تميزت قمة الاتحاد الإفريقي السابعة والثلاثين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، برئاسة المغرب لمجلس السلم والأمن، لشهر فبراير، تقديم المملكة باسم الدول الأعضاء في المجلس، للتقرير المتعلق بوضعية السلم والأمن في إفريقيا (يناير-دجنبر 2023)، وبنهاية مناقشة القضية الوطنية وأسطوانة ومزاعم جبهة البوليساريو في القمة القارية، بعدما تجاهلت رئاسة الاتحاد الإفريقي الموضوع في بداية المؤتمر وفي نهايته.
نجح المغرب في اقتحام دواليب الاتحاد الإفريقي وقلعته من خلال سياسة “جنوب-جنوب” التي شكلت خارطة طريق المملكة وفق رؤية ملكية بعيدة المدى منذ عشر سنوات، والتي مكنت المغرب اليوم من تقلد مكانته التي يستحق داخل منظمة الاتحاد الإفريقي وبين بلدان جنوب القارة، التي راجعت مواقفها بخصوص قضية الصحراء المغربية وقررت المضي في تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع المغرب، الذي فتح أبوابه لجميع الحكومات الإفريقية، الشيء الذي جعل القضية المغربية الأولى لم تعد مطروحة على جدول أعمال الاتحاد الإفريقي، لاسيما خلال هذه الدورة 37 التي لم تتضمن تقاريرها أي إشارة أو إحالة حول قضية الصحراء المغربية.
وشكلت القمة القارية مناسبة مهمة بالنسبة للمغرب من أجل إعادة طرح المبادرات الاستراتيجية المهمة، التي أعلن عنها الملك محمد السادس خلال خطاباته الأخيرة، والتي تعزز سياسة “جنوب-جنوب” والمنفتحة على جميع بلدان القارة للوصول إلى الواجهة الأطلسية الإفريقية وتحويل الشريط الأطلسي إلى فضاء اقتصادي وتجاري، وجسر لبلدان الساحل والصحراء لتحقيق التنمية والاستقرار ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها هذه الدول.
وتميزت هذه القمة برئاسة المغرب لمجلس السلم والأمن لشهر فبراير، بتقديم المملكة باسم الدول الأعضاء في المجلس للتقرير المتعلق بوضعية السلم والأمن في إفريقيا (يناير-دجنبر 2023)، الذي يشير إلى “نداء طنجة”، الذي يدعو إلى طرد ما يسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، حيث شكل صدمة كبيرة بالنسبة لقيادة جبهة البوليساريو التي حضرت للقمة، الأمر الذي أكده ناصر بوريطة للإعلاميين، عندما صرح بأنه “بعد اعتماد القرار رقم 693 المتعلق بقضية الصحراء المغربية، بالإجماع خلال قمة نواكشوط عام 2018، لم تعد قضية الصحراء المغربية مطروحة للنقاش داخل الاتحاد الإفريقي، أي أنها لم تعد مدرجة على جدول الأعمال”.
وأسفرت القمة الإفريقية المنتهية، عن تولي موريتانيا رئاسة الاتحاد الإفريقي لمدة سنة واحدة، والتي يعتبرها المغرب دولة قريبة وحليفة، نظرا لدورها الإيجابي في خلق الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، بالإضافة إلى كونها جسرا للتواصل بين المغرب وعمقه الإفريقي، الشيء الذي جعل المغرب يدعم ترشح دولة موريتانيا لرئاسة هذه الولاية نظرا لانخراطها الإيجابي في العديد من المبادرات التي أطلقها المغرب، سواء المتعلقة بأنبوب الغاز الإفريقي من نيجيريا إلى المغرب، أو الانفتاح على المحيط الأطلسي.
وقد جاء دعم ومساندة المغرب لجمهورية موريتانيا بناء على العلاقات التاريخية بين البلدين، وحسن الجوار، ودينامية العلاقات الدبلوماسية والسياسية والزيارات المتبادلة بين المسؤولين، إلى جانب رغبة هذه الدولة المغاربية في تأكيد حضورها على الصعيد الإفريقي وإشراكها في حل مختلف النزاعات والأزمات التي تعرفها بعض بلدان القارة، والابتعاد عن سياسة الاستقطاب والمحاور التي تنهجها جنوب إفريقيا والجزائر لتقسيم بلدان القارة، وزرع التفرقة وتأجيج الصراعات، خاصة في منطقة الساحل والصحراء.
إلى جانب رئاسة موريتانيا لمنظمة الاتحاد الإفريقي، فقد حملت القمة مؤشرات إيجابية بالنسبة للمغرب، بعد حصول دولة جزر القمر على مقعد المقرر للاتحاد، والكونغو الديمقراطية التي فتحت قنصلية في مدينة الداخلة، كنائب ثاني، إلى جانب دولتي أنغولا وغانا اللتان تربطهما علاقات دبلوماسية وسياسية مع المغرب، ومواقفهما ليست سلبية بخصوص القضية الوطنية، إلا أن قرار الاتحاد الإفريقي في الدورة الحادية والثلاثين جعل ملف الصحراء من اختصاص الأمم المتحدة فقط.
وعقب ذلك، صرح وزير الخارجية ناصر بوريطة، بأن المغرب قدم العديد من المبادرات الاستراتيجية الهامة، من أبرزها المبادرة الملكية حول الواجهة الأطلسية الإفريقية، الرامية إلى تحويل هذا الفضاء إلى فرصة للتنمية والأمن والاستقرار بالقارة الإفريقية، وتعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، والتي توفر استجابة للتحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها منطقة الساحل، وأضاف أن هذه المبادرة الملكية، التي تهم 23 دولة إفريقية مطلة على المحيط الأطلسي، تهدف إلى جعل هذه المنطقة فضاء للتعاون والتنسيق والتنمية، حيث يقدم الملك محمد السادس – من خلال هذه المبادرة – إجابة في إطار التضامن والرؤية المتفائلة لمشاكل القارة، وفي إطار إعادة منطقة الساحل إلى وضعها الطبيعي كهمزة وصل بين شمال وجنوب وشرق وغرب إفريقيا، وشدد على أن هذه المبادرات تكتسي أهمية بالغة من أجل خلق فضاء جديد في القارة، والخروج من منطق المشاكل والتشاؤم إلى منطق البناء في إطار واقعي وعقلاني يعترف بأن هناك تحديات لا يمكن الاستجابة لها دائما عبر حلول عسكرية وأمنية أو إقصائية، وإنما عبر حلول إيجابية من خلال مبادرات شاملة.
وتابع بوريطة حديثه، بأن القمة الإفريقية شكلت مناسبة لعرض هذه المبادرات الملكية والتأكيد على المبادرات الأخرى التي قدمها الملك محمد السادس، مشيرا في هذا الصدد إلى أن تقرير مفوضية الاتحاد الإفريقي استشهد بتقرير الملك بصفته رائد الاتحاد الإفريقي للهجرة، كما تم خلال هذه الدورة تسليط الضوء على مبادرة المغرب في مجال الأمن الصحي والغذائي من خلال مبادرة “تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية”، التي تم تقديمها على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي “كوب 22” بمدينة مراكش، علاوة على لجان المناخ الثلاثة التي تم إحداثها بمبادرة من الملك لمكافحة أثار تغير المناخ في منطقة الساحل وحوض الكونغو والدول الإفريقية الجزرية.
وبخصوص فلسطين، قال بوريطة أن المملكة المغربية تضع القضية الفلسطينية والقدس الشريف في صدارة انشغالاتها، وتجدد التأكيد على موقفها الثابت والواضح، بقيادة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، في دعم ومناصرة القضية الفلسطينية، وتشبثها بتسوية سلمية قائمة على حل الدولتين من أجل إرساء سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط.
وحسب محللين في الشأن السياسي، فإن التشكيلة الجديدة لرئاسة الاتحاد الإفريقي بقيادة موريتانيا والدول الصديقة، ستنعكس إيجابا على قضية الصحراء المغربية وستخدم مبادرات المملكة وسياسة التقارب مع بلدان الجنوب، بعد القطع مع سياسة المقعد الفارغ منذ سنة 2017، مما مكن المغرب من تبوأ مكانة مهمة في منظمة الاتحاد الإفريقي، بعد وصوله إلى رئاسة مجلس الأمن والسلم الإفريقي في فبراير الجاري، الذي كان مصدر قلق بالنسبة للمغرب في السنوات الماضية، بسبب تحكم جنوب إفريقيا والجزائر في قراراته السابقة.
في هذا الصدد، يؤكد المحلل السياسي محمد بودن، أن الرؤية الملكية ترسم اتجاها طموحا ومبتكرا للفضاء الأطلسي، وتؤسس لدعائم الازدهار المشترك في الواجهة الأطلسية للقارة الإفريقية وجعلها فضاء للشراكة من أجل التقدم والسلام لمصاحبة مختلف الديناميات الجديدة من منطلق أن 46 في المائة من سكان القارة يتواجدون في البلدان المطلة على الواجهة الأطلسية، مضيفا أن الرؤية الملكية تتضمن قراءة جيواستراتيجية عميقة لمقومات ونقاط قوة الواجهة الأطلسية باعتبارها بوابة المغرب نحو إفريقيا ونافذة انفتاحه على الفضاء الأمريكي الطموح، والأساسي هو جعلها تتبوأ مكانتها كفضاء للتواصل الإنساني والتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري.
وأضاف نفس المتحدث، أن التوجه الأطلسي للمملكة المغربية ينسجم مع القناعات الجوهرية في نطاق التعاون “جنوب-جنوب” الذي يعتبر نهجا ثابتا في الرؤية المغربية من منطلق الالتزام والتضامن المغربي تجاه العمق الإفريقي الذي تجسد في إبراز الملك محمد السادس لأهمية تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي.
وكانت القمة القارية محطة مهمة لدعم القضية الفلسطينية منددة بالأعمال الإسرائيلية الوحشية ضد سكان قطاع غزة، حيث طالبت – في بيانها الختامي – بإجراء تحقيق دولي مستقل بشأن استخدام إسرائيل لأسلحة محظورة دوليا في حربها على غزة، وفي انتهاكها للقانون الدولي الإنساني باستهداف المستشفيات، والمراكز الطبية، والمؤسسات الإعلامية، كما طالبت برفع الحصار الجائر المفروض على القطاع.
وعرفت القمة الإفريقية تدشين نافورة تقليدية مهداة من المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي، والتي تعكس التراث المغربي الأصيل كمكون أساسي للموروث الإفريقي بشكل عام.