عرفت الصحافة بالمغرب انتعاشا كبيرا بسبب تزايد الوعي بأهمية دور الإعلام في التنمية المحلية خصوصا مع توجهات الدولة المغربية نحو إقامة جهوية موسعة، ترافق كل ذلك مع اتجاه الممارسة الإعلامية في العالم إلى العودة إلى بدايتها الأولى من خلال التوجه إلى قضايا القرب التي تهم المواطن، أو ما يصطلح عليه بإعلام القرب، غير أن هذه الأهمية التي يحظى بها الإعلام الجهوي باعتباره حلقة وصل بين الجمهور و مختلف الفاعلين المحليين لم تتم مواكبتها سواء من طرف المسؤولين على الإعلام و ذلك باتخاذ الخطوات اللازمة من أجل هيكلة هذا القطاع من خلال تقديم دعم حقيقي و إحداث مقاولات صحافية محلية، و إعادة النظر في شروط منح تصاريح إصدار الجرائد المحلية، أو من طرف الإعلاميين و ذلك بفتح نقاش بين المهنيين و إنجاز بحوث و دراسات في الموضوع، و هو الأمر الذي فتح الباب أمام كل من هب و دب من الوصوليين و أصحاب المصالح الخاصة لولوج هذا الميدان الحساس الذي يجب أن يكون محصنا باعتباره ركيزة أساسية لتدعيم الديمقراطية و الشفافية و مبادئ الحكامة الجيدة.
لقد أخذ مفهوم الصحافة في التبلور منذ المناظرة الوطنية للصحافة سنة 1993، و مع ذلك شهدت الصحافة المحلية خصوصا تعثرات كبيرة و لم تستطع أن تؤسس لفعل صحافي قوي يسمح بظهور إعلام محلي متميز يستجيب لمقومات الاحتراف و معايير المهنية، فرغم محاولة الصحف الوطنية انتداب مراسلين محلين فقد فشلت في استحضار البعد المحلي و إعلام القرب بسبب طغيان الحسابات السياسية على المضمون الصحفي.
غير أنه و مع الثورة المعلوماتية و تزايد المواقع الالكترونية و ظهور ما يسمى بالإعلام المواطن خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي عاد إلى الواجهة النقاش القديم الجديد المرتبط بالنهوض بالصحافة المغربية في صيغتها الالكترونية.
محاولة تسليط الضوء على واقع الصحافة المحلية بالمغرب يضعنا أمام نوعين من الصحافة: نوع يستجيب لمعايير العمل الصحفي الجاد، ويستوعب في نفس الوقت أهمية العمل الصحفي ضمن المجال الجهوي، في إطار رؤية شمولية تستهدف بناء مجتمع ديمقراطي، خاضع لمراقبة السلطة الرابعة بعيدا عن أساليب المساومة و منتحلي الصفة، و هو نوع ملتزم بقواعد و أخلاقيات المهنة، جل ممتهنيها لهم تجارب في المجال، و لهم وعي بأبجديات العمل الصحفي و القوانين المنظمة للقطاع و لهم ضمير مهني يعرفون أن تبتدئ حرية العمل الصحفي و أين تنتهي؟
انتشرت بشكل كبير في الأونة الأخيرة ظاهرة انتحال صفة صحافي من طرف عدد كبير من الانتهازيين الذين استغلوا انشغال السلطات العمومية و عناصر الأمن مع حالة الطوارئ و شرعوا يجوبون الشوارع طولا و عرضا بكاميرات هواتفهم النقالة لنقل “كل شيء” بعيدا عن المهنية و الأخلاق المتعارف عليها.