رئيس التحرير
أثمر احتلال البعد الإفريقي مكانة متميزة في السياسة الخارجية للمملكة المغربية، اكتساب المغرب سمعة جيدة على صعيد القارة. ولم يقتصر هذا الأمر على القادة والسياسيين، بل امتد إلى الشعوب التي تلمس عن قرب أن المغرب أصبح حاضرا بقوة في معيشها اليومي.
ويتضح أنه من الطبيعي جدا أن تبقى العلاقات بين المغرب وبلدان كثيرة في القارة جيدة ومتواصلة رغم تغيير الأنظمة، ومن نتائج ذلك فشل محاولات خصوم الوحدة الترابية، إذ توهمت الجزائر وصنيعتها « البوليساريو » أن تغيير الأنظمة في بعض دول القارة يمكن أن يكسبهما مناصرين جدد لكنهما لم يجنيا شيئا.
وتؤكد المحاولات التي باءت بالفشل أن معاداة المغرب كانت وراء الغشاوة الواضحة للخصوم الذين لم يستوعبوا التحولات التي شهدتها إفريقيا، وأن الأمر يرتبط أساسا بسياسات الدول تجاه علاقاتها، إذ تراعى مصالح الشعوب، والاقتصادات الوطنية.
ويعود الفضل في ما سبق الإشارة إليه الجيو – استراتيجية التي يتبناها المغرب في الألفية الحالية تجاه إفريقيا، والمرتكزة أساسا على التعاون في إطار جنوب ـ جنوب والتضامن تندرج في إطار التعاون جنوب – جنوب، وترتكز على مبادئ التضامن ومراعاة المصلحة المشتركة.
ويبقى الالتزام الإفريقي للمغرب والتضامن حاضرا باستمرار، وهو خير شاهد على صدق النوايا، والرغبة الجامحة في المواجهة المشتركة للتحديات التي تعترض مسار القارة.
ويعد المغرب علامة مميزة في القارة الإفريقية، إذ يرتبط انطلاقا من الألفية الحالية مع الأشقاء بما يناهز ألف اتفاقية، جرى تعزيزها بالجولات الإفريقية للملك محمد السادس، التي تميزت بالتنويع، على أساس التنمية المشتركة، وهذا من بين العوامل التي تقف وراء استدامة العلاقة بين المغرب وقادة وشعوب القارة الإفريقية.
يرى خالد الشيات، الباحث والأكاديمي، وأستاذ القانون الدولي في جامعة محمد الأول بوجدة أن المغرب وضع « سياسته الإفريقية في سياق يهم جانبين، أولا: الخصوصية الإفريقية، وخصوصية الأنظمة والمجتمعات والهيئات والفئات وكل المكونات الاجتماعية والثقافية الحضارية الإفريقية، والسياسية أيضا.
ثانيا: احترام الجانب المرتبط بمجالات ذات طبيعة جيوسياسية أو دولية باعتبار أن المغرب فاعل يتدخل في إفريقيا لاعتبارات مرتبطة بسياقات جيوسياسية دولية، إذ هناك قوى فاعلة مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية إلى غير ذلك.
وفي إطار الخاصيتين سالفتي الذكر وضع المغرب سياسة ناجعة تقوم على ما هو اقتصادي، وما هو نفعي، وما هو مصلحي، أي تبادل المصالح مع هذه الدول، التي لديها مقومات كبيرة جدا في إطار الندية والاحترام، والمشاريع ذات طبيعة تدخل في هذا الفضاء الحضاري، الذي ينتمي إليه المغرب وهو القارة الإفريقية ».
وأوضح الشيات أنه “في عموم ما نسجه المغرب مع الدول الإفريقية يحترم الخصوصيات، والتغييرات السياسية التي تقع في هذه الدول، فإفريقيا أصلا هي قارة التغييرات المفاجئة، غير المنضبطة للقيم الدستورية الانتقالية الديمقراطية، إذ غالبا ما تحدث انقلابات، وبالتالي فهذا المعطى حاضر في نسج هذه السياسة ووضعها”.
وأكد الأستاذ الجامعة أن الأنظمة السياسية تأتي مضغوطة بهواجس ذات طبيعية تنموية، والمغرب يقدم هذه الحلول للدول، وإن كانت أنظمتها في أي اتجاه. هذا هو الأمر يراعيه المغرب، كما يراعي المشاريع المندمجة التي تدمج مجموعة من الدول الإفريقية في مشاريع متكاملة لأن التكامل يؤدي إلى السلم والتعاون بين هذه الدول كما الحال بالنسبة لمشروع أنبوب الغاز الرابط نجيريا والمغرب في اتجاه أوروبا الذي سيمر عبر مجموعة من الدول الإفريقية، وسيساهم في تنمية تلك الدول طاقيا، وما يستتبع ذلك على المستوى الفلاحي والمستويات المنعكسة على الجانب الاجتماعي والتنموي الإنساني الذي يحد من ظواهر أخرى كالتطرف العنيف والتغيرات المناخية وغيرها من التحديات التي تواجهها إفريقي.
هذه السياسة تقوم على هذا الأساس، وأعتقد أن هناك تحديات مع التحولات الكثيرة التي تحدث بسبب الانقلابات قاريا يبدو أن لها نزعة إفريقية خالصة، وتجد أسسها فكريا ونظريا في تصورات مجموعة من المفكرين الذين يرون أن إفريقيا يجب أن تكون للأفارقة، وليس لغيرهم وبالتالي هذا الأمر إيجابي بالنسبة للمغرب ويتطلب الانخراط أيضا على المستوى الثقافي والإنساني والاجتماعي مع الفضاء الإفريقي لترسيخ فكرة دولة تنتمي إلى القارة الإفريقية، وليس دولة تتعامل على المستوى المصلحي مع هذه القارة، والنجاح يرتبط بالمقومات التي ذكرتها ».