خرج علينا الإعلام الجزائري مؤخرا يغني فرحا و مهللا بما بالزيارة التي سيقوم بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى الجمهورية التركية ، استجابة لدعوة أخيه الرئيس رجب طيب أردوغان ، وستستغرق ثلاثة أيام بدءا من يوم الأحد 15 ماي الجاري، للتباحث في القضايا الدولية والإقليمية ذات الإهتمام المشترك بين البلدين و سبل تعزيزها في كافة المجالات.
ولعلي سأبوح لكم اليوم بسر لأول مرة ، فمن خلال كثرة متابعتي للإعلام الجزائري .. المعروف بعلو كعبه في المهنية و الإحترافية ، والذي يلعب دورا كبيرا في تغذية معلوماتي العامة ، والرفع من مستواي الثقافي والفكري، هذا الإعلام الذي لاطالما ردد كثيرا على مسامعنا ، أن الرئيس مجيدو ، يقف مع فلسطين ظالمة أومظلومة، وأثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن تبون أكثر من يكره إسرائيل على وجه الأرض ،أحب من أحب وكره من كره ، وليس المرحوم شعبان عبد الرحيم كما كنا نعتقد في السابق ، كما كان شائعا عند عامة العرب كذبا وبهتانا.
ومع هذا الاكتشاف الرائع لعظمة هذا الرجل وكرهه الدائم لإسرائيل ومن يطبع معها ، أصبحت فجأة معجبا به ، و أقولها بصراحة و بلا مجاملة، لقد أصبح مجيدو قدوتي ومثلي الأعلى ، وأملي وأمل الأمة الإسلامية الوحيد لتحرير فلسطين ، كيف لا ،و لقد سبق له ببسالته النادرة ، وتضحيته الجسيمة أن حرر الجزائر بجلالة قدرها من العصابة التي كانت تسيطر عليها بقبضة من حديد قبل توليه لرئاسة البلام ، وتربعه لهرم السلطة في بلاده ، لذلك استبشرت خيرا عندما ذكر الإعلام بسعيه للقيام بزيارة إلى دولة لتركيا ، و قلت في قرارة نفسي : ” ربما لقد جاء الفرج أخيرا !!!” .
أكيد إن هذه الزيارة التي سيقوم بها تبون للقاء أردوغان ، لن تكون زيارة دولة كما ردد الإعلام الجزائري، بصفته ” زعيما ” يقدم نفسه على أنه العدو الأول لإسرائيل ، إلى المطبع الأكبر و الخائن أردوغان ، ولكم أن تتخيلوا طبيعة هذه الزيارة عند اللقاء بين الرجلين وجها لوجه، و بعد تجرأ أردوغان على استقبال رئيس الكيان الإسرائيلي إسحاق هارتسوغ في تركيا في شهر مارس الماضي .
و كنت أنتظر الإعلام الجزائري يقول بأن تبون سيقوم بزيارة إلى دولة تركيا للتنديد بشدة بعلاقتها مع إسرائيل ،و إعادة تربيتها على ذلك ،ولكن – كالعادة- هذا الإعلام دائما لايستطيع المحافظة في كل نشاطه المهني على كلمة تربية، بما تحمل من معاني ودلالات ، فجاء تناوله للخبر على خلاف ذلك بوصفه الزيارة على أنها “زيارة دولة.. ” بدلا من ” زيارة” تقديم التربية للدولة التركية” .
أما أنا ، فقد كنت في قرارة نفسي أقول :” ربما بعدما شاهدنا في السنتين الأخيرتين من التحول الذي طرأ في جزائر تبون الجديدة ، فقد حان الوقت لنشاهد مع زيارة تبون لأردوغان ” تركيا تبون الجديدة . لقد اعتاد تبون على شن حملة اعتقالا قي العصابات الحاكمة و ربما جاء الدور على أردو غان وعصابته من المطبعين الأتراك ” ، و اعتراني الشوق لرؤية قدمي الفاتح المغوار تبون تحطان في الجمهوية التركية ، وتساءلت كيف سيستقبله أردوغان المطبع ؟ هل سينحني أمامه ويقف ذليلا و مهانا يستجدي عطفه وصفحه مثلا ؟
لكن ما جرى على خلاف ذلك تماما ، و لم يكن في الحسبان ، فقد تخلف أردغان عن استقبال مولانا الإمام الهمام الرئيس مجيدو ، ولم تؤدى له التحية والسلام العسكريين بالمطار ، ولم يعزف له النشيد الوطني في أنقرة الذي يبدأ بقسما بالماحقات الساحقات ، كما يفرض ذلك بروتوكول استقبال رؤساء الدول الحقيقيين في المطارات، كما حصل لأردغان عندما استقبلته الجزائر سنة 2020 استقبال الملوك، وقدمت له التحية العسكرية ،وعزف له نشيد بلاده الوطني ، لكن الرئيس التركي لم يرد لتبون المعروف بالمثل .
و علاوة على ذلك ، فقد صدمت كثيرا من سلوك مجيدو غير المتوقع ، وقبوله بالإهانة في عقر الديار التركية ، حيث استقبله أردوغان زيادة على ما سبق ، بفرقة من الجيوش الإنكشارية ، و بالأعلام التاريخية للإمبراطورية العثمانية التي حكمت الجزائر الشمالية لأكثر من ثلاثة قرون ، وارتضى أن يستقبل من الأتراك بمنتهى الإهانة و الصغار و الإحتقار و الدونية ، وتيقنت بعد ذلك أنني كنت مخطئا في احترامي وتقديري له وخاب ظني فيه.
لكن مع ذلك ، لازلت مقتنعا ومتمسكا بأنها بالفعل لم تكن زيارة دولة، في غياب ما تتطلبه من طقوس وبروتوكولات متعارف عليها ، لقد كانت فعلا زيارة تربية دولة ، قدمها بمنتهى الإحترافية الرئيس رجب طيب أردوغان- المعروف بتعصبه للقومية التركية – لتبون دولة الجزائر التي تعاني من أزمة هوية وتاريخ ، لكي يعرف قيمته الحقيقية أمام الدول التاريخية.