لقد وعد دونالد ترامب، بأنَّه بصفته رئيساً، سيحترم العهد المخيط على قبعات البيسبول البيضاء والحمراء الخاصة به: جعل أميركا عظيمة ثانيةً.
كانت حملة الترفيهي التلفزيوني السابق أفعوانية من الانتصارات والشراك، ولكن حبه للمبالغة لم يهتزّ.
قال ترامب إنَّه بوجوده في البيت الأبيض “سيربح داعموه كثيراً” حتى إنَّهم سرعان ما “سيسأموا من الربح”.
عندما يتعلّق الأمر بالتخطيط لتفاصيل رئاسة ترامب، لم يكُن المرشَّح الجمهوري أقل غرابةً.
من المتعارَف عليه في الانتخابات الرئاسية الأميركية أن يضع المرشَّح رؤية لفترته الرئاسية الأولى في المكتب البيضاوي.
ولكن ترامب الحريص دائماً على أن يكون “الأعظم” قد اختصر الجدول الزمني لاقتراحاته من 100 يومٍ إلى يومٍ واحد.
في خطاب ألقاه ترامب الشهر الماضي في مدينة جيتيسبيرغ التاريخية، خطط لـ”عقدٍ مع الشعب الأميركي” سيبدأ بـ”يومٍ أول مزدحم جداً”.
استأنف بـ24 ساعة مفصَّلة مخصَّصة لمحو آثار رئاسة باراك أوباما ووضع أميركا على مسار وقائي وأهلاني.
ترحيل المهاجرين
صار خطاب ترامب حول الهجرة يحدِّد حملته الرئاسية. ورغم أنَّ صياغة اقتراحه لما سيفعله فور تولّيه المنصب منتقاة بعنايةٍ أكبر قليلاً، إلَّا أنَّه يظل أحد أكثر التشريعات خلافيةً فيما يخص هذه المسألة.
لقد أسقط بهدوءٍ دعوته إلى نقل كل المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة، وهي حركة قد حذَّر الخبراء من كونها قد تضر باقتصاد الولايات المتحدة عبر اجتثاث الكثير من الناس من سوق العمل، إلى جانب كونها غير عملية إلى درجة قد تجعلها مستحيلة.
سيبدأ على الفور بدلاً من ذلك في عملية ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من أصحاب السجلّات الإجرامية.
تقدِّر الدراسات الحديثة عدد أولئك الناس في الولايات المتحدة بأقل من 168,000 شخص. ولكن ترامب يحدِّد الرقم بحوالي مليوني شخص، في إشارةٍ إلى حساباته لـ”المجرمين”، وهُم الأشخاص الذين خالفوا القانون مخالفات صغيرة، فحصلوا مثلاً على مخالفة لتجاوز السرعة.
وكذلك “سيعطّل الهجرة من المناطق المائلة إلى الإرهاب، حيث لا يمكن أن يتم التدقيق بأمان”.
رغم أنَّ المصطلحات مبهمة، إلَّا أنَّ سوريا ستندرج بالتأكيد على هذه القائمة. زعم ترامب أنَّ الحكومة “لا تعرف” موقف اللاجئين الذين تسمح لهم بالدخول من البلاد، رغم خضوعهم لفحصٍ دقيق لما يصل إلى العامين قبل السماح لهم بالدخول إلى الولايات المتحدة.
أخيراً وليس آخراً، الجدار. لن يحدث هذا بالطبع في يومه الأول كما يعترف، ولكنّ إدارة ترامب ستدفع في النهاية بتشريعٍ “لبناء جدار” على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وتترك المكسيك تتحمّل التكلفة.
ولكنّه لم يشرح بالتفصيل كيف سيحدث هذا.
إصلاح واشنطن
لقد وعد دونالد ترامب بـ”تجفيف مستنقع” سياسات واشنطن، المعتمدة على الأموال الطائلة.
وقد قال في أحد أشهر الإعلانات الترويجية لحملته، إنَّه سوف “يخفِّض تأثير المصالح الخاصة المُفسِد”.
في جيتيسبيرغ، في الموقع حيث ألقى أبراهام لينكولن عام 1863 خطبته الشهيرة لتوحيد الأميركيين، حاول ترامب أثناء حديثه محاكاة القائد الأسطوري، واعداً بإعادة تنصيب حكومة “من الشعب وإلى الشعب”.
تشمل إصلاحات يومه الأول تعديلاً دستورياً لتحديد فترات كل أعضاء الكونغرس وفرض حظر مدته خمس سنوات على مشاركة مسؤولي الكونغرس والبيت الأبيض في جماعات الضغط بعد انتهاء خدمتهم في الحكومة.
في محاولةٍ لتقليص حجم الحكومة، طالب المرشَّح بتجميد تعيين كل الموظفين الفيدراليين لتخفيض قوتها العاملة عبر الاستنزاف (باستثناء الجيش والأمن العام والصحة العامة).
التجارة
ستنفصل رئاسة ترامب عن الالتزام الجمهوري التقليدي بالتجارة الحرة، فارضةً مجموعة من السياسات الوقائية لغلق الحدود الاقتصادية الأميركية.
سيُعلن على الفور نيته لـ”إعادة بحث” اتفاقية أميركا الشمالية للتجارة الحرة مع كندا والمكسيك.
سيُلغي مشاركته في شراكة عبر الأطلسي، وهي اتفاقية مثيرة للجدل للتجارة بين 12 دولة.
تهدف المعاهدة إلى تعميق الروابط الاقتصادية بين هذه الأمم، إذ تزيل التعريفات الجمركية وترعى التجارة من أجل تعزيز النمو. ولكن النقاد يقولون إنَّها ستزيد كذلك من حدّة المنافسة بين القوى العاملة الخاصة بهذه الدول.
السياسة الخارجية
لقد قال دونالد ترامب، إنَّه بصفته رئيساً، ربما لا يضمن حماية دول الناتو الصديقة التي تخضع للهجوم.
في حوارٍ أجراه قبل المؤتمر الجمهوري، قال ترامب إنَّ أميركا لن تساعد دولةً ما إلَّا إذا كانت تلك الدولة قد أوفت بـ”التزاماتها” داخل التحالف.
كانت تلك هي المرة الأولى في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي يشير فيها مرشَّح للرئاسة إلى تحديد شروط لدفاع أميركا عن حلفائها الرئيسيين.
وقد هدَّدت الدعوة إلى نظرة ترامب المتطرفة للعالم، نظرة “أميركا أولاً”، كذلك بسحب القوات الأميركية من أوروبا وآسيا إذا عجز أولئك الحلفاء عن دفع ثمنٍ أكبر للحماية الأميركية.
تقلَّب رأي ترامب في قضايا مهمة بما فيها قضية سوريا. فمؤخراً ألمح المرشَّح إلى أنَّه يرى بشار الأسد، الديكتاتور السوري، أخف الضررين عند مقارنته بجماعات المعارضة المتمرِّدة المدعومة من الولايات المتحدة، التي يملك بعضها ميولاً إسلامية.
وقد وعد بقصف الدولة الإسلامية في العراق والشام قصفاً مبرّحاً.
الطاقة والبيئة
في تطوُّرٍ شديد الإحباط للنشطاء البيئيين، يخطِّط ترامب لإلغاء دفعات من مليارات الدولارات التي تتلقّاها برامج الأمم المتحدة للتغيّر المناخي.
وقد قال إنَّه سيعيد توجيه الأموال للإنفاق على مشاريع البنية التحتية في الولايات المتحدة.
وقد وعد أيضاً برفع القيود على التكسير الهيدروليكي وإنعاش الإنتاج الأميركي للنفط والغاز الطبيعي.
سيزيل حواجز الطرق أمام خط أنابيب كيستون. ناضل النشطاء البيئيون من أجل إقناع إدارة أوباما بوقف مشروع البنية التحتية، محذّرين من آثار الزيادة في إنتاج النفط.
قيل إنَّ خط الأنابيب الذي يمتد من ألبرتا في كندا إلى نبراسكا في الولايات المتحدة سيضرّ بالأنظمة البيئية الهشّة.
محو باراك أوباما من كتب التاريخ
ستكون إحدى أولى إجراءات ترامب هي محاولة محو آثار رئاسة أوباما.
لقد وعد المرشَّح الجمهوري بإلغاء كل “إجراء تنفيذي، أو مذكّرة تفاهم، أو أمر أصدره الرئيس أوباما”.
وفق ستيفن مور، المستشار الرسمي للحملة، فإنَّ الحملة قد حاولت تحديد “خمسة وعشرين أمراً تنفيذياً تقريباً” يمكن لمرشّحها عكسها. فقال “يقضي ترامب عدة ساعات في التوقيع على الأوراق، ويمحو رئاسة أوباما”.
من بين أهمها قانون الرعاية الصحية منخفض التكاليف، الذي يُعرَف كذلك بـ”أوباماكير”. وقد شملت سياسة الرئيس المميِّزة له بالتأمين الصحي حوالي 12.7 مليون شخص كانوا سيعانون من أجل تحمُّل تكلفة الغطاء الطبي.
ولكنَّها زادت كذلك من أقساط التأمين التي يدفعها الأميركيون غير المدرجين على قوائم المساعدات الحكومية.
سيستبدل ترامب نظاماً آخر بهذا النظام، وهو “حسابات التوفير الصحية”. ستمنح هذه الخطة الولايات المزيد من السُّلطة على كيفية التعامل مع صناديق الأموال.
ولكن عدا ذلك، قال النقاد إنَّ حملة ترامب عجزت عن شرح كيف يختلف هذا النظام كثيراً عن خطة أوباما للرعاية الصحية، وكيف سيطبِّقونه.
يبدو أنَّ ترامب يطلب من الشعب الأميركي أن يثق فيه بهذا الشأن، وينتظر ليرى النتائج، كما يفعل في معظم جوانب حملته الانتخابية.