أُجبرت نجود علي من قبل أهلها، في 2008، على الزواج من رجل يبلغ من العمر 3 أضعاف عمرها. وفي أبريل/نيسان، من نفس العام، سافرت الفتاة التي تبلغ من العمر 10 أعوام وحدها إلى محكمة وطلبت الطلاق. وتبنت محامية رائدة في ذلك المجال قضيتها. وقبل أحد القضاة التماسها. كل ذلك جذب انتباه وسائل الإعلام العالمية، وأصبحت نجود بطلة عالمية بدت مصممة على تجاوز خلفيتها القمعية الفقيرة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته، دعت مجلة “جلامور” نجود علي ومحاميتها لزيارة نيويورك لاستلام جائزة. وهناك التقت نجود بهيلاري كلينتون.
وفي منصة استلام جائزة “امرأة العام لمجلة جلامور”، ألقت كلينتون دعابة حول بنطلونات البدل. وعندما مشت نجود لاستلام جائزتها، وقفت الفتاة، واضحة الحماس، بجانب محاميتها، ونظرت إلى الأرض، وبين الفينة والأخرى كانت توجّه ابتسامات للجمهور الذي كان يشمل تيرا بانكس، وميشيل بلومبرغ وجيم جودال. وقالت نجود: “أمل أن أعود إلى اليمن، وأتعلم القانون واللغة الإنكليزية، من أجل أن أعود إلى هنا لأدرس وأعمل من أجل مستقبل جديد لكل الأطفال والإنسانية”. بعد ذلك، سلمتها كاتي كوريك الجائزة.
زيارة كلينتون
أرادت كلينتون أن تعرف المزيد عن نجود ومحاميتها، فطلبت من فريقها التواصل معهما، ثم ذهبت إلى الفندق الذي تقطنان فيه وتحدثت معهما لمدة ساعة.
وقالت نجود في لقاء صحفي مع “هافينغتون بوست” يوم الجمعة: “لقد أحببتها على الفور. لكن ليس معي رقم هاتفها.. هل يمكن أن توصلوني بهيلاري؟”.
ويستدل مراقبون من مجلات تشمل “تين فوج” و”دايلي كوستو”، برسائل البريد الإلكترونية لكلينتون، بعد 8 سنوات من هذا اللقاء، على العاطفة العميقة التي يقولون إن كلينتون لا تحصل على ثناء ملائم لها. رسالة واحدة على وجه الخصوص تم مشاركتها على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي كانت عبارة عن ملاحظة أرسلتها كلينتون بشكل خاص إلى مساعد لها بعد 9 أشهر بعد اجتماعها مع نجود، سألته فيها على وسائل لمساعدة الفتاة اليمنية أكثر. فكتبت له كلينتون، التي كانت حينها وزيرة للخارجية: “أرجو أن يكون هناك شيء بالإمكان فعله”. وبحسب رسالة أخرى، فقد كانت كلينتون سعيدة عندما تلقت أخباراً عن نجود بعد ذلك بعدة أيام.
يرى مؤيدو كلينتون هذا الالتزام المستمر بنجود دليلاً على وجهة نظرهم. فقد حددت كلينتون موعداً للالتقاء بنجود مرة أخرى، بعد عامين من تلك الرسالة، عندما كانت تزور اليمن. إذ تضمن جدول زيارتها التي استغرقت 7 ساعات إلى العاصمة اليمنية صنعاء، 15 دقيقة لمقابلة “نشطاء يعملون على إنهاء زواج الأطفال”، أي نجود ومحاميتها، شذا ناصر.
وقالت شذا إنها لا زالت مذهولة من تلك اللحظة، وإنها فخورة كونها جزءاً منها. كان من المقرر أن تلقي كلينتون خطاباً أمام قاعة مليئة بمئات الناس، بمن فيهم أشهر الناشطين اليمنيين، بعد ذلك الاجتماع مباشرة. لكن “كان أول من التقت بهم كلينتون، نجود وأنا”، بحسب ما قالته المحامية لـ”هافينغتون بوست”. لكن حقائق ما جرى في حياة نجود منذ ذلك اللقاء بكلينتون تعقد من تلك القصة الجميلة. لا تعرض تلك الحقائق كلينتون لأي اتهام بالسوء أو الشر، لكن اليمن، حيث تعيش نجود حالياً، في وسط حرب أهلية دامية، يقوم فيها الرئيس باراك أوباما، حليف كلينتون، بدور عنيف مثير للجدل. وقد أظهرت تجربة نجود هناك، منذ أيام شهرتها الدولية، كيف أن النوايا الجيدة تذبل في مواجهة الحواجز الطبقية والضغط الاجتماعي وتشابك السياسة الخارجية الأميركية، ومدى خطورة استخدام لحظات من حيوات غير غربية، من أجل تحقيق أهداف سياسية غربية. وتحسّنت حياة نجود علي سريعاً بعد طلاقها رفيع المستوى. فقد ضمنت التغطية الإعلامية، ودفاع شذا ناصر، ودعم المهنئين، إعادة استقرارها المريح مع والديها وعودتها للمدرسة بعد شهور من مقابلتها كلينتون. فقد أخبرت نجود جريدة “لوس أنجلوس تايمز” في يونيو/حزيران 2008: “أريد أن أكون مثلاً يحتذى لكل الفتيات الأخريات”.
اهتمام فرنسي
وبدا أن الجمهور الفرنسي، على وجه التحديد، مهتم بنجود علي، بفضل ديلفين مينوي، وهي صحفية تعمل في جريدة “لوفيغارو” الفرنسية. فقد سألها ناشر فرنسي أن تتكلم مع الفتاة اليمنية لعمل كتاب عنها. وافقت مينوي بشرطين: أولهما: أن يسمح لها بقضاء وقت كبير مع نجود علي، وأسرتها، وشذا ناصر، والقاضي الذي تولى القضية. والثاني، أن يدفع الناشر، ميشيل لافون، الغالبية العظمى من الأرباح في دعم تعليم نجود، التي كان والدها قد سحبها من المدرسة في الصف الثاني، قائلاً إن زواج الأطفال الإجباري أفضل وسيلة لتأمين حياة جيدة لها، وقد كانت نجود حريصة على إكمال تعليمها لتصبح محامية. (رفضت نجود أن تجيب عن أسئلة متعلقة بحياتها الشخصية، لذا فإن أجزاءً من هذا التقرير معتمدة على مصادر أخرى).
كانت شذا ناصر متفائلة بشأن مستقبل نجود عندما سافر كلاهما إلى نيويورك لاستلام جائزة جلامور، لكن شذا قالت، في لقائهما مع كلينتون، إن نجود لا زالت بحاجة إلى خدمة كبيرة أخرى بإمكان كلينتون أن تقوم بها: تحتاج نجود إلى أن تغادر اليمن، وتعيش في مكان ما بعيداً عن عائلتها. وشرحت شذا لكلينتون: “إن عائلتها لا تساعدها. إنهم فقط يحاولون استغلالها”.
ومع ذلك، فقد ظلت نجود في اليمن. وقالت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” إنه من المرجح أن نجود أرادت أن تعيش مع عائلتها بسبب علاقتها بأختها الصغرى.
وقالت مينوي لـ”هافينغتون بوست”: “بدأت مجموعة من معدومي الضمير، والكثير من الانتهازيين الذين كان كل همهم الحصول على النقود، ملازمة نجود. يشبه الأمر نوعاً من المافيا. وبدأت الكثير من الشائعات السيئة في الانتشار.. منها شائعات تقول إن شذا ناصر ذهبت لمقابلة هيلاري مع نجود وعادتا بحقيبة ملأى بالدولارات”.
وقالت شذا ناصر إن فريق كلينتون ظل على تواصل معها، بسبب اهتمام كلينتون بإنهاء زواج الأطفال، لكن من المرجح أن كلينتون لم تكن على علم بتفاصيل تطورات قضية نجود.
أخبرت نجود فريقاً تابعاً لـ”سي إن إن”، في أغسطس/آب 2009، بأنها كانت تشعر بالغضب العارم من أن أهميتها الدولية لم تترجم إلى إنجازات مادية في حياتها. وكانت تتغيب عن المدرسة في غمرة غضبها. وقد أدى هذا المقطع إلى المشاركة واسعة النطاق حالياً لرسالة كلينتون التي تطلب فيها من سفيرتها المتجولة لشؤون النساء عالمياً، ميلان فرفير، الاطمئنان على نجود.
وأرسلت فرفير تقريراً قالت فيه إن مينوي كانت تدفع مصاريف مدرسة نجود (وهو شيء أكدته الأخيرة لـ”هافينغتون بوست”، قائلة إنها دفعت المصاريف من مقدم أعطاه لها ناشرها) وأن جلامور كانت تدعم مبادرة لمساعدة فتيات يمنيات محرومات أخريات.
وتقول النساء المحيطات بنجود إن المال لم يكن هو المشكلة. وأنهن إنما يعتقدن أن ما شوّه تفكيرها هو طلبات أهلها وتوقعاتهم العالية أكثر من اللازم حول ما تعنيه شهرتها.
وقالت مينوي: “كنت أكلم نجود على الهاتف كل يومين قائلة لها: اذهبي إلى المدرسة. وما إن ننتهي من محادثتنا حتى تتعرض لضغط من أبيها الذي كان يقول لها: ينبغي أن تطلبي المزيد من المال”.
قصص أخرى
وتذكرت المخرجة خديجة السلامي، وهي عروس طفلة سابقة، أخرجت فيلماً عن قصة نجود علي، وفتيات أخريات. فقد تواصلت مع الفتاة بعد أن قرأت قصتها في الجرائد اليمنية، وقالت إنها ساهمت بنفسها في دفع مصروفات مدرسة نجود لبعض الوقت.
وقالت خديجة لـ”هافينغتون بوست”: “المشكلة أن نجود أصبحت عنيدة جداً.. فقد ذهبت أختها للمدرسة، بينما كانت تتغيب هي عنها. كنت أتصل وأقول: لِمَ لا تذهبين إلى المدرسة؟ فكانت تقول: نعم، نعم يا خالتي. كنت أقول لها: لن تصلي إلى أي مكان دون تعليم. أظن أن البيئة، وأسرتها وكل شيء لم يساعدها كثيراً”.
ومع ذلك، وبحسب ما قالت مينوي، فإن نجود لا زالت مهتمة بالنساء القويات اللاتي عرفتهن، فهي تتكلم بانتظام عن شذا ناصر، وهيلاري كلينتون، باعتبارهما مُثلاً عليا تحتذي بهما.
بدأت الأمور في التحسّن في 2010. فقد ظهر الكتاب للعلن، وبدأت العائدات في التدفق، ونشرت “النيويورك” تغطية عن عمل شذا ناصر لصالح نجود. لكن بحلول مقابلة كلينتون مع نجود وشذا مرة أخرى في اليمن في 11 يناير/كانون الثاني 2011، كان مستقبل الفتاة لا يزال غير مؤكد. وقالت شذا إن الفتاة لم تشك من المعاملة التي تتلقاها. وأضافت: “ذكرت أحلامها فقط، وأنها تريد أن تصبح محامية، ولم تتكلم عن مصالحها ولا عن عدم ذهابها للمدرسة”.
وأكدت نجود لـ”هافينغتون بوست”: “جاءت كلينتون لزيارتي في 2011، لديّ صلة جيدة بها وأنا أحبها كثيراً.. أحبها كثيراً لأنها تهتم بقصتي. ولقد دعتني كلينتون لزيارة أميركا”.
وفي الشهر التالي أثنت كلينتون على المرأتين اليمنيتين في خطاب كتبته لجلامور، ودعت نجود واحدة من أبطالها قائلة إنها سجلت في المدرسة. وكتبت كلينتون: “عندما قابلت نجود وشذا منذ عامين، كنت مندهشة من شجاعتهما وقوة قصتهما الملهمة. ويبدو أنني لم أكن الوحيدة التي شعرت بهذا. لقد جلبت هاتان الشابتان أملاً للفتيات اللواتي يعانين من تلك الزيجات الإجبارية. لقد نشرتا الوعي بالأخطار العاطفية والنفسية والتعليمية والاقتصادية وحتى البدنية للزواج المبكر. وألهمتا الكثير منا لمضاعفة جهودنا لحماية الفتيات الصغيرات مثل نجود”.
وتعتقد كل من شذا ناصر ومينوي أن اهتمام كلينتون بنجود أمر مهم، بغضّ النظر عما آلت إليه رحلة نجود. فقد أدى ذلك الاهتمام للحفاظ على قضية زواج الأطفال في الأخبار، واستمرت مؤسسة عائلة كلينتون في الكفاح عالمياً من أجل تلك القضية. وقالت الصحفية الفرنسية: “لم تكن كلينتون بحاجة للبحث عن الفتاة الصغيرة عندما كانت في صنعاء”.
ورفضت حملة كلينتون التعليق على الأمر.
حاربت أباها
لم تنه نجود تعليمها قط. وهي الآن تبلغ 19 عاماً تقريباً. (وهذا مجرد تقريب، وقد قالت نجود نفسها إنها غير متأكدة من عمرها). كان عليها أن تحارب أباها للحصول على بعض مالها المستحق من حقوق نشر الكتاب، وحيازة المنزل الذي اشتراه الناشر الفرنسي لها. لا زال أبوها يعيش في البيت، وقد استخدم بعضاً من مال ابنته ليتزوج امرأة ثالثة.
تزوجت نجود مرة أخرى عام 2014، ولديها الآن طفلتان.
والآن، تواجه أسرة نجود تحديات جديدة، وباستطاعة كلينتون أن تقوم بدور محوري في حل واحد من هذه التحديات.
فنجود الآن، مثلها مثل ملايين اليمنيين، محصورة بين التحالف الذي تقوده السعودية، والذي يحاول استعادة حكومة البلاد، والمتمردين المدعومين إيرانياً، الذين يريدون تحدي هذه الحكومة. وتقوم الولايات المتحدة بدور محوري في هذا الصراع، عن طريق إعادة تزويد طائرات التحالف المتهمة بارتكاب جرائم حرب بالوقود.
وتدعي إدارة أوباما أنها تراجع دعمها للتحالف، لكن الموقف المرتبك للولايات المتحدة من الحرب يبدو في أغلبه متعلقاً بتجنب انتقادها إلى حين وصول رئيس جديد يقرر أي طريق سوف تسلكه الولايات المتحدة حول ذلك الأمر.
وقالت شذا ناصر إن نجود سافرت إلى الولايات المتحدة، العام الماضي، من أجل العلاج بعد إصابتها بمرحلة متقدمة من السل، وهي الآن في اليمن، حيث الإمدادات الطبية والغذائية منخفضة بسبب تدمير الضربات الجوية اليومية للبنية التحتية.
وتعتقد نجود أن كلينتون سوف تداوي جراح بلادها، حيث تقول: “فور سماعي بترشح كلينتون للرئاسة في أميركا فكرت في أن الأمور ستتحسن قطعاً في اليمن. هذا أمر مؤكد”.
وتشارك شذا، نجود في تفاؤلها، قائلة إن الولايات المتحدة بإمكانها أن تمارس ضغوطاً على السعوديين من أجل إنهاء قصفهم، ورفضت احتمال تساهل كلينتون معهم بالنظر إلى اعتقاد الأخيرة بضرورة دعم الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الأميركية. وقالت المحامية، التي أصبحت أيقونة في اليمن، إنها تعتقد أن الأميركيين، خصوصاً النساء، ينبغي لهم انتخاب كلينتون بسبب إنجازاتها وإمكانية أن تكون مصدر إلهام للفتيات حول العالم.
بالنسبة إلى نجود، يعني انتخاب كلينتون حياة أكثر أمناً، إذ تقول: “كلينتون تقف مع اليمن. من الواضح أنها ستساعد اليمن”.