اسماعيل كايا / اسطنبول
تحاول تركيا قدر الإمكان الاستفادة من المصلحة الروسية الكبيرة في تعطيل مشاريع استخراج ونقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا وذلك بالضغط على موسكو للاستجابة للمطالب التركية في ليبيا ووقف هجوم الجنرال خليفة حفتر على العاصمة طرابلس.
وتدعم الكثير من الدول الأوروبية بشكل غير محدود مشاريع استخراج الغاز من شرق البحر المتوسط ومساعي حلف شرق المتوسط لبناء خط لنقل الغاز من المنطقة إلى القارة الأوروبية بشكل كبير جداً وذلك بهدف أساسي يتعلق بتقليل الاعتماد على الغاز الروسي الذي يعتبر ورقة ضغط روسية كبيرة على العديد من دول القارة.
ودعمت العديد من الدول الأوروبية بشكل مباشر دول كإسرائيل ومصر واليونان وقبرص لاستخراج الغاز، كما دعمت مخططاتها لمد خط أنابيب يمتد من شرق المتوسط إلى وسط أوروبا وذلك في محاولة لتسريع مساعيها في إيجاد مصدر بديل للغاز يساعدها في الاستغناء تدريجياً عن روسيا، وهو ما يتعارض بطبيعة الحال مع مصالح موسكو ويلحق الضرر بها على المستويين السياسي والاقتصادي.
فالتحرك في شرق المتوسط، يأتي بالتزامن مع افتتاح روسيا وتركيا مشروع خط نقل الغاز الروسي إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، وهو المشروع الذي كلف مليارات الدولارات ويعتبر أحد المشاريع الروسية الاستراتيجية للسيطرة على سوق بيع الغاز لأوروبا، وهو ما يعزز من رغبة موسكو في ضمان حصد أرباح هذا المشروع خلال السنوات المقبلة، لا التساهل في السماح بإيصال غاز المتوسط إلى أوروبا ليصبح بديلاً عن غازها.
وفي محاولة لاستثمار هذه الرغبة الروسية، تضغط تركيا بقوة على موسكو من أجل التعاون معها في الملف الليبي والحفاظ على بقاء حكومة الوفاق هناك بقيادة فايز السراج كون بقاء هذه الحكومة هو الضامن الوحيد للحفاظ على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تم التوقيع عليها بين تركيا وليبيا والتي بموجبها تقول تركيا إن أي خط لنقل الغاز من المتوسط لأوروبا لا يمكن أن يمر بدون الحصول على إذن من تركيا، وهو ما شدد عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أكثر من مناسبة.
ولكن على الرغم من وجود مصلحة روسية كبيرة في تعطيل مشاريع الغاز في المتوسط، إلا أنها تتمتع بعلاقات جيدة أيضاً مع دول محور شرق المتوسط ومنها إسرائيل ومصر واليونان وقبرص، ومن غير المعروف حتى الآن ما إن كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوف يغلب مصالحه مع تركيا أم المحور المقابل فيما يتعلق بالملف الليبي.
وبعد أن زار وفد تركي موسكو لمدة أسبوع وأجرى مباحثات مطولة حول ليبيا، وصل بوتين إلى تركيا قبل أيام، وبعد مباحثات بين بوتين وأردوغان جرى الإعلان عن بعض التوافقات حول الملف الليبي لم تكشف تفاصيلها بعد، باستثناء الدعوة المشتركة لكافة أطراف القتال من أجل وقف إطلاق النار في عموم ليبيا، وهي الدعوة التي استجابت لها حكومة الوفاق فوراً واستجاب لها حفتر في وقت لاحق بعد ضغط روسي كبير. وعلى ما يبدو لإجراء مباحثات تفصيلية أكثر حول الملف الليبي، أعلنت مصادر تركية أن وفد رفيع يضم وزيري الدفاع خلوصي أقار والخارجية مولود جاوش أوغلو ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان، سوف يصل إلى موسكو يوم الاثنين، في خطوة تظهر مدى عمق المباحثات الجارية بين الجانبين.
وفي ظل تأكيد أنقرة وجود آلاف من عناصر فرقة فاغنر الروسية يقاتلون إلى جانب حفتر في ليبيا، فضلت تركيا إجراء مباحثات مع موسكو عقب قراراها إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا في خطوة تهدف إلى تجنب الصدام مع موسكو هناك، ودخلت في مباحثات سياسية قالت مصادر تركية إن أنقرة ربما عرضت على موسكو وقف دعم حفتر والوقوف إلى جانب حكومة الوفاق مقابل ضمان المصالح الروسية في ليبيا، لكن ما لم يعرف حتى الآن هو ما إن كان أردوغان قد لوح فعلياً بتسهيل مهمة نقل غاز المتوسط إلى أوروبا في حال لم تتعاون روسيا مع بلاده في الملف الليبي، أم لا؟.