الطبع يغلب التطبع : مثال ينطبق تماما على اللاعب المصري محمد أبو تريكة، الذي لا يختلف أحد من متابعي كرة القدم أنه لاعبا موهوبا ومتميزا ،أحبته الجماهير المصرية، وتناوله الإعلام المصري بكشل كبير ، وقام بتلميعه بشكل مبالغ فيه ، فحقق يذلك شهرة أكثر مما يستحق ، لأن سيرته الكروية تحكي أنه لم يشارك طيلة حياته الكروية في نهائيات كأس العالم ، ولم تطأ قدماه بطولة أخرى غير البطولة المحلية المصرية، باستثناء إعارة واحدة لمدة زمنية قصيرة لأحد الأندية الخليجية ، ولم يكن يوما محل الطلب للعب في البطولات الاحترافية الأوروبية ، كما هو الشأن المتعارف عليه بالنسبة للاعبين الكبار ، ومع ذلك كان حظه مع الشهرة، أكثر مما ناله لاعبون مصريون و عرب أبلوا بلاء حسنا في أعرق و أعتى البطولات الأوروبية الإحترافية .
نعم بدون مبالغة ، لقد تناوله الإعلام بشكل مفرط ،وجعل منه أسطورة تتخطى الحدود المصرية مكتسحة كل الأوطان العربية ، ومع كل هذا الكرم والفضل غير مستحق ،لم يتردد الرجل ليحرج وطنه وناديه ، أمام كاميرات شاشات العالم ، بوقاحة فجة وقلة أدب ، لما خلط بين السياسة و الرياضة، و غادر غير مكترث صفوف لاعبي الأهلي رافضا تسلم الميدالية الذهبية التي استحقها فريقه، بعد فوزه بنهاية بطولة إفريقيا لعام 2013، على فريق أورلاندو بيراتيس الجنوب الإفريقي، و رفضه مد يده للسلام على وزير الرياضة المصري الذي ترأس حفل تسليم الجوائز ، والذي لم يكن أنذاك غير اللاعب السابق طاهر أبو زيد .
تم انتقل إلى مسامعنا بعد ذلك ، أن أبو تريكة كان يقوم بتمويل جماعة الإخوان المسلمين المعارضة ، لتأجيج الفتن و قلب الأوضاع الداخلية في مصر بعد عزل الرئيس محمد مرسي، وليس قصدي هنا تأكيد أو نفي الخبر، لأن هذا شأن مصري داخلي محض، و لا يهمني و لا يعنيني من قريب ولا بعيد .
لكن ما أثار استغرابي أكثر . أن مصر آنذاك كانت تعاني من أوضاع سياسية تهدد تماسك الدولة ، وكان على حافة الإنهيار لكي تصبح مثل سوريا وليبيا و اليمن ، وفي أمس الحاجة لأبناءها البررة لتضميد جراحها، وليس لمن يصب الزيت على النار تأجيج الفتن أكثر مما هي عليه .
وقيل آنذاك ، أن قطر أنقدته من المتابعة الجنائية في بلده ، بعد أن وظفته محللا رياضيا بقناتها الرياضية ، كما فعلت مع كثير من المنتسبين للمعارضة الإخوانية المصرية، حيث احتضنتهم ، وسخرت لهم منابرها لمهاجمة مصر السيسي و القوات المسلحة المصرية .
و إن الذي جعلني مضطرا لكتابة هذا المقال ، هو خروج أبوتريكة بتغريدة يحرض فيها فريق الأهلي على الإنسحاب من لعب المبارة النهائية لأبطال إفريقيا ضد فريق الوداد البيضاوي المغربي ، علما أن الإتحاد الإفريقي قد سبق له أن قرر إقامة هذه المباراة بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء، وهنا ثبت لي – ما لا يدع للشك – أن اللاعب أبوتريكة لا يعدو أن يكون فقاعة إعلامية فقط ، نفخ من حجمها الإعلام المصري أكثر مما ينبغي ، بعدما وجده وجبة شهية مطلوبة الإستهلاك على مختلف الموائد الإعلامية، وتدر دخلا يسيل منه اللعاب .
لكي يطلب لاعب في وضعه من فريقه السابق الإنسحاب من لعب النهاية ، وهو يعلم أن فريقه لم يصل للنهاية إلا بعد كبير ، كلفه الشيء الكثير ماديا ومعنويا، وهو يعلم أيضا أن القوانين المعمول بها لا ترحم، وستعاقب الفريق بمائة ألف أورو كغرامة لو قرر الإنسحاب من المباراة ، وتحرمه من المنح ، وتمنعه لمدة سنتين متتاليتين من المشاركة في أية ألعاب قارية، علاوة على ذلك قرار الإتحاد الإفريقي للمركب محمد الخامس لإحتضان هذه المباراة قبل وصول الوداد إلى النهائي و أمام كل هذا يعلم ألو تريكة أن امتناع الأهلي عن لعب المباراة لن يوقف إجراء ها ، لأنه سيعوض فورا بفريق وفاق اسطيف الجزائري، وستلعب المباراة رغما عن أنفه ، و الخاسر الأكبر من كل ذلك ، هو سمعة نادي الأهلي المصري ودولة مصر .
أمام كل هذه الحقائق ، أتساءل ما الذي يريده أبو تريكة من مصر و المصريين ؟ هل فقط خسارة اللقب،أم تاجيج الوضع وزرع الفتنة والفرقة بينهم بين مؤيدين للإنسحاب وآخرين رافضين للإنسحاب دفاعا عن مصلحة فريقهم وسمعته ؟ أم أن أبوتريكة يريد فقط زرع فتنة عربية عربية ، بين المغاربة وأشقائهم المصريين ؟
أمام كل هذه الأسباب ، فقد أبو تريكة كل احترامي الذي كنت أكنه له ، وثبت لي بالملموس – بما لا يدع للشك – أنه لا يستحقه ، بعدما غلب الطبع عنده التطبع .