لا تخرج وزيرة التربية الوطنية الجزائرية نورية بن غبريت رمعون من قضية مثيرة لجدل حاد حتى تدخل في أخرى، ولم يتوقف الصراع الفكري واللفظي بين أقطاب التيار المحافظ والإسلامي من جهة والتيار العلماني من جهة منذ تعيينها على رأس الوزارة في مايو/أيار 2014.
فبعد أقل من أسبوعين على ما عرف بقضية المعلمة صباح عاد اسم بن غبريت ليثير الجدل بعد تداول صور لخريطة مأخوذة من كتاب الجغرافيا للسنة الأولى للتعليم المتوسط، والتي تتضمن اسم إسرائيل بدل فلسطين، رغم عدم اعتراف الجزائر بوجود إسرائيل.
وأصبحت نورية بن غبريت في ظرف وجيز من أكثر الوزراء إثارة للجدل في تاريخ الحكومات الجزائرية المتعاقبة، خصوصاً وأنها على رأس هيئة بالغة الحساسية يرتبط بها مصير أجيال كاملة من التلاميذ، ما يفسر الصراع الشرس بين تسييرها للمنظومة التربوية ومسائل الهوية الوطنية واللغة وثوابت الأمة.
وفيما يحسب على بن غبريت أخطاء في القطاع الذي تسيره يسجل لها آخرون يدعمونها مواقف تشهد لها بالكفاءة والإنسانية.
أول يوم على كرسي الوزارة.. أول قضية
في الخامس من مايو/أيار 2014، حملت نورية بن غبريت رمعون، حقائبها من معهد الأنتروبولوجيا بوهران (غرب البلاد) الذي كانت تتولى إدارته، لتحط الرحال بالعاصمة عندما عينها الرئيس بوتفليقة بمنصب وزيرة التربية الوطنية.
وماهي إلا ساعات قليلة، حتى انفجرت شبكات التواصل الاجتماعي صخباً وضجيجاً، بسبب ما اعتقده البعض أن امرأة من أصول يهودية تحمل حقيبة وزارية.
وزعم البعض أن لقب “رمعون بن غبريت” ذو أصول يهودية، خاصة وأنها من ولاية تلمسان غرب البلاد والتي عرفت بكونها قديماً من أكثر نقاط تواجد اليهود. ليتضح عكس ذلك كما صرحت الوزيرة لصحيفةالفجر، وظهر أن جد الوزيرة يعد من أبرز الشخصيات الإسلامية الجزائرية في الثلاثينيات والأربعينيات وهو من المؤسسين الأوائل لمسجد باريس واسمه “قدور بن غبريت”.
وزيرة التعليم لا تتقن اللغة العربية
تخلصت وزيرة التربية الوطنية من شبهة الأصل والنسب في ظرف أسابيع قليلة لتجد نفسها بعد سلسلة الحوارات التلفزيونية التي أجرتها أمام انتقادات لاذعة بسبب ضعف نطقها في اللغة العربية. عجت صفحات فيسبوك، بفيديوهات تبين عدم إتقان بن غبريت للغة العربية بشكل ساخر.
واعتبر كثيرون أنه من غير اللائق تنصيب وزيرة على رأس قطاع التربية تتحدث الفرنسية بطلاقة ولا تتقن العربية التي تعتبر اللغة الرسمية للبلاد، وذهب معارضوها إلى حد اعتبارها “خطراً على المدرسة الجزائرية” لأنها تحمل إيديولوجية فرانكفونية. الوزيرة بعد ذلك حرصت على إلقاء كلماتها في اللقاءات باللغة العربية.
ورأى باحث الدكتوراه والصحفي أحمد غربي، في حديث لـ” هافينغتون بوست عربي”، أن “إتقان اللغة العربية ضروري جداً، خاصة وأن الأمر يتعلق بوزارة التربية الوطنية”، ولاحظ المتحدث “اجتهاد الوزيرة في تطوير لغتها العربية منذ توليها مهام الوزارة”.
الإصلاحات الثانية.. بداية المعركة
ورغم نجاح الوزيرة في تهدئة الأزمات التي لازمت القطاع منذ سنوات، وتوصلها مع نقابات التربية إلى وضع ميثاق لأخلاقيات المهنة وعقد اجتماعي يضمن استقرار المؤسسات التربوية، ظلت الوزيرة محل سخط الكثيرين.
وتعالت موجة الغضب تجاهها مباشرة عقب الندوة الوطنية حول تقييم الإصلاح التربوي شهر يوليو/تموز 2015، حيث رأى التيار الإسلامي والمحافظ “محاولة لزعزعة هوية المدرسة الجزائرية”، واتهمها بسعيها لتقليص عدد ساعات التدريس الخاصة باللغة العربية وتعويض مادة التربية الإسلامية بالتربية الأخلاقية مع سحبها من الامتحانات المصيرية كالبكالوريا (الثانوية العامة).
وكانت جمعية العلماء المسلمين أول منتقدي الوزيرة نورية بن غبريت، إذ قالت في أحد بياناتها في شهر مارس/آذار 2016 “ترفض الجمعية محاولة طمس شخصية أبنائنا وأجيالنا الصاعدة وتغريبهم، بتجاوز القيم الأصيلة، وخلخلة بنيانهم العقدي والقيمي، لصالح لغة وثقافة وقيم أجنبية دخيلة”.
ودعت “إلى إحلال اللغة العربية، والتربية الإسلامية، وتاريخ الجزائر، المحلّ اللائق بها، في المناهج والمقررات، مما يعزز انتماء أبنائنا ويجعلهم متمسكين بشخصيتهم الوطنية الأصيلة”.
وردت بن غبريت على الجمعية برسالة في الـ 31 فبراير/شباط 2016، “إني مثلكم جد مرتبطة وحريصة على غرس هوية شعبنا، وقيمه الوطنية والعالمية تحت واجب الالتزام باحترام دستورنا، وأبقى مقتنعة بأن اللغة العربية والتربية الإسلامية واللغة والثقافة الأمازيغية وتاريخ آلاف السنين لبلدنا العزيز تعد أغلى شيء لدى كل المواطنين الجزائريين”.وتحدت الوزيرة من يتهمونها بمعاداة اللغة العربية قائلة في لقاء مع صحيفة الحوار “أنا أدعو كل من لديه دليل على أنني ضد العربية فليتقدم به مشكوراً، ولا خوف على العربية ولا على مستقبل المدرسة الجزائرية، وكل ما يثار حول عدائي للعربية هو مجرد خطاب ديماغوجي وغوغائي مسيس لا أساس له من الصحة”.
رقصة “الواي واي” والمعلمة صباح
كانت بداية الموسم الدراسي الحالي ملفتة للأنظار بعد أن تابع الجزائريون ما عرف بقضية “المعلمة صباح”، بعد أن قررت الوزيرة نورية بن غبريت فتح تحقيق في حق المعلمة التي نشرت فيديو تقول فيه للتلاميذ أن اللغة العربية لغة أهل الجنة.
وذكّر نشطاء الشبكات الاجتماعية الوزيرة بتصريحها حول انتشار فيديو أواخر 2014 يظهر تلاميذ ابتدائية يرقصون على أنغام أغنية رديئة معروفة باسم “الواي واي”، الذي اعتبرته آنذاك إبداعاً يساعد في محاربة العنف المدرسي، مقارنين بين الأمرين.
تسريب البكالوريا وخارطة إسرائيل
عاد منتقدو الوزيرة لتوجيه النقد لها بعد تسريب امتحانات البكالوريا لعام 2016، وكتابة اسم إسرائيل بدل فلسطين على خريطة العالم في الكتاب المدرسي للسنة الأولى متوسط، واعتبروا أن هذه أخطاء وفضائح جسيمة تقع على مسؤولية الوزيرة ورأوا فيها مبررات كافية لإقالة الوزيرة.
وقال الكاتب والإعلامي المعروف سليمان بخليلي على صفحته الرسمية بفيسبوك “طالت غبرطة (نسبة إلى بن غبريت) المدرسة الجزائرية مست هويتنا فسكتنا، ومست مبادئنا فصمتنا، لكن عندما تحولت “الغبرطة” إلى “رمعنة” (اسم عائلة الوزيرة) تستهدف مقدساتنا وقضيتنا المركزية (فلسطين) من خلال الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني الإرهابي في كتاب الجغرافيا، فإنه يتوجب علينا جميعاً التصدي لمحاولات رمعنة (نسبة إلى الاسم العائلي للوزيرة) أبنائنا بعد أن سكتنا على محاولات الغبرطة المتواصلة”.
الكفاءة والإنسانية
وخلافاً للآراء الرافضة لسياسة الوزيرة، تعتقد شريحة أخرى من الجزائريين بأن بن غبريت “مجتهدة في عملها وقطاع التربية الوطنية يعيش مشاكل مشابهة منذ 2003″، وقال مستشار بإحدى الوزارات الجزائرية(رفض ذكر اسمه) لـ “هافينغتون بوست عربي”، إن بن غبريت بصدد القيام بعمل نوعي لصالح المدرسة الجزائرية، معتبراً الحملة الكبيرة ضدها غير مبررة “وتقف خلفها أطراف متعصبة ورجعية عليها أن تفرق بين جودة التعليم والإيديولوجيا”.
ويعتبر البعض أنها أظهرت للجزائريين إنسانيتها، حين بكت بحرقة شديدة وهي تستمع لقصيدة ألقاها أمامها تلميذٌ مصاب بمرض التوحد، بإحدى الابتدائيات بولاية تبسة شرق البلاد.
المصدر : huffpostarabi