كثر القيل والقال عن أنبوب الغاز النيجيري، فالنظام الجزائري يقول أنه تلقى وعودا صادقة من نيجيريا بأن أنبوب غازها سيمر عبر أراضيه ، فيما تقول الحكومة المغربية أن مشروع انبوب الغاز نيجيريا المغرب هو الذي سيتم تنفيذه، والذي تتم دراسته فعليا على طاولة العمل ، وسيشهد قريبا الخروج إلى النور .
وهناك أيضا من احتار بين القولين ، و يعتقد بأن نيجيريا ستقوم بالاستثمار في الأنبوبين معا، لكي تستفيذ أكثر ، وترضي كلا الطرفين من المغرب والجزائر ، ومن خلال المعطيات المتوفرة و الظروف الحالية في المنطقة ،فإنني أطمئن المغاربة بمايلي:
* أولا : من المستحيل أن تقوم نيجيريا بإنجاز الأنبوبين معا، لتكلفته الباهضة في الإنجاز والصيانة، ولكون أنبوب واحد يفي بالغرض، ولا جدوى من إنجاز أنبوبين معا .
* ثانيا : مشروع انبوب الغاز نيجيريا المغرب هو الوحيد الذي سيخرج للوجود لا محالة ، لأنه جدي، ومدروس ، و ناجح ، ومفيد، ومغري للمستثمرين .
ثالثا : فيما عدا تواجده في مكاتب المسؤولين الجزائريين ، وأحلام نومهم ويقظتهم ، أؤكد أن أنبوب غاز نيجيريا الجزائر لن ير النور أبدا ، وأن حكومة الجزائر تكذب على شعبها المسكين كما تعودت على ذلك دائما ، الذي يصدقها في كل ما يقوى .
ولكي أثبت لكم صحة ما أقول ، تأملوا معي المعطيات التالية التي يمكن لكل من شكك فيها ، التأكد من صحتها عبر محرك غوغل، وتابعوا أيضا، تحليلي الخاص الذي سأعرضه عليكم وفق المنطق والعقل :
إن مشروع أنبوب نيجيريا الجزائر ، قد تم طرحه لأول مرة منقبل دولة نيجيريا على الجزائر بصفته مشروعا قبل سنة 2000، ودخل مرحلة توقيع التفاهم بين مسؤولي البلدين منذ 14 يناير 2002، والذي كان من الممكن أن يمر عبر ثلاث دول وهي : نيجيريا ، و النيجر، والجزائر، بطول يبلغ حوالي 4100 كلم ، وتكلفة مالية تقدر ب 20 مليار دولار أمريكي ، وكانت نيجيريا جادة عند طرحه، للتمكن من تصدير وتصريف غازها الوفير ، لأوربا عبر أنبوب لا يكلفها ما يكلفها تمييعه وتصديره عبر السفن المخصصة لذلك، وإعادة معالجته عند الوصول لإعادته لحالته الغازية، ولكون نيجيريا في أمس الحاجة لمداخيل غازها المالية لتنمية بلادها، ووضعت كل ثقتها بالجزائر، غير أن هذه الأخيرة ورغم بحبوحتها المالية أنذاك، لم تكن أبدا جادة في إنجاز المشروع، وأخذت تتماطل وتتلكأ بشتى الأعذار ، لعرقلة إخراجه للوجود، لأنها بكل صراحة كانت ترى فيه ، منافسا قويا لغازها في السوق الأوربية ، وفي الأخير فهمت نيجيريا رفض الجزائر للأمر ، وتوقفت عن طلب ذلك ، وبقي المشروع بالنسبة لها لا يتعدى كونه كان حلما جميلا لا سبيل لتحقيقه .
وفي سنة 2016 ، دخل المغرب على الخط، واقترح على نيجيريا تمرير أنبوب الغاز عبر ترابه لأوروبا، وأمدها بدراسة سبق أن أعدها، وبتصور للمشروع سبق أن وضعه يخلص إلى أن أنبوب الغاز نيجيريا عبر المغرب يمكن أن يكون أفيد ، لأنه سيمر عبر 13 دولة إفريقية ، ويساهم في اندماجها و تنميتها اقتصاديا ، ويعزز أيضا إتحادها ومكانتها السياسية ، وهي نيجيريا، وبينين،و توغو،وغانا، وساحل العاج،وليبيريا، وسيراليون،وغينيا،وغينيابيساو،وغامبيا،والسنيغال،وموريتانيا،ثم المغرب) . قبل أن يصل إلى الشواطيء الإسبانية عبر أنبوب يبلغ طوله حوالي 5600 كلم ، وتبلغ تكلفته المالية حوالي 25 مليار دولار.
نيجيريا بسماعها للمقترح المغربي استيقظ لديها الحلم الذي أجهضته الجزائر ،وتحمست للأمر، وأصبحت تجري أكثر ، لأن مشروع أنبوب نيجيريا المغرب مغري وواعد جدا ، و أظهرت الدراسة التي أجريت حوله تفوقه على مشرع أنبوب نيجيريا الجزائر في كل شيء ، من حيث جاذبيته الربحية، وإغراءاته الإستثماراتية ، وقابليته للتطبيق و أمان مساره، لأن نيجريا تعاني من انعدام الأمن شمال بلادها ، حيث يتواجد أكثر من 105 معسكرا في الغرب لعصابات قوية خارجة عن سلطة الدولة ، وفي الشرق تتواجد جماعة بوكو حرام المسيطرة هي الأخرى على المنطقة، وهناك أيضا أزمة أمن جنوب النيجر الذي تسيطر عليه عصابات و لا تتحكم فيها الدولة المركزية على كامل ترابها الوطني ، خصوصا أقاليم ديفا وماييني، وبوسو، وسوروا .
هذا المعطى الأخير ، يجعلنا نقتنع أن انبوب الغاز نيجيريا الجزائر الذي كان لابد له أن يمر بشمال نيجيريا، وجنوب النيجر، لن يكون في مأمن من بطش وابتزاز هذه العصابات على الإطلاق ، ولن يغامر أي بنك، أوأي مستثمر في في توظيف أمواله الطائلة من أجل بناء شيء غير مؤمن، ومهدد بالزوال والتفجير في أية لحظة ، بالإضافة إلى أن عبور هذا الأنبوب بعد خروجه من نيجيريا لدولتين فقط ، إحداهما ، من تحتاج الغاز هي النيجر، وهي دولة هشة أمنيا ، و إقتصاديا ، لن يجعل المشروع مربحا بالمرة، أما أنبوب الغاز نيجيريا_ المغرب ، فسيعبر من جنوب نيجيريا الآمن والذي تتحكم فيه الدولة المركزية جيدا، وتسيطر على أراضيه ، ليعبر بعدها لإثنى عشر دولة ، أخرها المغرب قبل أن يصل إلى أوروبا ، وكل هذه الدول لا تعاني من مشاكل أمنية ، ومزدهرة، كثيرا إقتصاديا إذا ما قورنت بالنيجر ، وبها من هي الأخرى منتجة للغاز، و لازالت الإكتشافات الطاقية تقول بأنها ستكون واعدة في إنتاج الغاز كما هو الحال بالنسبة للسنيغال وموريتانيا بواجهتيهما البحرية، وستستغلان تمرير الأنبوب بأراضيهما للتصدير غازها الذي ستنتجانه من خلاله إلى أوربا ، وستساهمان بدورهما في تكاليف الأنبوب وصيانته .
بالإضافة إلى كل هذا، فنيجيريا تعلم جيدا أن الجزائر كانت تتلاعب بها منذ 2002 ، بحيث كانت تظهر لها وجها بأنها جادة في إنجاز المشروع، وترميه وراء ظهرها في سلة المهملات، وتعلم أن الجزائر دولة مزاجية ، ومتسلطة، و تهوى ممارسة إبتزاز الدول لتحقيق مصالحها السياسية ، و حتى لو إفترضنا أن الأنبوب قد.تم إنجازه ،ومر عبر الأراضي الجزائرية ، فإن الجزائر ستستغله في الضغط عليها والتحكم في كل قراراتها السيادية ، تحت طائلة إيقاف العمل بهذا الأنبوب في أية لحظة حصل خلاف بين الدولتين ، وكلنا شاهدنا كيف عاقبت الجزائر إسبانيا والبرتغال بإيقاف العمل أنبوب المغرب دون ذنب ، لمجرد أنها إختلفت وغضبت من المغرب .
و علاوة على ذلك ، تعلم نيجيريا مسبقا أن الجزائر شريك غير موثوق به، وكل يوم يصبح على حال ، وكيف أن إسبانيا إكتوت من حماقتها، عند اتخاذها قرارا سياديا اعترفت بموجبه باقتراح الحكم الذاتي المغربي لحل نزاع الصحراء،تماشيامع مصالحها الإستراتيجية .على عكس المغرب العاقل ، الذي لن تكون له أية مصلحة في عرقلة تصدير الغاز النيجيري، لا يمتلك احتياطات غازية كبيرة ينافس بها نيجيريا في التصدير .
زيادة على ماسبق ، فقبل يومين بتاريخ الأربعاء1ماي من سنة 2022 ، وقع الرئيس النيجيري محمد بوهاري عدة اتفاقات تهم الطاقة وغيرها مع إسبانيا ، و لأول مرة يحل رئيس لنيجيريا بإسبانيا بعد غياب طال سبعة عشر عاما متتاليا ، وإذا تيقنا بأن للمغرب يد من وراء هذا اللقاء ، والتوقيع على هذه الإتفاقات،فسنخلص قطعا إلى أي الأنبوبين سيتم إنجازه ، وأن مستقبل غاز الجزائر سيعيش أسوأ منافسة مستقبلا ، و كيف ستصبح من خلاله العلاقة بين نيجيريا و المغرب ، والمصير الحتمي الذي ينتظر اقتصاد القوة الضاربة، وينتظر حكام قصر المرادية الذي يمارسون السياسة من دون كفاءة، ومجرد هواة في التعاطي معاها .