“أنا فجيجية أصيلة..من الجذر للنخلة، أنا بنت الحايك وبنت بنات الحايك” بهذه الكلمات تشرع حورية هقة، وهي سيدة في عقدها السادس، في الحديث عن المسيرة الاحتجاجية النسائية التي جابت اليوم شوارع فجيج، إحتجاجا على قرار الجماعة الانضمام إلى مجموعة الجماعات “الشرق للتوزيع”.
وكان مجلس فجيج قد قرر في دورة استثنائية نهاية نونبر الماضي، الانضمام للمجموعة التي ستفوض تدبير قطاع الماء والتطهير السائل، للشركة الجهوية التي يرتقب أن تتأسس وفق القانون الجديد المتعلق بالشركات الجهوية المتعددة الخدمات، ما أشعل موجة احتجاجات في المنطقة.
الاستثناء فجيجي
الانخراط النسوي في الدينامية الاحتجاجية التي تعرفها المدينة، منذ نحو 90 يوما، ليست وليدة مسيرة اليوم، بل كان واضحا منذ الوهلة الأولى. و بالرغم من التفسيرات التي يقدمها بعض المحتجين من كون ذلك راجع إلى اختلال البنية السكانية نتيجة هجرة الذكور للعمل خارج الواحة في ظل انعدام فرص العمل، إلا أن آخرين يؤكدون أن تنامي الوعي لدى المرأة الفجيجية يساهم بشكل جلي في فعلها وتحركها الميداني في هذا الملف، وفي ملفات سابقة كما كان الأمر في احتجاجات “العرجة”.
مسيرة اليوم، كانت مختلفة تماما على الاحتجاجات السابقة، لقد التقت حورية والمئات من النسوة الأخريات أمام مقر الجماعة والباشوية، وهن يرتدين الزي التقليدي الأبيض “الحايك”، وهو زي لازال يحافظ على مكانته في المجتمع الفجيجي المتشبث بعاداته وتقاليده الضاربة في التاريخ.
انطلقت المسيرة وجابت أهم شوارع المدينة، حيث رددت النساء شعارات قوية من قبيل “يا جلالة الملك فجيج تناديك”، وشعار “حتجي حتجي يا لمرا القضية راهي مرة”، وشعار “يا صاحب الجلالة واش عجباك هاد الحالة”.
وقالت هقة في تصريح لـ”صوت المغرب”، إن الحايك بالنسبة للمرأة الفجيجية، هو لباسها التقليدي الأصلي، والاحتجاج به هو تعبير عن التشبث بالأصل ومياه فجيج هي جزء من هذا الأصل الذي وجدت الواحة من أجله.
وهو في نفس الوقت حسب هقة رسالة “سلام” للمسؤولين، الذين يأملون فيهم الحفاظ على حقوق الساكنة، و تفهم رسالتها الرافضة لدخول الشركة لمجال تدبير الماء بالواحة، “لأن فكيك ليس لها شيئ غير الماء، وأجدادنا خاضوا معركة الماء وناضلوا وقلتلوا من أجل أن يتحرر الماء” على حد تعبير نفس المتحدثة التي تواظب على حضور احتجاجات الساكنة مرتين في الأسبوع، يومي الثلاثاء والجمعة.
سيدة الماء
بالنسبة لكريمة دبشي، رئيسة الفرع المحلي للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، و واحدة من المشاركات في الاحتجاجات التي تعرفها الواحة منذ نحو 3 أشهر، فإن قرار تفويت قطاع الماء، في إشارة منها لانضمام الجماعة لمجموعة الجماعات الشرق للتوزيع، هو قرار مرر ضد رغبة الساكنة التي رفضت بقوة هذا التمرير، بالرغم من أن المجلس نفسه كان رافضا في البداية، قبل أن يتراجع بأغلبية 9 أعضاء مقابل 8 عن قرار الرفض.
هذا التحول بالضبط حسب دبشي، أكثر ما أغضب الساكنة، ودفع بنساء فجيج للاحتجاج بهذه القوة التي نشهدها اليوم.
وأضافت أن ما حصل هو بمثابة إقصاء وتهميش وتهجير ممنهج، على اعتبار أن الماء هو عمودها الفقري وأساس قيام الواحة وما تزخر به “شادنا هنا غي الماء” تقول دبشي.
واعتبرت انخراط النساء بقوة في هذه “المعركة”، على اعتبار أن المرأة حكيمة في تدبير الماء بمعنى تعرف قيمته “هي سيدة الماء إن شئنا القول” تقول الناشطة الحقوقية.
وعلاقة بطريقة الاحتجاج المختلفة اليوم، أكدت دبشي الحايك هو رمز مدينة فجيج ومعروفة به منذ القدم، على غرار ما هو معروف في باقي الواحات.
والحايك الأبيض بالخصوص الذي تُعرف به هذه الواحة التي تقع 400 كلم جنوب وجدة، يرمز إلى التجذر في الأرض، و إلى السلام في نفس الوقت، أي أن “مسيراتنا سلمية نطالب فيها بحقوقنا التي هي أصل ثباتنا هنا و باعتبرنا نساء فالمرأة هي المدبرة الأولى للماء”.
دورة استثنائية
حورية هقة التي تسعفها ذاكرتها القوية، تؤكد أنه طوال العقود الماضية، في زمن المجالس السابقة، حاول المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، تولي مهام تدبير الماء في الواحة، لكن كانت هذه الرغبة دائما ما تواجه بالرفض من قبل الرؤساء السابقين.
وطالبت في هذا السياق مجلس المدينة بمراجعة هذا القرار، هذه المراجعة التي ستتم وفق المحتجات عن طريق عقد دورة استثنائية وإعلان الانسحاب من مجموعة الجماعات الشرق للتوزيع.
لكن مطلب الدورة الاستثنائية يواجه برفض من المجلس، إذ سبق لأحد أعضاء المجلس ان طالب بإدراج نقطة الانسحاب من المجموعة في دورة استثنائية، غير أن رئيس المجلس رفض ذلك على اعتبار أن المجلس سبق وأن جسم في الموضوع بشكل ديمقراطي وليس هناك ما يستدعي عقد دورة استثنائية أخرى.
كما سبق للمجلس أن أكد في توضيح موجه للعموم، أن القرار الذي اتخذه المجلس يعني فقط الانضمام لمجموعة الجماعات وليس كما يروج تفويت قطاع الماء لشركة خاصة.
وأبرز أن التدبير الجديد في اطار العقود التي ستبرم مع الشركات الجهوية المتعددة الخدمات، محددة بالقاون المتعلق بهذه الشركات، ومن شأن ذلك أن يعالج الاختلالات التي يعرفها قطاع الماء في الواحة.