حسب ما نقرأ في تاريخ ابن خلدون و جمهرة أنساب العرب لابن حزم ، نجد أن الشعوب و القبائل الأمازيغية الكبرى متواجدة بفروعها في كل بلد من المغرب الكبير ( زناتة في المغرب و في الجزائر و في تونس، و نفزة كذلك، و صنهاجة و كتامة و بنو فاتن و هوارة و غيرها ) ، حيث تنسب فروع قبيلة معينة لهذا البلد ، و فروع أخرى لذاك البلد الآخر ، بالرغم من كون القبيلة الأم واحدة .
وهذا لم يتحقق في شعبين أمازيغيين عظيمين، و هما: شعب مصمودة و شعب مكناسة بالمغرب ، و لم تعرف لهما فروع خارج المغرب ، هذا الشيء الذي لا ينطبق على باقي البلدان المغاربية.
فشعب مصمودة كما قال عنه المؤرخ المغربي عبد الوهاب بن منصور في كتابه “قبائل المغرب” ، هم أقحاح البربر الذين لم يختلطوا بسواهم إلا نادرا، و أهل المغرب الأقصى الأولون المختصون بسكنى جباله منذ الأحقاب المتطاولة، لم يخرجوا منه إلا بعد مجيء الإسلام ، إما لنشر الإسلام بين من يجاورهم من الأمم و الشعوب ، و إما لتوطيد نفوذ الإمارات و الممالك المغربية وراء وطنهم الأم .”
أما شعب مكناسة ، فيتفق جميع النسابة و المؤرخين بدون استثناء أن “مواطنهم على واد ملوية من لدن أعلاه سجلماسة إلى مصبه في البحر و ما بين ذلك من نواحي تازا و تسول” (ابن خلدون، العبر، ج 6، ص170) ، و كانوا و مازالوا شعبا من الرحل بإبلهم يعيشون في مناطق شبه جافة، و يمكنكم أن تلاحظوا أن القبائل المغربية الوحيدة غير الصحراوية التي مازالت تستعمل الإبل منذ مئات السنين إلى غاية اليوم هم مكناسة ، و لازلت كلما مررت بأقاليم الدريوش أو جرسيف أو تاوريرت، أشاهد إبلهم و خيم رحلهم ، و أحس بعراقة تلك المناطق و كأنني رجعت في الزمن مئات السنين إلى الوراء .
ذكرت مكناسة في كتب المؤرخين و الجغرافيين اليونانيين و الرومان مثل كلاوديوس بطليموس تحت اسم Makanitae، و لم يذكر اسم زناتة أبناء عمومتهم في تلك المصادر ، مما يؤكد على أن زناتة هي نفسها مكناسة أو فرع منها، استوطنت المغرب الأوسط موطنها في التاريخ الإسلامي.
و إن مواطن مكناسة في العهد الروماني هي نفسها التي تكلم عنها النسابة المسلمون.
و بما أن للأمازيغ فرعان كبيران هما البرانس و البتر ، فإن مصمودة فرع من فروع البرانس، و ينتسبون لمصمود بن برنس ، وكل القبائل البرنسية العشرة الأخرى أبناء عمومتهم وهي : أزداجة، ولمطة،و لمتونة، وأوربة، وأوريغة،وعجيسة، وهسكورة، وكتامة،و كزولة، و صنهاجة ، لأنه يجمعهم جد واحد هو برنس بن بر، و بذلك يكونون كلهم قد خرجوا من موطنهم الأصلي المغرب.
أما بالنسبة للأمازيغ البتر نجد لواتة (بفرعيها لواتة الصغرى و نفزاوة)، وأداسة،و نفوسة، وضريسة (و تضم فرعين: بنو تمصيت) و يسمون كذلك بني فاتن، و بنو يحيى و هم مكناسة و زناتة) ، و المعيار الذي نبني عليه الأصل المغربي لجميع قبائل و شعوب هذا الفرع هو مكناسة الذين ينتسبون لورصطف بن يحيى بن ضريس بن زجيك بن مادغيس، فهم إذن أبناء عم قريبين لزناتة و زواغة و زواوة، لأن جدهم واحد و هو يحيى بن ضريس بن زجيك، و بذلك يكون بنو تمصيت و لواتة و نفوسة و أداسة أبناء عمومتم البعيدين.
ختاما ، فلا مجال إذن للصوص التاريخ أن ينسبوا شعبا من الشعوب الأمازيغية إليهم و لا لغيرهم، لأنهم محاصرون بأصل شعب مصمودة و شعب مكناسة ، وإن الأمر محسوم للمغرب على الأقل من ناحية علم الأنساب ، رفعت الأقلام و جفت الصحف.
بقلم أحمد الموريسكي