تتغير سريعًا خريطة التحالفات الدبلوماسية في منطقة الشرق الأوسط، فباختلاف التوجهات السياسية ترتسم التحالفات، وفي الشأن المصري، باتت التوجهات المصرية تجاه العديد من القضايا العربية مختلفة عن السنوات الماضية، حيث اتجهت السياسة الخارجية المصرية إلى الخروج من المعسكر الخليجي الأمريكي الذي أصبح مُدانا في العديد من الملفات، سواء في سوريا أو اليمن أو العراق أو لبنان، واتجهت إلى المعسكر الروسي السوري الإيراني.
زيارة نادرة
ذكرت وكالة رويترز أن وزير البترول، طارق الملا، توجه إلى إيران، أمس الأحد، في محاولة لإبرام اتفاقيات نفطية جديدة، ونقلت الوكالة عن مصادر مقربة من وفد الوزير بمطار القاهرة، أن “الملا” سيلتقي بمسؤولين إيرانيين كبار لبحث إمكانية تأمين إمدادات نفطية من طهران.
زيارة وزير البترول لإيران ورغم نفيها على استحياء من بعض المصادر المصرية تأتي في وقت يشهد توترا في العلاقات المصرية السعودية، وتتجه فيه القاهرة إلى دعم المواقف الروسية والإيرانية والسورية في المنطقة، ما يعني أن العلاقات بين الطرفين المصري والسعودي ستشهد تصدعات أكبر خلال الفترة المقبلة، وقد يلجأ كل طرف إلى إخراج جميع أوراق الضغط، الأمر الذي قد يؤدي إلى صراعات كبيرة في المنطقة التي تعاني فعليًا من تصدع في العلاقات بين بعض الدول العربية والإسلامية.
وفي الوقت نفسه، فإن القاهرة باتت أكثر جرأة للتقارب مع إيران، العدو اللدود للسعودية، ما ستقابله طهران بالترحاب نظرًا لمعرفتها بأهمية دور مصر الرائد في معظم قضايا الشرق الأوسط، الأمر الذي يضع المملكة في موقف صعف، خاصة بعد تخلي الكثير من حلفائها عنها بسبب سياساتها المتهورة، وعلى رأسهم سوريا والعراق ولبنان وتركيا وحتى أمريكا، وآخرهم مصر.
وقف الإمدادت النفطية السعودية
وتأتي زيارة الملا إلى إيران بعد ساعات من تأكيد وزارة البترول أمس الأحد، أن شركة أرامكو السعودية للنفط، لم ترسل شحنة المواد البترولية المقررة لشهر نوفمبر إلى مصر، بموجب العقد المُوقع بين الطرفين في أبريل الماضي، ما دفع الوزارة لطرح مناقصات جديدة كما حدث في شهر أكتوبر الماضي.
تجميد الشحنات البترولية الشهرية من أرامكو إلى مصر جاء للمرة الثانية على التوالي، حيث سبق أن اعتذرت الشركة السعودية مطلع أكتوبر الماضي عن وقف الإمدادات البترولية لمصر، وقالت حينها إن هذا التوقف يخص الشهر الجاري فقط “أكتوبر”، ولا يؤثر على الاتفاق بين الطرفين ككل، وأن الإجراء طبيعي ووارد في جميع الصفقات التجارية، وأرجع المراقبون حينها وقف الشحنة نتيجة لإعادة تقييم حصص السعودية من النفط بعد الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه في اجتماع الدول المصدّرة للنفط “أوبك” في الجزائر نهاية سبتمبر الماضي، وبموجبه يتم تخفيض إنتاج السعودية نصف مليون برميل يوميًا، الأمر الذي يحتاج إلى إعادة حساباتها وتقييم حصصها.
مصر تبحث عن بدائل
سعت مصر منذ ذلك الحين، إلى تأمين مصادر طاقة أخرى للنفط؛ حيث قال الناطق باسم وزارة البترول، حمدي عبد العزيز، إن مصر طرحت مناقصات لتعويض قرار شركة أرامكو السعودية وقف إمدادات مصر من المنتجات النفطية لشهر أكتوبر، وأضاف أن بلاده طرحت مناقصات في السوق العالمية لتوريد الكمية المطلوبة لشهر أكتوبر، وفتح اعتمادات مع البنك المركزي، وبالفعل بعد أسبوع، وقعت القاهرة على مذكرة تفاهم مع شركة الطاقة الوطنية الأذربيجانية “سوكار” للحصول على ما يصل إلى مليوني برميل من النفط الخام، كما وقعت شركة “كويت انرجي” الكويتية اتفاقا تبيع بموجبه 20 % من حصتها في حقل السيبا الغازي العراقي للهيئة المصرية العامة للبترول.
النفط ورقة ضغط سعودية
تبريرات بعض الخبراء بأن السعودية أوقفت الإمدادات لإعادة حساباتها وتقييم حصتها فقط بعد اتفاقية “أوبك” لم يكن في محله، فإخطار “أرامكو” وزارة البترول المصرية بوقف الإمدادات البترولية لإشعار آخر دول تحديد أسباب أو تقييد هذا الوقف بمدة زمنية، يعني أن السعودية قررت استخدام النفط كورقة ضغط على القاهرة، خاصة بعد الأزمات المتلاحقة التي وقعت بين البلدين خلال الفترة الأخيرة، التي بدأت بعدم دعم القاهرة للمملكة في حربها على اليمن كما كانت تتوقع الرياض، مرورًا بموقف مصر من الأزمة السورية وتصريحات مسؤوليها، وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، فيما يخص دعم بقاء الرئيس السوري، بشار الأسد، وصولًا إلى أزمة تيران وصنافير، والتصويت المصري لصالح مشروع روسي في مجلس الأمن حول سوريا في أكتوبر الماضي وهو ما عارضته المملكة بقوة.
السعودية حليف غير جدير بالثقة
يبدو أن السعودية باتت لا تتحدث ولا تفهم سوى لغة المصالح، فبمجرد أن اتخذت الخارجية المصرية موقفا مغايرا لموقف نظيرتها السعودية في بعض القضايا العربية، اختارت المملكة التخلي عن حليفتها التاريخية، رغم أن القاهرة طالما اتخذت المواقف الداعمة للسعودية، وكان أهمها التصويت في جامعة الدول العربية لصالح قرار يعتبر حزب الله اللبناني منظمة إرهابية، فضلا عن الدعم المصري، وإن كان كلاميًا، للعدوان السعودي على اليمن الذي بدأ بعاصفة الحزم، مرورا بصفقة تيران وصنافير التي أبرمتها السلطات مع السعودية خلال زيارة العاهل السعودي للقاهرة في أبريل الماضي، رغم استشاطة الشارع المصري غضبًا منها، فضلًا عن الزيارات الدبلوماسية والاتصالات المتبادلة بين مسؤولي الطرفين.
مصر في المعسكر الإيراني الروسي
وقف الشحنات البترولية السعودية إلى مصر، وزيارة وزير البترول المصري إلى إيران، والأنباء المتداولة مؤخرًا حول زيارة بعض ضباط الجيش المصري للقاعدة العسكرية الروسية في محافظة طرطوس على الساحل السوري، فضلاً عما أثير حول تزويد مصر للجيش السوري ببعض العتاد والذخائر، إضافة إلى تمسك إيران بحضور مصر للمؤتمرات الخاصة بمناقشة الوضع في سوريا، واللقاءات الأخيرة التي كان أبرزها اللقاء الذي وصفته الصحافة الإيرانية بـ”التاريخي” الذي جمع وزير الخارجية، سامح شكري، ونظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، في نيويوك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعيين رئيس جديد لمكتب رعاية المصالح المصرية في إيران مؤخرًا، كل هذه الإجراءات والمواقف تكشف عن إيجاد القاهرة وطهران أرضية مشتركة للتفاهم قد تكون القاعدة التي تنطلق منها العلاقات الدبلوماسية المصرية الإيرانية لتنهي توتر بين الطرفين استمر منذ أواخر السبعينيات.