اسماعيل كايا / اسطنبول
بعد الارتدادات السياسية الكبيرة التي أحدثتها الاتفاقيات البحرية والعسكرية والأمنية بين تركيا والحكومة الليبية في طرابلس، تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأول مرة وبشكل صريح عن أن بلاده ربما تلجأ إلى إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، مشترطاً أن يتم ذلك بدعوة من الحكومة الليبية التي يرأسها فايز السراج والمعترف بها من قبل المجتمع الدولي.
ورداً على سؤال حول إمكانية إرسال جنود أتراك إلى ليبيا، قال أردوغان في حوار مع التلفزيون الرسمي (تي أر تي)، الإثنين، إن «دعوة من الحكومة الليبية المعترف بها دولياً تخول تركيا ذلك الحق»، مضيفاً: «إذا وجه الشعب والحكومة الليبية دعوة لتركيا فإن ذلك يمنحنا الحق في إرسال قوات.. لدينا اتفاقيات حول الحقوق البحرية والأمنية والعسكرية».
ونهاية الشهر الماضي، وقعت تركيا مع حكومة الوفاق الليبية مذكرة تفاهم تتعلق بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، إلى جانب التوقيع على اتفاقيات أمنية وعسكرية، الأمر الذي أثار غضب اليونان وقبرص اليونانية وإسرائيل ومصر، وسط توقعات بتصاعد الصراع على الحدود البحرية والموارد الطبيعية شرقي البحر المتوسط.
ووصفت أوساط تركية مختلفة هذه الاتفاقية بأنها «خطوة تاريخية» أفسدت الخطط والمؤامرات التي تحاك ضد تركيا في شرق المتوسط، على حد تعبيرهم، حيث من شأن الاتفاقية سيطرة ليبيا وتركيا على مساحات بحرية كبيرة تعتبرها اليونان تابعة لها وتفشل خطط مصر وإسرائيل واليونان لمد خطوط نقل الغاز إلى أوروبا وغيرها من الجوانب التي تؤكد الأهمية الاستراتيجية للخطوة التركية الأخيرة التي باتت محور اهتمام عالمي كبير.
وتتوقع تركيا أن تسعى دول شرق المتوسط المعارضة للاتفاق (اليونان، قبرص اليونانية، مصر، إسرائيل) إلى طرق مختلفة لإفشال الاتفاق وسط توقعات بأن التركيز سيكون على دعم الجنرال الليبي خليفة حفتر من أجل إسقاط حكومة السراج في طرابلس، وبالتالي القضاء على حليف تركيا، ما يعني إسقاط الاتفاقية.
وفي الإطار ذاته، تعلم تركيا جيداً أن فرصتها الوحيدة في الحفاظ على الاتفاق ومكتسباته هو مساعدة حكومة الوفاق أمام هجوم حفتر المتصاعد من أشهر على طرابلس بدعم دولي كبير، لا سيما من الإمارات ومصر، ولاحقاً ما جرى الكشف عنه من وجود قوات روسية على الأرض تقدم الدعم العسكري واللوجستي لحفتر.
والإثنين، أعلنت حكومة الوفاق رفع درجة الاستعداد القصوى في طرابلس بعدما كشفت عن إفشال «محاولة اقتحام قوات متعددة الجنسيات» للعاصمة، حيث تمكنت «الوفاق» طوال الأشهر الماضية من صد هجمات حفتر بفضل الدعم اللوجستي والعسكري الذي قدمته تركيا.
ومن أجل ضمان عدم سقوط حكومة الوفاق، في ظل الهجمات المتصاعدة على طرابلس وتزايد الدعم الدولي لحفتر، يمكن أن تجد تركيا نفسها مضطرة وقريباً جداً لإرسال قوات من الجيش التركي إلى ليبيا لتصبح لاعباً إقليمياً مباشراً في الحرب المتصاعدة هناك منذ سنوات.
وفي ظل عدم وجود تواصل بري بين البلدين، وبعد المسافة نسبياً، فإن أي قرار تركي بإرسال قوات إلى ليبيا سوف يتعلق بإرسال أعداد كبيرة من الجيش بتعزيزات عسكرية ولوجستية كبيرة وفتح خط نقل جوي وبحري لإسناد هذه القوات، ومن غير الوارد عسكرياً إرسال أعداد صغيرة من الجيش دون توفير الحماية الكافية لها.
وطوال الأشهر الماضية، قدمت تركيا دعماً عسكرياً لحكومة الوفاق في طرابلس من خلال إرسال عربات عسكرية ومصفحة وطائرات مسيرة بدون طيار، وأنواع مختلفة من الأسلحة، لكن مصادر غير رسمية قالت إن تركيا تقدم دعماً لوجستياً واستشارات عسكرية مباشرة لقوات الوفاق، وذهبت مصادر أخرى للقول إن مستشارين عسكريين أتراكاً يوجدون بالفعل في طرابلس، وهو ما لم تؤكده مصادر تركية.
وكمسوغ لإرسال هذه القوات، فإن تركيا يمكن أن تحصل على دعوة رسمية من حكومة الوفاق المعترف بها دولياً لإرسال قوات لمساعدتها في حفظ الأمن والسلام، حيث اعتبر أردوغان أن تلقي دعوة رسمية يجعل من الخطوة التركية المحتملة لا تتعارض مع قرار الأمم المتحدة بحظر تزويد أطراف النزاع في ليبيا بالأسلحة، لافتاً إلى أن «روسيا والإمارات ومصر تخرق الحظر الأممي على ليبيا وتقدم كافة أشكال الدعم العسكري لقوات حفتر».
وفي مسوغ آخر، قال أردوغان إن تركيا «لديها الحق في الدفاع عن سفنها وشركاتها ومؤسساتها الخيرية التي تنشط في ليبيا»، مشيراً إلى أن إيطاليا أرسلت جنوداً لحماية مشفى لها في مدينة مصراته الليبية.
ويحتاج أردوغان لاتخاذ قرار من هذا القبيل للحصول على تفويض من البرلمان التركي للجيش يخوله الإرسال إلى خارج البلاد، وهو ما يمكن الحصول عليه بسهولة من خلال دعمي حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، كما يمكن أن تصوت أحزاب المعارضة التركية للقرار على غرار ما فعلت قبل أيام عندما صوتت بقوة لصالح اعتماد مذكرة التفاهم التي جرى التوقيع عليها مع ليبيا.
وعلى الأرض، يبدو النفوذ الروسي المتصاعد في ليبيا أبرز المعضلات التي قد تواجه تركيا في حال قررت إرسال قوات إلى ليبيا، حيث تخشى أنقرة أن تتحول ليبيا إلى ساحة صراع مع روسيا هناك. فبعد تسريبات عديدة، اعتبر المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة أن الدعم الروسي لحفتر زاد من زخم هجومه على طرابلس، وهو تأكيد جديد لوجود قوات روسية على الأرض في ليبيا.
وفي هذا الإطار، قال أردوغان إنه سوف يبحث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين هذه المسألة، لافتاً إلى أنه طلب الاتصال مبكراً مع بوتين قبيل موعد زيارة الأخير المقررة إلى تركيا في الثامن من الشهر المقبل، وهو اتصال يمكن أن يكون مهماً في مسار القرار التركي المتوقع بإرسال قوات إلى ليبيا من عدمه.