رئيس التحرير
قال الفاعل الحقوقي شكيب الخياري إن محاولات استعمال الريف من طرف حكام الجزائر بتحالف مع بارون المخدرات سعيد شعو المطلوب لدى العدالة لمضايقة المغرب، لن تؤتي النتائج المتوهمة، لأن الريف حسم موقفه تاريخيا ونهائيا.
وأضاف الخياري، ضمن مقال بعنوان “وهم انفصال الريف لدى حكام الجزائر”، أن هذا الدعم يؤكد انخراط حكام الجزائر في خلق ودعم حركات الانفصال والتحريض على العنف في سبيل تقويض الاستقرار في المنطقة بالمناولة، مبرزا أن موقف مالي الأخير من الجزائر خير دليل على ذلك.
وهذا نص المقال
نشرت الجريدة “الشروق” الموالية للنظام الجزائري، بتاريخ 17 يوليوز 2021، مقالا بعنوان “طعنة خنجر جديدة للمخزن المغربي في ظهر الجزائر”، جاء فيه وعيد بإحياء النقاش حول جمهورية الريف، الذي جاء فيه “محاولة الرباط الترويج لمشروع انفصالي في الجزائر قد تعصف أولا بحدود المملكة المغربية المعترف بها دوليا وتحيي مشروع جمهورية الريف الذي أسسه عبد الكريم الخطابي تحت تسمية الجمهورية الاتحادية لقبائل الريف”.
بعد ثلاثة أشهر واثني عشر يوما من نشر هذا المقال، قامت ثلة من الأشخاص المتحدرين من منطقة الريف والمقيمين في أوروبا، في 8 نونبر 2021، بالتصريح بتأسيس “الحزب الوطني الريفي” لدى السلطات الفرنسية في مقاطعة سان جيرمان أون لاي، الذي يهدف أساسا، حسب ميثاقه الأساسي، إلى العمل من أجل الاعتراف بالحقوق الأساسية لشعب الريف في أرضه التاريخية وتوعية وإعلام الرأي العام والسلطات العامة في أوروبا بشأن ذلك.
لقد جاء تأسيس هذا الحزب شهرين ونصف بعد إعلان الجزائر عن قطع علاقاتها بالمغرب في 24 غشت 2021. وكان في 10 شتنبر 2021، أي 17 يوما قبل التأسيس، قد استنجد أحد قيادات ومؤسسي هذا الحزب بحكام الجزائر، عبر يوتيوب، من أجل مساندة الريفيين للحصول على استقلال الريف عن المغرب، وهي المناشدة التي تم بثها على نطاق واسع عبر الإعلام الإلكتروني في الجزائر.
إن وقوف حكام الجزائر وراء تأسيس ودعم هذا الحزب لم يعد خافيا، وإمعانا في ذلك تم من حينها فتح المجال الإعلامي الجزائري الرسمي من أجل إذاعة تصريحات هذه الثلة الحزبية في المهجر للدعوة إلى انفصال الريف، بل وحتى للتعبير عن دعمها لما أسمته “استقلال الصحراء الغربية”.
وقد وصل هذا التحريض حد إحياء حكام الجزائر رسميا، لأول مرة في تاريخ البلد، في 6 فبراير 2023، الذكرى 60 لوفاة الأمير الخطابي والذكرى 100 لتأسيس جمهورية الريف في سياق مهاجمة المغرب، في استغلال مقيت لرمزية الأمير الخطابي وللمقاومة التي كان يقودها.
كما أن هذه الزمرة الحاكمة نسجت علاقة لهذه الثلة بحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وهو الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا، الذي استقبل ممثلين عنهم داخل قبة البرلمان الجنوب إفريقي في 2 نونبر 2023 باعتبارهم مواطنين من “جمهورية الريف”، وفق وصف النائب البرلماني منظور شيخ إمام أثناء انعقاد جلسة برلمانية، حيث أقدم الحزب الحاكم على ترتيب لقاءات لهم مع أحزاب أخرى.
غير أن هذا الحزب وإن كان هدفه الأساسي المعبر عنه في ميثاقه التأسيسي سلميا، إلا أن وسائل العمل على تحقيقه غير ذلك تماما، فقد صرح مؤسسوه عبر الإعلام بأنهم يسعون إلى العمل المسلح من أجل تحقيق أهدافهم، حيث جاء في تصريحات إعلامية لمسؤول في التنظيم: “إنه نداء عاجل نوجهه إلى حكام الجزائر الكبرى. نريد من حكام الجزائر أن تفتح لنا مراكز التدريب حتى نتمكن من تعلم كيفية استخدام الأسلحة”، وهو ما يعني أن هذا الحزب يخالف التشريع الفرنسي الذي لا يسمح بتأسيس تنظيمات مسلحة.
إن تأسيس هذا الحزب جاء كاستمرارية وكواجهة لتحركات تاجر المخدرات سعيد شعو المشتبه فيه قضائيا بالمشاركة في القتل والتعذيب في إطار نشاطه في مجال الاتجار غير المشروع بالمخدرات، وهو الذي كان أول من أسس سنة 2014 تنظيما يدعو إلى انفصال الريف رفقة زمرة من الأشخاص الذين انفض جلهم من حوله، ويتعلق الأمر بالجمعية المسماة “حركة 18 شتنبر”، حيث لم يجد بدا من استغلال من تبقوا معه إلى جانب آخرين جدد عبر دفعهم لتأسيس هذا الحزب وربط علاقات بحكام الجزائر والسعي الحثيث نحو خلق مليشيات مسلحة، انتقاما من استمرار فتح ملفه القضائي في المغرب.
والدعوة إلى استخدام العنف المسلح للدفاع عن انفصال الريف سبق أن عبر عنها سعيد شعو على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بتاريخ 17 نونبر 2014، إذ كتب: “العنف يصبح أيضا ضرورة تاريخية، خاصة عندما يرتبط بشرعية التحرر الوطني الذي يعد هدفا نبيلا، وعملا مشروعا. فعندما تغلق المسالك السلمية والفعالة أمام رغبة التغيير، يظل العنف السياسي أحد الأساليب، بل ربما الأسلوب الوحيد للتغيير السياسي والاجتماعي. أما الجمعية الحقوقية فمن حقها الاحتفاظ بسلميتها وقواعدها وتكتيكاتها النضالية، لكن لا يمكن اعتبارها نموذجا للمقاومة السلمية أو الشعبية. أرى شخصيا أن العنف السياسي الواعي والمنظم، أكثر فاعلية من المقاومة السلمية التي سرعان ما تذوب في المنظومة العامة. وفي هذا الإطار يمكن فهم التحولات الثورية الكبرى في تاريخ الإنسانية، التي لم تكن لتحدث لولا وجود درجة من العنف المنظم والهادف”.
إن حكام الجزائر اختاروا التحالف مع بارون مخدرات بارز في هولندا ودعم مشروعه الدموي في المغرب، وهو الذي يجاهر بإيمانه بالقتل وسيلة لتحقيق أهدافه، بل ومشتبه فيه فعلا بارتكاب جريمة قتل مع التعذيب، كل ذاك ضدا على القيم التي تجمع الشعبين المغربي والجزائري.
لقد تناست ثلة الانفصال ومن وراءها من حكام الجزائر أن فكرة الانفصال لم تجد لها عبر التاريخ مكانا في الريف. ولعلهم لم ينتبهوا إلى أن الريفيين في الحسيمة، على وجه الخصوص، قد رفعوا في 18 ماي 2017، في عز ما عرف بـ”حراك الريف” وفي أعلى قمة جبلية في مدينة الحسيمة، لافتة عملاقة كتب عليها شعار “لسنا انفصاليين”، وهو عنوان أكبر مسيرة نظمت آنذاك، شارك فيها، بحسب المنظمين، حوالي 40 ألفا من ساكنة المدينة.
كما أن هؤلاء لم يستوعبوا فكر الأمير الخطابي ولا الغاية من إنشاء جمهورية الريف، ولا يعرفون بتاتا أن الحديث عن جمهورية الريف لا يشكل عقدة لدى الدولة، فقد جاء في التقرير الذي أنجزته وكالة تنمية أقاليم الشمال، وهي مؤسسة عمومية مغربية، ومكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة سنة 2003 حول إنتاج القنب الهندي بالمغرب ما يلي: “وخلال الخمس سنوات التي أقام فيها عبد الكريم دولة مستقلة بمنطقة الريف (1912-1921)، انخفض إنتاج القنب الهندي بشكل كبير تحت تأثير هذا القائد الأمازيغي الذي كان يرى أن إنتاج القنب الهندي يناقض تعاليم القرآن. وبعد هزيمة القائد الثائر، وافقت السلطات الإسبانية على زراعة القنب الهندي حول النواة الأصلية لكتامة، وذلك رغبة منها في استمالة القبائل الواقعة داخل الحسيمة”.
إن الأمير الخطابي سبق أن صرح بنفسه عن الغاية من تأسيس دولة الريف المستقلة، حيث جاء في حوار له مع المجلة المصرية “آخر ساعة” بتاريخ 24 أبريل 1957 ما يلي: “كنت على يقين بأن أي خلاف بيني وبين السلطان لن يستفيد منه إلا الأجنبي الغاصب. فأرسلت له رسولا خاصا يؤكد له أن ثورتنا لا تهدف إلا لطرد هذا الأجنبي من بلادنا. كان الرسول هو نسيبي، واسمه بوجيبار (…) وبعثت مع الرسول هدية إلى السلطان يوسف عبارة عن فرس عربي أصيل وهدايا أخرى كثيرة، وذهب الرسول، لكن الفرنسيين تربصوا له حتى أمسكوا به قل أن يصل إلى السلطان، ثم أعادوه إلى خطوطنا ومعه الفرس والهدايا”.
وبحسب محمد أزرقان، وزير خارجية حكومة الريف، في مذكراته “الظل الوريف في محاربة الريف” التي كتبت سنة 1926، فإن الأمير الخطابي خاطب من بايعوه أميرا على الريف بقوله: “وفي نيتي أن أكتب أيضا للسلطان مولانا يوسف، أوجه إليه هدية على قدر الحال، ليتحقق بأننا منقادون لأوامره التي يقضي الدين علينا بطاعته فيها، خصوصا حيث بلغه مبايعتكم لنا، فيظن أننا خارجون عن الطاعة، وبالكتاب إليه ينجلي هذا الوهم عن الحضرة الشريفة”.
في الختام، يتضح أن محاولات استعمال الريف لمضايقة المغرب من طرف حكام الجزائر بتحالف مع بارون مخدرات مطلوب لدى العدالة، لن تؤتي النتائج المتوهمة، لأن الريف حسم موقفه تاريخيا ونهائيا، لكنها في المقابل، تؤكد انخراط حكام الجزائر في خلق ودعم حركات الانفصال والتحريض على العنف في سبيل تقويض الاستقرار في المنطقة بالمناولة، ولعل موقف مالي الأخير من الجزائر لخير دليل على ذلك.