بينما كنت جالسا بمنزلي في ديار المهجر و الغربة بألمانيا ، أرتشف كوب القهوة ، كعادتي المعهودة من قديم كلما استشعرت بوجع مغاص الأفكار تتحرك داخل رحم ذهني وتتزاحم حولي بعنف و بسرعة كبيرة ،وهي تنبهني على أن مدة حملها قد اكتملت ، وقد حان وقت وضعها ، لتخرج للحياة و تبحث عمن يؤمن بها ويتبناها و يقرها في قرارة نفسه ، ويرعاها لكي تترعرع و تكبر وتنتشر وتعم فوائدها ، أو لكي تصادف من يخالفها معها ويقف في مرمى عدائها لقتلها في مهدها وتدفن إلى غير رجعة ، و لا يكتب لها أن تعيش أكثر لتتداول بالطرح والنقاش .
إن أفكاري وليدة اليوم ، جائت من شوقي إلى بلدي المغرب ،و تأملي الدائم في جماله، ودعائي له بسلامة أرضه وأهله، إنني أقصد بجلاء المغرب الذي نحسد عليه، كما أصدق القول في ذلك ، وأبدع في الغناء له أخونا المرحوم عبد الصادق شقارة، أكرم الله مثواه، و أوصانا -ونحن صغارا – عن طريق أغنيته الجميلة بقوله : (أوليدي. رد بالك هادي بلادك راك انت محسود عليها ). ، و أكد على كوننا محسودين عليها من غيرنا .
وبعد سنوات من ذلك ، وما اعترانا من الكبر و النضج ، توصلنا إلى صدق الصادق في كل ما قاله في تلك الأغنية ، وأننا يقينا نحسد ليس فقط على هذا البلد كما قال ، بل أيضا على طبيعة عيشنا وتعايشنا ، وعلى الألفة والطيبوبة والمحبة التي تألف بين قلوبنا نحن مغاربة
فما سبب ذلك؟
1) بخصوص البلد :
أقل ما يستحق أن يوصف به المغرب، أنه جنة الله في أرضه، قد يبدو للعديد أعزائي القراء أنني أبالغ فيما أقول، لكن عندما تسمع عبر وسائل الإعلام الأجنبية ، بأن بلادنا يحتل المراتب الأولى كوجهة سياحة عالمية ، فاعلم أن ذلك لم يأتي من فراغ، لأن النحل عندما يحب السفر والتجوال في الأرض ، لا يسافر ليجتمع و لا يحط إلا فوق الورود والأزهار الحلوة شكلا ومذاقا ، و المغرب إن أسقطنا وصف الزهور والورود على دول العالم بناءا على ما حباها الله به من جمال في الطبيعة، ومقارنتها فيما بينها ،فأكيد فصنفه بمملكة الورود والأزهار .
وإنني تحدى الجميع ، أن تجدوا في العالم طبيعة متنوعة صحراوية بشمسها الحارقة، ورمالها الذهبية، و جبالها الشاهقة وثلوجها الناصعة البياض ، وبحريها الكبيرين على طول حدودها، و خضرة مما تشتهي الأعين مفروشة فوق أغلب مساحات أراضيه مساحات غابات كبيرة ، و نباتات كثيفة ومتنوعة ، وأنهار محلية المنبع والمصب .فاللهم زد و بارك .
و ليس هذا فقط ما يغني المغرب ويجعله مصدر ثراء وجمال ، بل هناك شيء آخر لا يقل أهمية، وهو الإنسان المغربي بمختلف أجناسه ، من ذكور و إناث .
2) – المرأة المغربية الأصيلة :
واسمحوا لي أن أبدأ بالحديث عنها أولا ، لأنه يضرب بها المثل الجمال الطبيعي ، وما تتميز به من الأناقة و الرقة و الذكاءو التميز و الإبداع الذي جعلها تتفوق على باقي نساء العالم ، يكفيني في التمثيل لهذا ، أن أذكر بعجالة أن المطبخ المغربي والطرز والنسيج والقفطان والأزياء و والأعراس المغربية ، كلها يتم نسبتها إليها ، حتى أصبحت محل إعجاب و إشادة واعتراف دولي عالمي …. فلنرفع القبعة احتراما و إجلال وتقديرا لجداتنا ، وأمهاتنا ، وأخواتنا، وبناتنا المغربيات على كل ما قدمن ولا زلن يقدمن لبلدهن في كل المجالات، حتى تلك التي لم يسعفني الوقت للحديث عنها،كالمجالات العلمية والثقافية والتربوية وغيرها والتي حققت فيها أدوارا طلائعية .
3:الرجل المغربي الأصيل :
هو الشجاع ،الشهم ، المقدام ، الكريم، الصانع ،الفلاح، التاجر، المثقف، العالم، الفقيه ، الذي صنع تاريخ بلاده ومجدها العريق بيده ،هو الذي امتد حكمه من الأندلس شمالا إلى نهر السنغال جنوبا ، وترك فيها عمارات وحواضر تاريخية ، لا مثيل لها إلا في الداخل المغربي الحالي ،أو بالمناطق التي كانت خاضعة لحكمه كالأندلس بإسبانيا وتلمسان بالجزائر … وغيرها .
ولا يزال الرجل المغربي محافظا على صناعته التقليدية وعمرانه المتميز ، الذي ازداد عليهما الطلب عالميا لبناء و تأتيث قصور ملوك وأثرياء العالم ، لإعطائها الرونق و الأبهة الملكية التي تمثلها الفخامة المغربية .
الرجل المغربي إنسان جاد بطبعه ، يؤمن بالعمل والخلق والإبداع في كل شيء، ..ولا طالما كان متميز ا و متفوق ،وموفقا حتى في اختيار طبيعة النظام الذي يحكمه ، ألا وهو النظام الملكي الذي يعد الخيط الناظم وخير جامع لإختلاف وشتات الطبائع والعادات والتقاليد وهجات مكوناته المختلفة ، و هو النظام المعجزة الذي استطاع الحفاظ على خصوصيات التنوع والإختلاف ، وجعلها تحقق انسجاما فيما بينها ، وتنصهر مع بعضها البعض لتعصمه وتقويه وتحميه في وجه كل من تسول له نفسه للمساس به ، بمختلف مكوناته الأمازيغية الصنهاجية و المصمودية و الزناتية ، و كذلك العربية و الموريسكية والإفريقية .