عبد الرحيم المنار اسليمي
إذا كان الممكن أن نضع عنوانا كبيرا للخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة ، فان العنوان الكبير يكون هو : هذه هي الأمة المغربية، وهذه هي التمغربيت بقيمها الثلاثة الكبرى .
١- خطاب ملكي بمشاهد من التقليدانية الدستورية المغربية.
يحافظ المغرب عبر الزمن على تقليدانيته الدستورية في افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية ، فمشهد حضور الموكب الملكي وسط الجماهير واللباس التقليدي المغربي والإطلالة الملكية من شرفة البرلمان، وافتتاح الدورة التشريعية الخريفية بتلاوة القرآن الكريم من طرف فقيه مغربي بلباس مغربي تقليدي ،كلها مشاهد وممارسات دستورية تقليدانية تبين بوضوح أنه مهما تغيرت مضامين الدستور المكتوبة ،فإن هناك تقليدانية دستورية لها علاقة بالموروث المغربي تظل مستمرة في الزمان والمكان.
ومن الصور التي تحدث لأول مرة في تاريخ افتتاح الدورات البرلمانية بالمغرب أن يحضر ضيوف أجانب ،فحضور المديرة العامة لصندوق النقد الدولي والرئيس العام لمجموعة البنك الدولي حدث كبير يعبر عن الإحترام الذي تحمله هذه المؤسسات العالمية الكبرى للمغرب ولجلالة الملك.
٢-رسالة أمير المؤمنين والقيم الثلاث للدولة الأمة المغربية.
انطلق الخطاب الملكي في جو من الخشوع والإيمان بالقضاء والقدر ، فالمغرب يخرج من مصاب كبير ، زلزال مدمر ، وهذا أمر الله ، لينتقل الخطاب الملكي بعد ذلك الى استحضار تضحيات القوات المسلحة الملكية والسلطات الأمنية والقطاعات الحكومية التي قدموها في التعامل مع فاجعة الزلزال .
وخاطب جلالة الملك البرلمان والحكومة وكل المغاربة بحضور ضيوف المغرب مدير ومديرة البنك الدولي وصندوق الدولي عارضا في مشهد تاريخي وتقليداني مرجعية الأمة المغربية في ثلاث قيم كبرى : القيم الدينية والقيم الوطنية وقيم التضامن ، هذه هي القيم المرجعية للأمة المغربية، لينتقل بعد ذلك جلالة الملك إلى رسم أولويات العمل المقبلة للبرلمان والحكومة : مدونة الأسرة وورش الحماية الاجتماعية ، فالخطاب الملكي وفي تراتبية منسجمة يضع أمام الداخل والخارج النموذج المغربي الذي ينطلق بناؤه من داخل مرجعية إمارة المؤمنين ، وقيم الأمة ودعامة التضامن التي هي الأسرة وأليات التماسك المجتمعي المتمثلة في الحماية الإجتماعية ، ورش مدونة الأسرة وورش الحماية الإجتماعية هي أولويات كبرى مطلوب من الحكومة والبرلمان العمل عليها ، العمل على مدونة الأسرة من منطلق إمارة المؤمنين و إكمال مشروع الحماية الإجتماعية لدعم الأسرة والطفل والمسن . وفي نهاية الخطاب الملكي دعا جلالته البرلمان الى تنزيل هذه الأولويات وإلى اليقظة.
٣- ضيوف في افتتاح الدورة البرلمانية : شهادة على بداية تأثير النموذج المغربي في العالم.
ولعله من الأمور التي يجب الإنتباه إليها أن افتتاح جلالة الملك للدورة البرلمانية ،بكل دلالاتها وصورها التقليدانية والدستورية ،جاءت بحضور ضيوف صانعي القرار الإقتصادي والمالي العالمي ، الشيء الذي يعني أن العالم اليوم منبهر بانجازات الأمة المغربية وأن العالم يتابع كيف يتطور النموذج المغربي بصعود المغرب كقوة إقليمية في محيطه وقارته الإفريقية وغرب المتوسط ومجال المحيط الأطلسي وداخل العالم العربي.
ويؤشر مضمون الخطاب الملكي على أن المغرب يدخل مرحلة جديدة تنطلق بإيقاع جديد ، فالخطاب الملكي يبين أن المغرب تنتظره مواعيد ومحطات كبرى قادمة في مساره التنموي ،وفي مسار نموذجه التنموي ، المغرب الذي يخرج قويا من زلزال مدمر ينطلق في عملية بناء جديدة يحافظ فيها أولا على الأسرة داخل نظام عالمي يعرف تحولات صعبة ،ويعمل ثانيا على بناء السياسات العامة لمواجهة الظروف غير العادية ،فالحماية الإجتماعية هي سياسة عامة داخل الدولة الإجتماعية لضمان الأمن الشامل للمواطن المغربي في الظرف العادي والظرف الإستثنائي غير العادي.