لا شك أن لوباء الكورونا دروس لا تعد ولا تحصى ، ومن الصعب بمكان أن نحيط بها جميعها، لكننا اليوم في هذه الرسالة الخامسة سنشير إلى بعضها لنعتبر منها وننهل من الجميل فيها ونتوخى قبيحها ونستحضر تفاعل المغرب معها، ولا ضير اليوم أن ننزاح قليلا عن النمط الذي عودناكم به على حائطنا هنا و أن نسترسل في تجارب توقيك وتعلمك عن كيفية تجنّب المطبات وارتشاف قوة الضربات، مع إيجاد طرق للخروج من الازمات، وهذا ما يعتبر من الحكمة والنباهة وعين الصواب.
لعل أبرز الدروس المستخلصة بإمعان تكمن في إلتقاط الإشارات التي أتتنا من دول أوروبا وما أصابهم وما نال منهم من هذا الفيروس الصعب المراس، فإيطاليا على سبيل الذكر تجاوزت الصين في عدد الوفيات وبلغت أعداد مهولة من الاصابات، حتى أصبحت منطقة ” لومبارديا” النابضة بالحياة الأكثر تضررا وسكونا بحجر صحي في أسبوعه الثالث على التوالي، وما كانت لتبلغ هذا العدد المهول الا التساهل والاستهتار والمراقبة الغير الجدية التي كانت في نقط الدخول والخروج لهذا البلد، وقد بدا هذا الاستهتار باديا على خطابات بعض المسؤولين السياسيين وتبخيصهم للمرض، كما جاء في تقرير أعدته إذاعة وصوت ألمانيا DW.. والحال لا يقل صعوبة بالنسبة للجارة الشمالية للمملكة إسبانيا التي تلاحق إيطاليا في هذه المحصلة المحزنة، حيث تخطت حاجز 1000 وفاة، و 20 ألف إصابة..
الصين تجربة فريدة لمواجهة الوباء..
في أواخر السنة الماضية ومطلع السنة الحالية إنتشر وباء “كورونا” إنتشارا مهولا بمقاطعة وهان وسط جمهورية الصين الشعبية، وكلنا كنا نرى على شاشات التلفاز حالات الهلع والخوف الذي إنتاب سكان تلك المقاطعة التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة، حينها كنا نتوصل بمقاطع فيديو لأناس يتساقطون كأوراق الخريف، ولعل المقطع الذي لم ننساه هو ذلك الحجر الصحي الذي أقيم إجباريا على ذات المدينة، وهتافات السكان من البيوت والنوافد، فبالرغم التأخر في البداية خاصة التعامل مع الحالات الأولى من جانب الحكومة المحلية، اتخذت الحكومة المركزية الصينية إجراءات غير مسبوقة لوقف انتشار الفيروس. أغلقت مدينة ووهان، مركز تفشي وعززت الضوابط، وبنت مستشفى ميداني، وحشدت العاملين في المجال الطبي، وشاركت المعلومات مع منظمة الصحة العالمية، لتصل هذه الاخيرة في بلاغ لها البارحة لتشيد بهذه التجربة الناجحة لحصر هذا الوباء.
المغرب يستبق..
إذا كنا نلاحظ جيدا الإجراءات التي اتخذتها الدولة المغربية لحدود كتابة هذه الاسطر أن تعاملها مع الجائحة كان بطريقة سلسة متدرجة، عبر مراحل وبشكل منهجي نظرا لطبيعة وخصوصيات البلاد مع استحضار ذكي للظروف القائمة، والتي أعطت الطريق للخطة الاستراتيجية والمستعجلة لمواجهة هذا الوباء.. لكن كل هذه الجهود الاستعجالية والمتعبة التي بذلتها الدولة المغربية لمكافحة هذا التهديد الحقيقي، يجب أن يكون في مقابلها تجاوب من قبل المواطنين والمواطنات، بالتعبير عن الوعي و الحفاظ على السلامة العامة واستغلال هذا الوباء الفتاك من أمر صعب إلى فرصة مواتية تاريخية للتقدم والازدهار، تبقى راسخة في كتب مدونة محفوظة تروى لمن يأتي من بعدنا، فهذه فرصتنا ينبغي عدم تضييعها لأن من المعضلات والشدائد يولد الابطال، ومن العقبات والمأزق تتولد الأفكار، فالمخاض عسير، والمسؤولية الفردية من القيم.. والعزل الصحي يبقى خير لك ولأهلك ومجتمعك.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط / رئيس مجموعة رؤى فيزيون الاستراتيجية