تصر الأحزاب الجزائرية على اختلاف مرجعياتها الفكرية والإيديولوجية، في كل مرة، على اجترار الخطاب الرسمي لنظام بلادها في تعاطيه مع عدد من القضايا الداخلية والخارجية على حد سواء، على رأسها قضية الصحراء المغربية، إذ لم تستطع بعد أن تبلور خطابا خاصا ناقدا لسياسات حكامها، بما يُمكنها من المساهمة في تأهيل الحقل السياسي وتأطير المواطنين تماشيا مع الأدوار المنوطة بالأحزاب السياسية.
ولأنهم باتوا مدركين خطورة معاكسة إرادة النظام والمس بالثوابت المؤسسة لشرعيته، وعلى رأسها العداء للوحدة الترابية للمغرب الذي صار نافذة لكل النخب السياسية للتقرب من دوائر صنع القرار؛ فقد قرر وفد مكون من ممثلين عن 12 حزبا سياسيا جزائريا القيام بـ”زيارة تضامنية”، غدا الثلاثاء، إلى ما تسمى “الأراضي الصحراوية” ومخيمات تندوف، تعبيرا عما وصفوه بـ”التنديد باتفاقية مدريد المشؤومة الموقعة في 14 نونبر 1974″، حسب ما أفاد به بيان لحزب “التحالف الوطني الجمهوري”.
البيان ذاته أشار إلى أن “هذه الزيارة ستشكل فرصة للتذكير بمواقف الجزائر، شعبا وحكومة ومؤسسات ومجتمعا مدنيا؛ الداعمة للشعب الصحراوي في تقرير مصيره وتحقيق استقلاله”، مسجلا أن “أعضاء الوفد الحزبي الجزائري يثمنون الموقف الرسمي لبلادهم في هذا الإطار”.
الحديث عن الأحزاب السياسية الجزائرية في علاقتها بالسلطة الحاكمة لا يمكن فصله عن إلغاء مسار الانتخابات التشريعية لسنة 1992، وما أفرزته تلك الأحداث من تداعيات خطيرة”، وفصولها مازالت قائمة على الدولة والمجتمع، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن مستقبل تلك الأحزاب ومستقبل الديمقراطية التي أصبحت بيد النظام الحاكم، وما إن كانت تعبر عن تطلعات الشعب الجزائري أو أنها فقط تعطي الشرعية للنظام.
الخطاب السياسي للأحزاب الجزائرية يكشف عن خلل في فهم واستيعاب الديمقراطية لدى هذه التنظيمات السياسية، وخلل في التعاطي معها نظريا وممارسة”، مشيرا إلى أن “التماهي مع السلطة والنظام الحاكم أصبح ضرورة ملحة لدى هذه الأحزاب، وذلك في كل القضايا، ومنها الانخراط في مسلسل العداء للمغرب، في صور مقيتة، تكشف عن التدجين الذي تعرضت له”.
إخفاقات النظام الجزائري المتتالية على المستوى الدبلوماسي جعلته يقحم الأحزاب السياسية في قضايا لا تعتبر مصيرية للشعب الجزائري، كقضية البوليساريو، في وقت يعاني المواطن الجزائري من استنزاف جزء كبير من ميزانية دولته لصالح هذا الكيان الوهمي والزائف”، وهذا النشاط التضامني كان حريا بهذه الأحزاب تنظيمه نصرة للشعب الفلسطيني عبر تنظيم مسيرات مليونية نصرة للقضية الفلسطينية العادلة التي حول عدالتها إجماع دولي”.
النظام الجزائري اليوم يلعب لعبة التواري خلف الأحزاب السياسية والزج بها، وتوظيفها في قضية العداء للمغرب، وهذا الأمر وإن كان يخدم مصالحه من ناحية فإنه يضر بصورة هذه الأحزاب السياسية أمام الشعب الجزائري من ناحية أخرى.
الجزائر لم تعرف يوما حياة سياسية بمعناها المتعارف عليه، إذ يحكم الجيش من خلال نظام الحزب الوحيد منذ عهد بومدين، ومن خلال أحزاب طبخت في صالونات الجنرالات والمقار السرية للمخابرات الجزائرية، حيث أصبحت عبارة عن أحجار دومينو تلعب بها أذرع النظام لعبتها المفضلة.
انخراط الأحزاب الجزائرية في مهمات قذرة تتعلق بتجييش الشعب الجزائري الشقيق وتضليله لاتخاذ مواقف معادية للمغرب هو نتيجة لفساد الحياة السياسية الجزائرية، وتنامي المصالح المرتبطة بتغول أجنحة الحكم وصراعها حول السلطة”، و أن “تيمة العداء للمغرب أصبحت بالنسبة للأحزاب والنخب السياسية الجزائرية وسيلة للتقرب من الدوائر العليا للنظام”، وموضحا أن “استخدام الأحزاب في هذا التوقيت من طرف النظام هو محاولة لتوريط الرأي العام الجزائري وإيهام المجتمع الدولي بإجماع الشعب الجزائري على دعم اختيارات نظامه.
النظام الجزائري استطاع مع الأسف بعقليته البومدينية المُتهالكة أن ينتج نخبة سياسية فاسدة تطبل لإنجازات وهمية، وتتآمر يوميا مع جنرالات الدم لتبديد ونهب ثروات الشعب الجزائري من خلال بناء منظومة مصالح فاسدة تستغل علاقاتها المشبوهة لخدمة أجندات تهدد الاستقرار الإقليمي؛ إذ تخلت هذه النخب والأحزاب عن أدوارها الحقيقية وانخرطت في إعادة إنتاج المشاهد السياسية نفسها التي ثار الجزائريون من أجل القطع معها.