امام ردود الفعل التي خلفها تصريح السفير عمر هلال بنيويورك، يجب التذكير اولا بالإطار الذي يندرج فيه هذا التصريح فقد كان يرد على التهجم العدائي الذي اقترفه وزير خارجية الجزائر رمطان العمامرة المعين منذ اسبوع فقط في منصبه القديم، عدوان بكل المقاييس الدبلوماسية والسياسية واللفظية، وخروج عن السياق وعن جدول اعمال مؤتمر عدم الانحياز الذي لم تدرج فيه قضية الصحراء المغربية، وهو خطأ مهني لا يرتكبه حتى المبتدؤون في العمل الدبلوماسب، اقصد الخروج عن جدول الاعمال، وبالتالي عمر هلال قام بما يمليه عليه الواجب المهني فقط باستعماله حق الرد وفي حدوده الدنيا.
ثانيا من حق المغرب الدفاع عن ارضه ووحدته بكل الوسائل التي يراها مناسبة ضد كل من يتطاول على حرمة المغرب ووحدته، وهذا من صميم عمل وواجب السفراء.
ثالثا القوانين الدولية تقوم على مبدأ المعاملة بالمثل، ولو استعمله المغرب منذ بداية النزاع لكان الملف قد اغلق منذ عقود. ولكن المغرب تعامل بالمنطق الذي يحكم العلاقات الشخصية بين الافراد وليس العلاقات بين الدول، وذلك من خلال العفو عن الاساءات والاكتفاء بالدفاع امام الهجوم الجزائري رغم تجاوزه كل الخطوط الحمراء منذ الدخول المباشر للجزائر في الحرب في معركة امكالا 1976، والاسرى من الجيش الجزائري خير شاهد على ما نقول.
ثم ان المغرب قد جرب سياسة النوايا الحسنة طيلة نصف قرن فما زاد ذلك النظام الجزائري الا تغولا وعدوانية حتى اصبحت خطابات الرئيس تبون لا تخلو من هجوم وكراهية وحقد ضد المغرب ومؤسساته في كل المناسبات.
النظام الجزائري خان كل العهود والاتفاقات التي وقعها مع المغرب، واستعمل الغدر عملة في كل المحطات تجاه المغرب، لذلك سيكون من السذاجة ان نستمر في نفس النهج وننتظر تغييرا في الموقف الرسمي للجزائر.
النظام الجزائري لن يرفع يده عن الصحراء المغربية الا اذا احس ان ما سيخسره اكبر بكثير مما سيربحه، ونحن نعلم ان الجغرافيا الحالية للجزائر هي من صنع الاستعمار الفرنسي، واذا كانت الجزائر تريد تفكيك جغرافية دولة عريقة مثل المغرب عمرها على الاقل 12 قرنا من وجود دولة مركزية مستقلة، فإنه من السهولة بمكان تفكيك جغرافية دولة لم تكن موجودة قبل 60 سنة في حدودها الحالية، خاصة وان هناك مطالب حقيقية لدى شعب الطوارق والازواد في الجنوب، وشعب القبائل في الشمال، ومطالب حكم ذاتي لدى الاقلية المزابية في الوسط، والمثل يقول (من حفر حفرة وقع فيها) والنظام الجزائري حفر حفرة عميقة طيلة 50 سنة وقد آن له ان يسقط فيها سقوطا مدويا.
مشكلتنا مع النظام الجزائري ليست وليدة بضع سنوات حتى نامل في تغير الموقف بتغير الحاكم او الحكومة، هي عقيدة كراهية وعدوان تتبناها الدولة وتدرسها للجزائريين في مقرراتهم الدراسية من الابتدائي الى الجامعة، هي مشكلة تعود إلى نصف قرن من التخطيط الاستراتيجي الاسود لهدم وحدة المغرب.
في النزاعات الدولية اذا لم تكن لديك اوراق للضغط على خصمك او عدوك، فإنك قد دخلت منذ البداية في معركة خاسرة، ويمكنك ان ترجع الى كل النزاعات الدولية وسترى كيف تستعين كل دولة باوراق ضد الدولة التي تصارعها، ومشكلتنا في المغرب ان الدولة راهنت على تعقل النظام الجزائري عوض ان تسعى الى امتلاك اوراق للضغط والتفاوض.
لذلك سيكون من السذاجة في عالم السياسة والجيوبوليتيك والنزاعات الدولية ان تبقى في موقف الدفاع، دون امتلاك اوراق للضغط من نفس الجنس ومن نفس الطبيعة وبنفس الخطورة على خصومك: انفصال مقابل انفصال، حركة مقابل حركة، دعم مقابل دعم، اذاعة انفصالية او قناة فضائية مقابل اختها، تسليح مليشيات مقابل تسليح ميلشيات، وهكذا. بغير ذلك يستحيل على خصمك ان يكف عدوانه…
والمغرب جرب حسن النية ليس سنة او سنتين او حكومة او حكومتين، نحن نتحدث عن نصف قرن من الزمن والمؤامرات والحروب على كل الجبهات وفي كل المحافل من الأمم المتحدة الى الاتحاد الافريقي والبرلمان الاوربي والمحاكم في اوربا وجنوب افريقيا وامريكا الوسطى،دون أن ننسى أن الجزائر تحتضن معسكرات الميلشيات الانفصالية وتسلحها تسليحا ثقيلا لا تمتلكه بعض الدول الافريقية من دبابات وراجمات صواريخ، نحن لا نتحدث عن حركة انفصالية لديها رشاشات كلاشنكوف ..
بقي ان ننبه الى ان التعامل مع النظام الجزائري ينبغي أن يكون وفقا لاستراتيجية متكاملة وشاملة، ولا ينبغي ابدا ان يكون مقتصرا على مجرد ردود فعل او تصريحات صحافية، لان النظام الجزائري الذي اوصل بلده وشعبه الى حافة الانهيار، وقتل ربع مليون جزائري اثناء العشرية السوداء في التسعينيات، يمكن ان يقوم باي عمل متهور، ويجب أن نتوقع منه اي شيء، لذلك على المغرب ان يتخذ كل الاحتياطات ويضع السيناريوهات اللازمة لكل الفرضيات. وفي كل الحالات سيكون المغرب منتصرا لانه يدافع عن حقه وعن ارضه ووحدته، وبنفس اليقين سيكون النظام الجزائري خاسرا لأنه في وضع المعتدي على وحدة وحرمة المغرب الذي دعم ثورته التحريرية ضد الاستعمار، واحتضن فوق ارضه قواعد جيش التحرير الجزائري وقيادة الثورة بما فيها ثلاثة رؤساء جزائريين تربوا وترعرعوا في المغرب وهم بن بلة (من ابوين مغربيين ) وبومدين وبوتفليقة، الذين عضوا اليد التي ساعدتهم، منذ الساعات الاولى من استقلال الجزائر، لذلك يستحمل النظام الجزائري كل الوزر وكل التبعات المترتبة عن الخمسين سنة الماضية وما ستؤول اليه الاوضاع مستقبلا..
أحمد نورالدين باحث في القضايا الدولية متخصص في شؤون شمال افريقيا