المريزق المصطفى / فاعل مدني وحقوقي
لا يمكن أن نختلف حول اعتبار مغاربة العالم ثروة حقيقية مادية، علمية وثقافية للمغرب، وعاملا أساسيا من عوامل التنمية الوطنية، ومصدر رزق لمغاربة المغرب القروي وسكان الجبل والواحات والسهوب.
وإذا كانت الهجرة المغربية ظاهرة قديمة، فهي اليوم غيرت أشكالها وأبعادها واتجاهاتها، وأسبابها ونتائجها. كما أن استمراريتها وحدتها وشموليتها وتداخل اتجاهاتها، تثير اليوم أسئلة عديدة وتستدعي بناء علاقة وجسور بديلة مع مكوناتها، لما تمثله من روابط عائلية واجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية مع البلد الأصلي و بين الدول.
ويقدر البنك الدولي مغاربة العالم ب 9,1 في المائة من مجموع السكان، يستقر 80 في المائة منهم بدول الاتحاد الأوروبي ويعتبرون أكثر المهاجرين استقرارا في أوروبا و يحتلون المرتبة الأولى مغاربيا و افريقيا و عربيا. كما يمثلون 7 في المائة من المهاجرين الجدد في فرنسا، ويتصدرون قائمة المجنسين في أوروبا، و يحتلون المركز التاسع في قائمة الدول الإفريقية للمهاجرين الذين هاجروا إلى أمريكا، ليصل عددهم إلى حوالي 66 ألف نسمة. (هذه فقط أرقام وإحصائيات على سبيل المثال وليس الحصر).
ورغم استقرارهم الدائم و المستمر و المسافة الفاصلة بين مناطق الاستقرار و الوطن الأصلي، فإن مغاربة العالم يحافظون على علاقات متينة مع بلدهم، و التي من تجلياتها تنقل ما يزيد عن مليون مغربي منهم إلى الوطن في صيف كل سنة، و تغطية ما يقارب 32 في المائة من العجز التجاري. حيث يعتبرون ثالث مصدر للنقد الأجنبي في المغرب بعد قطاع السياحة ومبيعات الفوسفاط، وتشكل تحويلاتهم نحو 7 في المائة من الناتج الداخلي للمملكة.
وإذا كانت الدولة عملت على إحداث عدة مؤسسات تعني بالهجرة و المهاجرين (الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج، مجلس الجالية المغربية بالخارج) من أجل الحفاظ على حقوقهم و دعم مطالبهم، وما تعيشه بلدان الهجرة عبر العالم، يدعو اليوم الحكومة المغربية، وأكثر من أي وقت مضى، إلى اطلاق دينامية جديدة لتفعيل هذه المؤسسات وفق ما ينص عليه دستور المملكة من حقوق وواجبات، والوقوف إلى جانب مغاربة العالم في ظل محنة جائحة كورونا فيروس.
وقد تكون هذه الظرفية غير مناسبة اليوم لتقييم حصيلة السياسات العمومية في مجال الهجرة، لكن ما هو مطلوب وضروري، هو استحضار آلام وجراح ملايين المغاربة المقيمين بالخارج كنا نستحضر عموم الشعب المغرب في في هذه المحنة الصحي، وإعلان تضامن رسمي معهم، والترحم المستمر على من فقدناه منهم، ووقف كل “الصيحات” العنصرية ضدهم، ومعاقبة من يمارسها ومن يقف وراءها.
إن لمغاربة العالم إسهام حقيقي في التنمية الشاملة والمستادامة لا يمكن أن ننكره، كما لا يجب أن ننسى أن هؤلاء المغاربة هم أخواتنا وإخوتنا، لنا معهم ارتباطات قوية، اجتماعية، نضالية، ثقافية وانسانية، وتربطهم ببلدهم وبمناطقهم الأصلية، وبعائلاتهم، روابط عميقة وتاريخية، وأن دستور المملكة في الفصل 16 و17 و18، ينص على حماية حقوق ومصالحهم، وتقوية مساهمتهم في تنمية وطنهم المغرب، وتمتين أواصر الصداقة والتعاون مع حكومات و مجتمعات البلدان المقيمين بها، أو التي يعتبرون من مواطنيها؛ وتمتيعهم بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت و الترشيح في الانتخابات المحلية و الجهوية و الوطنية؛ وضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين بالخارج في المؤسسات الاستشارية، و هيئات الحكامة والوساطة.
أخيرا، إن مغاربة العالم إمكان فعلي وقوة حقيقية للتغيير داخل المجتمع المغربي، وجزء منا جميعا…
فكل التضامن مع مغاربة العالم أينما وجدوا…وتعازينا الحارة لكل شهداء “كورونا” في بلاد المهجر..