لعل البعض من الناس يتساءل لماذا رضي المغرب بإبرام اتفاقيات مدريد سنة 1975،وإعطاء جزء من الصحراء المغربية للموريتانيين، لكن الذي يجب أن يعرفه المتسائل هو أن المغرب، لم يكن أمامه أي اختيار لفعل ذلك، وكان في وضع الأب الذي يضحي بالجنين من أجل حياة الأم ، ولذلك فهو لم يعطي فقط جزء من الصحراء المغربية لموريتانيا، بل وقع معها اتفاقا على تقاسم مناصفة أية مناجم أوخيرات طبيعية قد تكتشف مستقبلا… كما أن المغرب اتفق مع موريتانيا على الإستغلال المشترك مناصفة لثروات الصيد البحري بشواطيء الصحراء، ومكنت ايضا إتفاقيات مدريد اسبانيا من استغلال الصيد هي الأخرى بالشواطيء المذكورة، بالإضافة إلى حقها في استغلال فوسفاط بوكراع منفردة ، وحقها ايضا في الإحتفاض بقواعدها العسكرية، وبناء أخرى جديدة بالصحراء المغربية، ولجواب من يسأل ، إذا كانت الصحراء مغربية، فلماذا رضي إذا ، المغرب بتقاسمها مع موريتانيا ؟
الجواب هو التالي: لا شك أن الكل يعرف أن المغرب لم يعترف باستقلال موريتانيا إلا سنة 1969، رغم، أنها استقلت عن فرنسا منذ سنة 1960، وذلك لأنها كانت بالنسبة للمغرب أرض مغربية، وامتدادا طبيعيا لترابه، الوطني، الذي كان دائما يطالب باسترجاعه من فرنسا، لكن هذه الأخيرة الممتعضة من المغرب لمساندته الجزائر التي كانت لا زالت تحت رايتها من أجل التحرر، جعلها تعاكس رغبته في استرجاع موريتانيا، وأنشأتها دولة مستقلة عن المغرب، بعدما نظمت استفتاءا شكليا للموريتانيين قرروا فيه بناءا على إرادتها ، إنشاء دولتهم المستقلة، و منحتهم الإستقلال سنة 1960 ، تم حشدت لهم الإعترافات من الدول بقوتها الدبلوماسية ، ولما استقلت الجزائر سنة 1962، دخلت في صراع مع المغرب، وأصبحت نكاية فيه تدعم موريتانيا ، وكونت لها جيشا بتكنات الجزائر ، وفتحت مدارسها التعليمية في وجه التلاميذ والطلاب الموريتانيين، وأمدتها بالمال، لكي لا تعود لأحضان المغرب ، ومع مرور الوقت ،وبعد اعترافات الكثير من الدول بموريتانيا ومنهم العظمى كأمريكا ، اعتبرها المغرب مثل إبنه الذي كبر ،وأراد الإنفصال عن بيت أبيه، واعترف هو الآخر باستقلالها سنة 1969، لكن الهواري بومدين ضل يحرضها، ويساعدها على المطالبة بالصحراء المغربية ، حتى لا يسترجعها المغرب، وهو ما كان ، ولما ضاقت إسبانيا فرانكو أنذاك بمطالبات المغرب باستقلال صحرائه، وشعرت بأنها لا محالة ستفقدها من بين يديها لشراسة المقاومة المغربية ، وللضغط السياسي الذي فرضه عليها المغرب ، بعدما استطاع ادخال صحرائه للجنة الرابعة لتصفية الإستعمار بالأمم المتحدة ، منذ أوائل الستينات ، فقامت إسبانيا بتعبئة العديد من الأعيان بالصحراء ، وخصصت لهم مناصب برلمانية، وأمدتهم بالمال ، وشرعت في حشد الناس والتهييء لتنظيم استفتاء بالصحراء يعبر فيه الناس على الرغبة في استقلالهم لتمنحهم إسبانيا إستقلالا صوريا متل ما فعلت فرنسا مع موريتانيا ،لتبقى تتحكم في الصحراء لضمانها ولاء الأعيان ، الذين أدمجتهم في مؤسساتها التشريعية كممثلين لإقليم الصحراء ، لكن وقبل أن يتم الإستفتاء الذي دعت إليه إسبانيا ، وبعد إصدار محكمة العدل الدولية لحكمها الذي أقرت فيه بوجود علاقة بيعة بين سلاطين المغرب وسكان الصحراء ، وقالت أيضا أن هناك عائلات ترتبط بالقرابة، جزء منها يعيش في المغرب الشمالي المستقل قبل سنة 1975، وجزء آخر يعيش بالصحراء المغربية ، ونفس الشيء بالنسبة لبعض العائلات التي تعيش مقسمة بين موريتانيا وصحراء المغرب، وتربط بينها علاقة القرابة ، فما كان أمام الحسن الثاني رحمه الله غير الإستفراد بالرئيس الموريتاني المختار ولد دادا بالمغرب، بعيدا عن أنظار بومدين ، وقال للمختار ولد دادا ،أنا وأنت أناس مثقفين ، وخريجين لكليات القانون بفرنسا، نستطيع أن نناقش ونحل مشاكلنا بعيدين عن أعين ذلك الجاهل بومدين، الذي لا يملك أية شهادة في حياته،ولا يعمل إلا على توسيع الهوة وزرع الفتنة بيننا ، يجب أن نتفاهم أنا وأنت، وإلا ضاعت الصحراء منا إلى الأبد ، وأخبره بمخطط إستفتاء إسبانيا، إقتنع المختار ولد دادا بالفكرة واتفق مع الحسن الثاني على تقسيم الصحراء ، ورضي الحسن الثاني مكرها، لسببين، أولهما: ، أن موريتانيا ليست دولة أجنبية عن المغرب بل جزء لا يتجزأ منه، تانيهما ، إن أذن لها المغرب بالحاق جزء من ترابه ، فهذا لا يعني قطعا أن الصحراء ليست مغربية، لأن اقتطاع جزء من الأصل وإلحاقه بجزء آخر من الأصل لا يعيب ولا يضير ، ولا يعني أن الجزء التاني لا ينتمي إلى الأصل الأول ،…. وبعد الإتفاق مع موريتانيا، اتصل الحسن الثاني بإسبانيا وأخبرها أنه يعلم بأن لها أطماع في فوسفاط بوكراع ، وكذلك بالصيد في مياه الصحراء ، وترغب في الإبقاء على قواعد ها بها للمحافظة على مصالحها ، وأنه اتفق مع المختار ولد دادا على تقسيم الصحراء، لحل النزاع وأنه سيقنعه ويضمن لها مصالحها إن هي وافقت ، بأن يتركا معا إسبانيا تستغل الفوسفاط ، وتستغل الصيد والقواعد ،بالصحراء ….اسبانيا تعلم أنه في غنى عن فوسفاط الصحراء ما دام بشماله توجد ثروة هائلة من احتياطي الفوسفاط العالمي ،تغنيه عن الحاجة لمزاحمة إسبانيا في طلب إستغلاله، هنا وافقت إسبانيا على مقترح الحسن الثاني ، وألغت تنفيذ خطة تنظيم الإستفتاء بالصحراء التي كانت شرعت في تنظيمها سنة 75 ، وتم توقيع اتفاقية مدريد ،التي فاجأت وصدمت وأغضبت بومدين، وجعلته يخرج للعلن ليشتم رئيس موريتانيا ويصفه بالحمار ، (والفيديو لازال موجودا على اليوتوب ، )
لكن الذي سيفعله بومدين بعد ذلك كان أهم هدية قدمها عن جهل للمغرب ، إذ أنه جند البوليزاريو وجنود من الجزائر، وأمرهم بأن يركزوا هجماتهم وحربهم على موريتانيا لطردها من إقليم وادي الذهب ، الذي تحت سيادتها بالصحراء، ، لأنها ضعيفة وسهلة المنال ، ليحصل البوليزاريو أولا على أرض لدولتهم، ويتم الإعتراف بهم كدولة ، ومن تم تعاود مهاجمة المغرب، حتى يطرد من شمال الصحراء، ومول تلك الحرب على موريتانيا التي لم تستحمل القتل والحرب و انسحبت من الصحراء ،
وقام ضباط موريتانيين موالين لبومدين بالإنقلاب على الرئيس الموريتاني ، ووقعوا مع البوليزاريو بالجزائر اتفاقية تنازل عن إقليم وادي الذهب، لفائدتهم، في الوقت الذي استغل الحسن الثاني الوضع ، واستقبل أعيانا من وادي الذهب يبايعونه ويطلبون حمايته ، ودخل إقليم وادي الذهب، بجيشه القوي ، بعدما كانت تتواجد به فقط بعض الفيالق العسكرية المغربية ، في إطار اتفاقية الدفاع المشترك التي كانت مبرمة بين المغرب وموريتانيا، تحسبا لطردها من الصحراء ، ونتيجة لذلك أصيب بومدين بخيبة أمل وصدم ومرض إلى أن توفي، بعدما قاتل وضحى بالرجال والمال من أجل حرمان المغرب من جزء من الصحراء ،ليجد نفسه يعيد الصحراء كاملة ، ويهديها للمغرب بمساهمته المادية والعسكرية، يعيدها له خالية من كل الإ التزامات السابقة اتجاه موريتانيا و اتجاه إسبانيا ، لأن اتفاقيات مدريد بطلت بفضل بومدين، وأصبح المغرب المالك الوحيد والشرعي للصحراء، وهكذا انقلب السحر على الساحر ، وربح المغرب صحرائه.