف، حتى وصلت العلاقات التركية الروسية إلى مستويات لم تصلها من قبل على الإطلاق، الأمر الذي عمق الخلافات التركية الأطلسية وفتح الباب واسعاً أمام أسئلة كبرى من الجانبين.
ففي الوقت الذي يتساءل فيه الحلف عن مدى التزام تركيا بمبادئه، لا سيما عقب تقاربها السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري مع روسيا وعقدها صفقات أسلحة دفاعية استراتيجية مع موسكو وخاصة شراء منظومة إس 400 الدفاعية وأسلحة أخرى، وسط حديث متزايد عن قرب شرائها طائرات حربية روسية متقدمة أيضاً.
بالمقابل، تطرح تركيا أسئلة أخرى تبدو أصعب على الحلف، كان أبرزها طوال السنوات الماضية «هل الحلف يرى في تركيا أم في الوحدات الكردية (تعتبرها تركيا تنظيماً إرهابياً) حليفاً لها؟ وهل الحلف مستعد للدفاع عن تركيا في حال تعرضها لهجوم؟ وهل الحلف يعامل تركيا مثل باقي دوله أم يميز ضدها لأنها الدولة الوحيدة ذات الطابع الإسلامي؟ وهو السؤال الذي طرحه اردوغان مؤخراً.
عقب 70 عاماً على تأسيسه
وكان التحول الأكبر في علاقات تركيا والناتو عندما قررت أنقرة التوجه أكثر نحو موسكو وبنت معها علاقات سياسية متقدمة ظهرت على شكل علاقات اقتصادية وتجارية كبيرة ومشاريع استراتيجية من قبيل السيل التركي ومحطة طاقة نووية وغيرها، قبل أن تصل للمستويات العسكرية الاستراتيجية وذلك من خلال شراء منظومة إس 400 الدفاعية رغم تعارضها مع أنظمة الناتو.
ولاحقاً، اتخذت تركيا خطوة أكثر جرأة بعدما قررت بدء عملية عسكرية كبرى ضد الوحدات الكردية في شمالي سوريا وهي القوات التي تلقت دعماً بمئات ملايين الدولارات من دول كبرى بالحلف على رأسها أمريكا وفرنسا، حيث أجبرت عملية «نبع السلام» التركية القوات الأمريكية على ترك الشريط الحدودي السوري مع تركيا، ولاح في الأفق خطر المواجهة بين أكبر قوتين في الحلف.
وداخل أروقة الحلف، اتخذت تركيا قراراً كبيراً باستخدام حقها بالرفض «استخدام الفيتو» ضد خطة الحلف للدفاع عن دول البلطيق إذا لم يقر الحلف بأن أنقرة تقاتل جماعات إرهابية، وقال اردوغان، الثلاثاء: «إذا لم يقر أصدقاؤنا في حلف شمال الأطلسي بأن ما نعتبرها منظمات إرهابية هي فعلاً منظمات إرهابية(…) فإننا سنقف في وجه أي خطوة تُتخذ هناك»، في إشارة إلى رفض بعض دول الحلف المصادقة على اعتبار وحدات حماية الشعب الكردية تنظيماً إرهابياً.
ومع احتدام الخلاف، أكدت وزارة الدفاع التركية بياناً، الإثنين، أن «الدولة التركية تؤدي واجباتها على أكمل وجه في الدفاع عن القيم المشتركة التي تتقاسمها مع باقي حلفائها في الناتو»، مشدداً على أن حلف شمال الأطلسي ما زال حلفاً موثوقاً ورادعاً وقابلاً للاستمرار، لافتاً إلى أن «الدول الأعضاء في الناتو متساوون في الحقوق داخل الحلف، وأن لتركيا حق الفيتو».
كما وجهت تركيا رسالة أخرى للناتو من خلال تصريح نقلته الوكالة الرسمية عما وصفته بأنه «مصدر أمني تركي» قوله إن «تركيا لا تبتز الحلف برفضها خطة دفاعية لدول البلطيق وبولندا، وإنها تتمتع بحقوق النقض (الفيتو) كاملة داخل الحلف»، حيث أثار سحب الولايات المتحدة خطة دفاعية تتعلق بحماية تركيا في حال تعرضها لهجوم من الحدود الجنوبية مع سوريا.
ولا يعرف ما إن كانت تركيا والناتو سينجحان في التوصل إلى حل لهذه الأزمة، حيث قال أمين عام الناتو، الثلاثاء، إنه لا يمكنه تقديم ضمانات بأنه سيتم حل الخلافات القائمة مع تركيا، لافتاً إلى استمرار الخلافات بين أعضاء الحلف حول النظرة إلى الوحدات الكردية في سوريا.