فاتح يونيو 2021، ذكرى طبعت أزمة خانقة في العلاقات المغربية الاسبانية وعرّجت بها إلى سياقات أخرى، بعدما عمدت السلطات الاسبانية إلى استقبال زعيم جبهة البوليساريو ابراهيم غالي للعلاج من مضاعفات فيروس كورونا. وبعدما اكتشف المغرب تنسيق اسبانيا والجزائر لاستضافة غالي، تم تهريب هذا الأخير من الباب الخلفي لمستشفى بلدة لوغرونيو بمنطقة لاريوخا بإسبانيا، ليغادر من مطار بامبلونا متوجها الى الجزائر في الفاتح من يونيو 2021، ويستكمل العلاج في مستشفى عسكري بضواحي العاصمة الجزائرية.
استقبال مدريد لزعيم الجبهة بهوية مزورة، أسهم في توتر شديد في العلاقات الاسبانية المغربية. ما دعا بالرباط إلى السفير الإسباني للتعبير عن “عدم الفهم والسخط”، ومدريد أكدت فعليا أن نقل غالي إلى إسبانيا يأتي لـ”دواعٍ إنسانية بحتة من أجل تلقّي علاج طبّي”
وكان قد انكشف دخول غالي لإسبانيا مهربا بهوية مزورة عبر مطار سرقسطة في وقت سابق، ليمثل أمام قاضي المحكمة الوطنية بمدريد عن بعد عبر تقنية الفيديو، بعد ضغوط مارسها المغرب على إسبانيا، بموجب دعاوي قضائية مرفوعة ضده حول ضلوعه في جرائم خطيرة تشمل الاختطاف، الاغتصاب، التعذيب والقتل خارج القانون، ما غذى شكوكًا بمحاولة للتستر على وجوده في البلد نظراً لوجود استدعاء بحقه من لدن محكمة إسبانية عام 2016 غداة تخطيطه زيارة إسبانيا.
عدم إخطار الرباط باستقبال اسبانيا لابراهيم غالي صب مزيدا من الزيت على نار العلاقات المشتعلة وغذت التوتر المتنامي بين الجانبين الذي شكل ملف الصحراء والهجرة والحدود البرية والبحرية أبرز أسباب الخلاف. قبل أن يخلص البلدان إلى طاولة الحوار التي أعلنت عهدا جديدا في العلاقات الدبلوماسية التي بموجبها دعمت مدريد المقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء المغربية.
مكالمات وزيارات
وبعد عقود من اعتماد مدريد نوعاً من الحياد في قضية الصحراء المغربية، قامت الحكومة الإسبانية باعتماد توجه محوري في علاقاتها مع المغرب، حيث دعمت مقترح الحكم الذاتي الذي قدمته الرباط كمرتكز لحل نزاع الصحراء، من جانبه، خصّ العاهل المغربي محمد السادس رئيس الوزراء الإسباني باستقبال رسمي، ما يعكس ارتياح الرباط للتوجه الجديد لمدريد، الأمر الذي يؤكده جانب من البيان الثنائي الذي أعقب الاستقبال، وأكد البلدان أنه وعياً منهما “بحجم وأهمية الروابط الاستراتيجية التي تجمعهما، والتطلعات المشروعة لشعبيهما للسلام والأمن والرخاء، فإنهما يدشنان اليوم بناء مرحلة جديدة في علاقاتهما الثنائية”، مضيفاً أن زيارة رئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب تشكل لحظة مهمة لتعزيز خريطة الطريق، وتحديد الأولويات للاجتماع المقبل، الرفيع المستوى، المقرر عقده قبل نهاية السنة الجارية.
ويعتبر مراقبون أن العلاقات الدولية في الوقت الراهن مبنية على منطق البراغماتية، بالتالي سيستغل البلدان الروابط التاريخية والثقافية والجغرافية في سبيل بناء علاقات التكامل والاندماج، من أجل تحقيق المصالح المشتركة القائمة على مبدأ حسن الجوار والثقة المتبادلة.
منعطف جديد
وحدد البلدان عقب الزيارة الرسمية لرئيس الوزراء الإسباني خريطة طريق لمستقبل علاقاتهما، و”تعترف إسبانيا بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، وبالجهود الجادة وذات المصداقية للمغرب في إطار الأمم المتحدة لإيجاد حل متوافق بشأنه، وفي هذا الإطار، تعتبر إسبانيا المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي قدمها المغرب عام 2007 هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وذات المصداقية لحل هذا النزاع”.
واتفق الجانبان على معالجة المواضيع ذات الاهتمام المشترك بروح من الثقة والتشاور، بعيداً من الأعمال الأحادية أو الأمر الواقع، بالإضافة إلى الاستئناف الكامل للحركة العادية للأفراد والبضائع بشكل منظم، بما فيها الترتيبات المناسبة للمراقبة الجمركية وللأشخاص على المستوى البري والبحري، وكذلك إعادة إطلاق وتعزيز التعاون في مجال الهجرة.
علاوة على إعادة تفعيل التعاون القطاعي في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، بما فيها الاقتصادية والتجارية والطاقية والصناعية والثقافية، إضافة إلى التواصل حول تحيين معاهدة حسن الجوار والصداقة والتعاون لعام 1991، على أساس المبادئ والمحددات والأولويات التي ستوجه العلاقات الثنائية في السنوات المقبلة.