مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية بالمغرب، يبرز دور الأحزاب السياسية، التي يفترض أن تكون صانعة وموجهة للرأي العام، حيث يجمع مختصون على تسجيل تراجع ملحوظ على مستوى تأثيرها في الرأي العام الوطني.
وفي هذا الإطار، كشف الكاتب الصحفي، طلحة جبريل، أن صناعة الرأي العام في أي بلد بالعالم تتم على مستويين؛ يتمثل الأول في المجتمع المدني، أي الأحزاب والنقابات والمنظمات والجمعيات، أما المستوى الثاني، فهو الإعلام الذي يعتبر العامل الرئيسي في صناعة الرأي العام.
وأوضح جبريل، أنه بالنسبة للمغرب، كانت الأحزاب السياسية تحتكر صناعة الرأي العام عن طريق اللقاءات التواصلية والتجمعات ذات الطابع الجماهيري، سواء داخل مقراتها أو خارجها، إضافة إلى الإعلام العمومي، والإعلام الحزبي من خلال الصحف الورقية، التي تم تعويضها بالمواقع الإلكترونية.
وشدد جبريل أن جل الأحزاب السياسية بالمغرب، تمتلك حاليا مواقع إلكترونية، تسخرها للتواصل مع الرأي العام، “لكن تأثير هذه المواقع لم يصل مطلقا إلى المستوى الذي كان عليه الحال بالنسبة للصحف الورقية، وإذا وضعنا مقارنة بلغة الأرقام، سنجد أن بعض الصحف كانت توزع أزيد من 100 ألف نسخة يوميا، في حين أن المواقع الإلكترونية تستقطب فقط المئات من الزوار حاليا”.
وأوضح المتحدث ذاته أنه يُسجل تراجعا كبيرا في تأثير الأحزاب السياسية على مستوى تأطير وتوجيه الرأي العام من الجانب الإعلامي، لدرجة أن هناك أحزابا مشاركة في الحكومة، لا تمتلك منابر تتيح للمهتمين الاطلاع على توجهاتها وأنشطتها، وينطبق الأمر كذلك على النقابات والجمعيات التي بدأت تتخلى تدريجيا عن دورها الأساسي وهو تأطير المواطنين، حيث أصبح دورها مقتصرا على “المطالب والمواقف السياسية”.
وفي هذا الإطار، أكد حسن قرنفل أن دور الأحزاب السياسية أصبح مقتصرا على الدور المؤسساتي، المتمثل في خوض الانتخابات من أجل الحصول على مقاعد تمثيلية في الهيئات المنتخبة، موضحا أن التواصل بين الأحزاب والجماهير “أصبح مناسباتيا، يرتبط فقط بالاستحقاقات الانتخابية”.
وحتى بمناسبة الانتخابات، يضيف المتحدث ذاته، أصبح يسجل تراجعا مستمرا على مستوى التجمعات الجماهيرية التي كان يحج إليها عشرات الآلاف، الأمر الذي يؤشر على أن الأحزاب السياسية “وإن ظلت تلعب أدوارها المؤسساتية إلا أنها فقدت تأثيرها الكبير بالنسبة لتأطير المواطنين والتأثير في توجهاتهم”.
الشبكات الاجتماعية لغة العصر
أكد طلحة جبريل أن شبكات التواصل الاجتماعي “لها ما لها وعليها ما عليها”، حيث أنه يسجل إقبارا كبيرا للجماهير على هذه الشبكات، لأنها توفر لمرتاديها الحرية في كتابة أي شيء يريدون، والحديث في أي موضوع، لكن “وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون، فإنه لا يمكن الوثوق بهذه الشبكات واعتبارها موجة للرأي العام، لأن كل المنشورات المتداولة هي عبارة عن أخبار ذات طابع اجتماعي خاص، أو عبارة عن انطباعات شخصية.
وتابع المتحدث ذاته أنه رغم الانتشار السريع للشبكات الاجتماعية، لكن “لا يوجد لها تأثير كبير في توجيه الرأي العام، بل على العكس، تساهم هذه الشبكات في العزوف السياسي، إضافة إلى تراجع الوعي، وفقا لدراسة شملت بعض الدول الإفريقية بينها المغرب”.
ومن جانبه، أوضح الدكتور حسن قرنفل أن الكثير من “المؤثرين الجدد”، الذين ظهروا مع الإقبال الكبير على الشبكات الاجتماعية، لا تتوفر فيهم الشروط الأساسية للعب هذه الأدوار، من حيث المستوى الثقافي، أو الخبرة السياسية، أو الفعل داخل المجتمع المدني، مما نتج عنه ترويج بعض الأفكار السلبية، التي ساهمت في ظهور بعض الظواهر الغريبة على المجتمع المغربي.
وفي الإطار ذاته، كشف عادل غزالي، الأستاذ في علم النفس الاجتماعي أن مواقع التوصل الاجتماعي، أصبحت فاعلا رئيسيا في توجيه الرأي العام، حيث انتزعت هذا الدور من وسائل الإعلام الكلاسيكية، التي كانت تُوجه من طرف مؤسسات الدولة.
وأفاد غزالي، في تصريح ، بأن الشبكات الاجتماعية أصبحت توفر للفئات الفقيرة والمهمشة، وسيلة للتوجيه، غير أن ما يعاب على طريقة استعمال هذه الوسائل من طرف هذه الفئة، هو “الانفعالية والعشوائية، وغياب التأطير”، مما يجعلها معرضة للاستغلال من طرف بعض الأحزاب، أو الفاعلين السياسيين، “كما هو الشأن بالنسبة لبعض الحركات الاحتجاجية”.