عز الدين السريفي / رئيس التحرير
لجأت الجزائر إلى خطوة التغيير الشامل في جهاز الاستخبارات الداخلي والخارجي، مباشرة بعد إعلان إسبانيا موقفها الجديد من دعم لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، لم يعرف الجهاز الاستقرار، حيث يعدّ هذا التغيير الثاني من نوعه في ظرف شهرين والرابع على التوالي منذ اعتلاء الرئيس تبون سدّة الحكم نهاية عام 2019.
بيان الوزارة الجزائرية أوضح أن رئيس أركان الجيش، الفريق أول السعيد شنقريحة، أشرف على التنصيب الرسمي للواء جمال كحال مديرا عاما للأمن الداخلي خلفا للواء عبد الغني راشدي.
التغيرات في هيكلة الأمن الداخلي والخارجي التابعة للاستخبارات الجزائرية والذي أشرف عليه الرئيس عبد المجيد تبون، يدفع مراقبين إلى طرح أسئلة عن دواعي تسارع هذه التغييرات واحتمالات تأثيرها في عمل الاستخبارات، وخاصة في ظرف حساس محلياً وإقليمياً.
ففي إبريل 2020 أقال الرئيس تبون مدير الأمن الخارجي كمال الدين رميلي، في سياق إعادة هيكلة جديدة للجهاز الأمني والجيش، وعين اللواء يوسف بوزيت في منصبه.
وفي 20 يناير2021 أقيل بوزيت بعد سبعة أشهر فقط من تعيينه، بسبب وجود خرق أمني نتج منه سوء تعامل قيادة الجهاز مع برقية أمنية بعثها مكتب الجهاز من باريس، وعين نور الدين مقري خلفاً له، وبقي مقري على رأس الجهاز لفترة امتدت حتى منتصف ماي الماضي، حيث أُقيل وعُيِّن اللواء جمال مجدوب كحال خلفاً له، قبل أن يُنقَل اليوم مدير الأمن الداخلي عبد الغني راشدي، ليصبح قائداً جديداً لجهاز الأمن الخارجي، بعد أسبوع من ترقيته إلى رتبة لواء في الجيش، حيث شغل قبل تعيينه في هذا المنصب مهام مدير معهد الدراسات العليا في الأمن الوطني، الذي أنشئ عام 2017 كمؤسسة تكوين عسكرية مستقلة ملحقة بالرئاسة، كذلك عمل ضابطاً لجهاز المخابرات الجزائرية في عدة عواصم.
الخسارات المخيّبة التي يحصدها النظام الجزائري في محاولاته اليائسة لإحراج المغرب والنيل من وحدته واستقراره لا تكاد تنتهي. كلّما أوقد العسكر في الجزائر نيران المكائد للمغرب كلّما انطفأت بهزيمة نكراء تجعل السحر ينقلب على الساحر. هذا حال كل المواجهات التي حاول عسكر المرادية أن يجرّوا إليها المغرب جرّاً سعيا وراء نصر أو فوز ولو رمزي بعد أن تبين أن نظاما فاشلا كالذي يقوده عبد المجيد تبون تحت إمرة الجيش لا يقدر لا على الكيد ولا على المصارحة. وإذا عدّدنا قائمة هذه الاندحارات فقد لا يكفينا جرد واحد لها.
كانت هزيمة الغاز واحدة من أكثر الهزائم إيلاما لنظام العسكر. لقد اعتقدوا أن توقيف العمل بأنبوب المغرب العربي العابر للمغرب إلى إسبانيا سيدخل بلادنا في أزمة طاقية لا قِبل له به، وقد كان المستهزئون من الجزائريين يطلبون منا أن نعد ذخيرة الحطب لمواجهة الشتاء البارد، ومرّ الشتاء وخابت أماني العسكر، ونجح المغرب في تدبير احتياجاته الطاقية ولم نشهد لا انقطاعات في الكهرباء ولا ازدحاما أمام محطات الوقود. ولكي تكتمل صورة الهزيمة النكراء التي مُني بها هؤلاء يتحوّل أنبوب غاز المغرب العربي إلى مصدر اقتصادي للتزوّد بالاحتياجات من الغاز المُسال من إسبانيا التي حاول النظام الجزائري رشوتها بكل ما يملك من إغراءات طمعا في مواقفها الداعمة لأطروحة الانفصال.
الهزيمة الإسبانية كما يحلو لنا أن نسميها في هذا المقام كانت مضاعفة. لم تخسر الجزائر أمام المغرب معركة الغاز فقط، بل خسرت أيضا معركة تجييش إسبانيا ضد المصالح المغربية واستغلال الأزمة الدبلوماسية العابرة التي كانت بين البلدين. لقد حاول النظام الجزائري بآلته الدبلوماسية الهائلة والغبية في آن واحد أن يدفع إسبانيا نحو مواقف متشددة في مواجهة المغرب. كان الجزائريون يعتقدون أن مدريد ستكون مستعدة للتضحية بعلاقاتها التاريخية وجوارها الجغرافي الحتمي مع المغرب من أجل إرضائهم مقابل ما ستقدمه من تسهيلات وأسعار تفضيلية على مستوى التزويد بالغاز. نالت إسبانيا ما أرادت من الجزائر وحصلت على الامتيازات والتسهيلات، لكنها رضخت في الوقت نفسه لإرادة المغرب وشروطه على مستوى احترام الوحدة الترابية والقضية الوطنية.
ومنذ فترة تحاول الجزائر حشد الدول العربية لإنجاح القمة التي تأجل تنظيمها إلى نونبر المقبل. لقد سعت الجزائر بكل ما تملك من علاقات ووفود لإنجاح هذه القمة بضمان حضور قادة وزعماء الدول العربية على أعلى المستويات، بل خططت في البداية إلى إقحام وفد رسمي من انفصاليي البوليساريو في هذا الاجتماع، لكنها واجهت رفضا قاطعا من جل القوى العربية المؤثرة، التي تجمعها بالمغرب شراكات وعلاقات استراتيجية. وبعد أن كانت تريد أن تحول هذه القمة إلى طعنة في ظهر المغرب أصبحت السلطات الجزائرية اليوم تبحث عن حد أدنى من الحضور العربي الذي يحفظ ماء وجه هذه القمة التي يحلم من خلالها العسكر بتسجيل هدف في مرمى المغرب وتحقيق إنجاز من إنجازاتهم الكرتونية.
و إلى جانب هذه المعارك التي خسرها في مواجهة المغرب، يواصل إعلام العسكر في الجزائر حصد الخيبات أيضا في ميادين الثقافة والرياضة والفن، بينما تنال صورة الجزائر المزيد من التلطيخ بسبب القرارات والخطابات الإعلامية المجنونة المهووسة بنظرية المؤامرة سواء في مقاربة قضايا كرة القدم وتصفيات كأس العالم أو فيما يتعلق بتبني التراث الثقافي المغربي ومحاولة تأميمه بدلا من الاعتراف بجذوره التاريخية، ولعلّ حادثة إقالة مسؤولة التسويق الأولى في شركة الطيران الجزائرية من منصبها بعد الوصلة الإشهارية التي قدمت وجهة تلمسان على أنها ذات جذور وتاريخ مغربي، لأكبر دليل على هذه الهزيمة النفسية العميقة التي يتخبط فيها العسكر وتكاد تدفعهم نحو الجنون.