جسر بريس من الرباط
كشف خبراء أكاديميون عن حقائق تاريخية منذ الحكم العثماني في الجزائر، تبين الدعم والمساندة التي قدمها السلاطين العلويون للجزائريين، سواء خلال الحقبة العثمانية أو الاحتلال الفرنسي، والتي تميزت باستضافة اللاجئين الهاربين من البطش العثماني، وكذا من الظلم الاستعماري الفرنسي، من خلال تقديم المؤونة والسكن والمال للأسر وللمقاتلين، سواء في عهد السلطان مولاي سليمان، أو في عهد مولاي عبد الرحمان، ثم في عهد محمد الخامس.
يؤكد العديد من الخبراء أن هناك الكثير من الوثائق التي تدين الجزائر وتكذب مزاعمها التاريخية، والتي توضح مدى العطف والإحسان الذي كان يقدمه السلاطين العلويون للجزائريين، سواء من خلال دعم المقاومة والثورة الجزائرية ومد الأمير عبد القادر بالسلاح والمال، لمحاربة الفرنسيين، بالإضافة إلى استضافة أعضاء الثورة الجزائرية واستقبالهم من قبل الملك محمد الخامس في الرباط وتقديم الدعم المالي والأسلحة لهم لتحرير بلادهم، إلا أن هذا الدعم قوبل بنكران الجميل ونسيان الماضي من قبل النظام الجزائري.
ودعا الخبراء في ندوة “المغاربة ضحايا الطرد التعسفي”، الدولة المغربية، إلى الترافع أمام المنتظم الدولي عن قضايا المغاربة المطرودين تعسفيا من الجزائر في سنة 1975، لاسترداد حقوقهم كاملة، وتنفيذ التوصية الأممية المتعلقة بالاهتمام بضحايا هذه الجريمة النكراء التي نفذها نظام الجزائر في عيد الأضحى من سنة 1975 في حق 45 ألف أسرة مغربية.
في هذا السياق، كشف الأستاذ الباحث زين العابدين الحسيني، عن تاريخ الدعم المغربي للجزائر، خلال ثلاثة حقب تاريخية من فترة النفوذ العثماني، والاحتلال الفرنسي، ثم آخرها المواقف الداعمة التي أدت إلى انتزاع الاستقلال، وذلك من خلال الاستدلال بوثائق تاريخية ومعطيات دقيقة مدونة في كتب ومؤلفات لفرنسيين وجزائريين وكتاب مغاربة.
وأوضح الحسيني، أن فترة الوجود العثماني عرفت وقوف السلاطين المغاربة العلويين إلى جانب الجزائريين، الذين يفرون من بطش الاحتلال العثماني ومن المضايقات التي يتعرضون لها، حسب كتاب “الابتسام عن دولة ابن هشام”، الذي يقول فيه مؤلفه أبي العلاء إدريس: ((… وجاؤوا إلى داخل المغرب فانتشروا في جميع بلاد المغرب، وأكثرهم كان في فاس، وجاء معهم بنو عامر الذين كانوا بين تلمسان ووهران، أخلوا بلادهم فرارا من جور الأتراك.. ومدوا فيهم يد النهب والاغتصاب فاستجاروا بأمير المؤمنين أبي الربيع، وبايعوه)).
إذن، من هذا كان الجزائريون يهربون إلى المغرب ويستنجدون بالسلطان المغربي خلال هذه المرحلة، مضيفا أن ((أبو القاسم الزياني دون في كتابه “الروضة السليمانية”، أن الجزائريين امتنعوا من افتداء أسراهم، والذي قام بافتدائهم هو السلطان المغربي سيدي محمد بن عبد الله)).
وتحدث زين العابدين الحسيني عن عطف ودعم السلطان مولاي عبد الرحمان للشعب الجزائري عندما توافدوا على المغرب، حيث أمر في رسالته إلى والي تطوان، بحسن معاملتهم وتوفير المؤونة والسكن لهم، ثم توظيفهم، وتخصيص رواتب لهم، حيث أن هناك رسالة تؤكد ذلك كتبها السلطان إلى الحاج القائد عبد القادر أشعاش، جاء فيها: ((سلام الله عليكم ورحمته وبعد، فحامله أحمد البابا الجزائري أركبه هو وأخوه وعيالهما السعيدة في مركب واصل لتونس، وأدي الكراء من صائرنا))، بمعنى أن السلطان كان يهتم بالجزائريين لكي ينقلوا على نفقة السلطان نفسه، ثم في رسالة أخرى يوصيه فيها خيرا بأهل الجزائر القادمين للمغرب، قائلا: ((لقد بلغنا أن أهل الجزائر الذين يريدون منا ردها الله دار إسلام.. بعد وصول كتابنا هذا إليك، اختبرهم وضع كل فريق وأعلمنا بهم فإنهم إن أهملوا بقوا عرضة للضياع))، إلى جانب الدعم الذي قدمه السلطان مولاي عبد الرحمان إلى عبد القادر الجزائري عسكريا، وذلك حسب كتاب نجله محمد بن عبد القادر في كتابه “تحفة الزائر وأخبار الجزائر”، يتكلم فيه عن الأسلحة التي أعطيت لوالده، وكذلك أعطي من الخزينة 10 آلاف مثقال إعانة للمجاهد ليشتري له من أدوات الحربية، وحرر له كتابا مضمونه التحريض على استئناف الجهاد بظهير سلطاني علوي، مشيرا إلى تأكيد الكابتان الفرنسي ديماك، في كتابه، أن الأسلحة كان يتوصل بها الأمير عبد القادر الجزائري من سلطان المغرب، بالإضافة إلى الدعم الإنساني للهاربين من بطش الاستعمار الفرنسي.
وأوضح أن السلطان مولاي عبد الرحمان كان يخاطب عبد القادر الجزائري “بالولد البار المجاهد السي عبد القادر بن محيي الدين أمدك الله بالعين واليقين”، متسائلا: “كيف يعقل أن السلطان يبعث بهذه الرسائل ويقوم في نفس الوقت بتسليمه للفرنسيين، هذا نوع من الحمق؟”، معتبرا ما يقوله الجزائريون في اللقاءات مجرد مغالطات تاريخية باسم باحثين دون أن يرجعوا للتاريخ لكي يعلموا الحقائق التاريخية الصحيحة، مضيفا أن الكثير من العائلات الجزائرية دخلت المغرب سنة 1830 هربا من الاستعمار ومن التضييق والجوع لكي تستقر في المغرب، وتستفيد من الدعم السلطاني المقدم لهم.
أما بالنسبة لفترة الاحتلال الفرنسي، فحسب المؤرخ المغربي، فقد ((كانت الموجة الأولى التي لجأ فيها الجزائريون إلى المغرب سنة 1830، حينما هاجرت جماعة القبائل للمغرب، ثم هناك العديد من الأسر الجزائرية دخلت للمغرب للاستقرار فيه))، حيث تحدث الكاتب أحمد الرهوني في كتابه “عمدة الراوين في تاريخ تطاوين”، عن عدد كبير من الأسر الجزائرية هاجرت الجزائر عندما استولت الدولة الفرنسية على قطرهم، منتقدا تهرب الجزائر من هذه الحقائق التاريخية التي قدمها المغرب للشعب الجزائري منذ بداية الاحتلال الفرنسي، حيث كان الدعم الإنساني والعسكري يمنح للأمير عبد القادر حين كان يلجأ للمغرب عبر الحدود عندما يتعرض لمضايقة الفرنسيين.
وأكد الأستاذ زين العابدين الحسيني، أن هناك الكثير من المواقف الداعمة للجزائر لنيل الاستقلال، من خلال الخطب الملكية التي كان يخصصها محمد الخامس في مناسبات مختلفة، تدعو لاستقلال الجزائر ووحدة أراضيها، سواء في خطاب وجدة أو في عيد الشغل أو في منبر الأمم المتحدة، أو في اليوم التضامني مع الشعب الجزائري الذي نظم بمدينة الدار البيضاء سنة 1961، بحيث كانت كل الخطب الملكية تنص على ضرورة استقلالها، مع استقرار وعيش جالية كبيرة من الجزائريين داخل المغرب في مختلف المدن، مشيرا إلى الاستقبالات التي كان يخصصها الملك محمد الخامس للقيادات الجزائرية، مثل بنبلة وبوضياف في أكتوبر 1956، واستقبال فرحات عباس الذي قام بتقبيل يده، بالإضافة إلى تدريب المقاومين وقاعدة جيش التحرير الجزائري بشرق المغرب، مع تخصيص الدعم المالي وتوفير مراكز للتدريب بالسلاح إلى جانب مصانع للأسلحة والبارود.
وأشار إلى الدعم الذي كان يقدمه محمد الخامس للجزائريين من خلال مطالبته الدول بالوقوف مع الجزائر، حيث كتب رسالة إلى رئيس مدغشقر الذي حصلت بلاده على الاستقلال، قائلا: ((أهل بنا أن ندعو فخامتكم لكي تقف حكومتكم بجانب الجزائر المجاهدة، وتدبر لها ما هي جديرة به من المساندة والتأييد لحضيرة الأمم المتحد))”، إلى جانب خطابه في الأمم المتحدة والذي يعد أول خطاب باللغة العربية شدد فيه على ضرورة استقلال ووحدة الجزائر، ووقوف المغرب ضد مشروع “أرتان” 1957، الذي كان يهدف إلى تقسيم الجزائر إلى دويلات صغيرة، جمهورية قسنطينة حكم ذاتي، وتلمسان حكم ذاتي، لكن المغرب قام في الوقت نفسه بكل محاولة لمنع تجزئة التراب الجزائري.
بدوره، كشف الباحث الأكاديمي نور الدين بلحداد، أن هناك الكثير من الحقائق الأكاديمية التي لا يعلمها المغاربة، والتي تؤكد العطاء الذي قدمه المغرب للجزائر، معتبرا أن الصراع الذي تفتعله الجزائر مع المغرب منذ 48 سنة، يرجع إلى باريس، التي ترفض الكشف عن العديد من الوثائق الموجودة في الأرشيف الفرنسي، والحقائق التاريخية غير مسموح الاطلاع عليها لدى مؤسسات في نانت وباريس وغيرها.
وأوضح بلحداد، أن هناك العديد من الأحداث التاريخية التي تشهد على المعاملة الحسنة وتقديم يد العون من قبل السلاطين العلويين لفائدة الجزائريين الذين كانوا يتعرضون للاضطهاد في العهد العثماني وفي العهد الفرنسي، قائلا: ((كان السلطان محمد بن عبد الله يعاتب السلطان العثماني سليمان القانوني، لتفريطه في الأسرى الجزائريين، هذا مدون تاريخيا في المكتبة الوطنية بالسويد وفي الكونغريس، حتى أنه في بعض المرات أنقذ 2400 أسيرا أخرجها من صقلية ومن باريس ومن استوكهولم ومدريد، ثم جاء سفير عثماني إلى مكناس واستقبله السلطان بالرباط وصلى معه صلاة الجمعة، ليقوم هذا المبعوث بكتابة تقرير سري، تضمن شهادته عن توافد الجزائريين أمام السلطان بالرباط يطلبون البيعة سنة 1785))، مشيرا إلى أن السلطان مولاي سليمان وقف في وجه الملك الفرنسي نابليون بونابارت ورفض مبايعة شقيقه في إسبانيا رغم الإغراءات التي قدمها له بونابارت منها تسليمه مدينة مليلية مقابل الاعتراف.
وتحدث بلحداد أيضا عن المواقف النبيلة للسلطان مولاي عبد الرحمان بعد استضافته للجزائريين المطرودين من بلادهم، وتخصيصه للمؤونة والرواتب الشهرية والمساكن المفروشة، إلى جانب روح التضامن الكبيرة التي عمت المغاربة مع الجزائريين سنة 1830 والتي أكدها الجنرال دو ميشال، الذي دون حقائق تاريخية حول الدعم العسكري الذي كان يقدمه المغرب للأمير عبد القادر الجزائري، مضيفا أن هناك أمانة علمية يجب توصيلها بالحجة والبيان، والتي تؤكد أن العلويين منذ عهد السلطان محمد الأول قاموا بدعم الجزائريين منذ عام 1653، في عهد محمد الثالث، ومولاي يزيد، ومولاي سليمان، ومولاي عبد الرحمان، ومولاي الحسن الأول، الذي كان يتطارح عليه الجزائريون من أجل بيعته إلى جانب السلطان عبد العزيز، بواسطة رسائل منهم.
وأكد أن السلطان محمد الخامس بدوره أنفق على الجزائريين الملايين، وقام بدعمهم ماديا، خاصة بوضياف وبنبلة، وآخرون، الذين كانوا يأتون للمغرب طلبا للدعم والعون لنيل الاستقلال، من بينهم أعضاء اللجنة الجزائرية سنة 1955 الذين تقدموا بـ 24 طلبا للعون، رغم تحذيرات الفرنسيين للمحاربة من عدم السماح للثوار الجزائريين من الدخول للمنطقة الشرقية لخلق البلبلة، مشيرا أيضا إلى احتضان المغرب لحوالي 50 ألف جزائري كانوا يقيمون فوق التراب الوطني ويعيشون بأمان وسط إخوانهم المغاربة، إلى جانب 4 آلاف شخص كانوا يوميا يدخلون للمغرب منذ سنة 1837 من أجل الزيارة والتجارة وغيرها.
واعتبر الأكاديمي بلحداد، أن هناك شرخا كبيرا بين السياسيين والأكاديميين المتخصصين فيما يتعلق بالاهتمام بالحقائق التاريخية، التي تبين الفضل الكبير للمغرب والسلاطين العلويين على الشعب الجزائري والقيادات الجزائرية منذ العهد العثماني والاستعمار الفرنسي، داعيا إلى الاهتمام بالشأن التاريخي والأكاديمي ودعم الباحثين والأساتذة للقيام بزيارات إلى جامعات أمريكا وأوروبا وتقديم الحقائق التي تفضح الجزائر ونكرانها للجميل المغربي، والتعريف بقضية المغاربة المطرودين سنة 1975، والتي لا تحظى بالدعم اللازم لتحميل الجزائر المسؤولية التاريخية عن هذه الجريمة الشنعاء.