بعيدا عن تهافت التحركات الانفعالية البغيضة للحكومة الجزائرية اتجاه المغرب ( وليس ضده، لآنها ليست في مستواه) ، تكشف التطورات الديبلوماسية المرتبطة بنزع الملكية لعقارات السفارة بالرباط، عن فراغ مهول في تدبير الدولة الجارة لقضايا في هذا الباب وتظهر بالموازي لخبطة كبيرين في أعلى هرم الدولة الجزائرية وعدم استقرار مؤسساتي.
أولا نرى أن اللخبطة، تكشف عن نفسها من خلال الهوة بين المعلومات الموجودة لدى التمثيلية الجزائرية في الرباط، ومنها المراسلات والاتفاقات بينها وبين السلطات المغربية ذات الاختصاص، وهي اتفاقيات يلزمها درجة عالية من الجد، ومن المفروض أن تكون لدى الخارجية والنظام من ورائها، علما بها. ولهذا ما هو واضح في القصة الحالية، فقد صار متداولا الآن، أن وزارة الخارجية المغربية تقدمت لدى السلطات الجزائرية العام 2022، بطلب لشراء مبنى تابع لها مجاور لمقر الوزارة، على أساس أنه بقي شاغرا منذ تغيير مقر السفارة الجزائرية في الرباط، وذلك في إطار مشروع لتوسعة مكاتب الوزارة.
ولكن يبدو أن هذه التوافقات لم تحضر في ذهن الدولة.. هوووك!
واللخبطة تتمثل كذلك في كون الاجراءات تتم بدون تشنج، وكان بإمكان الجزائر أن ترفضها من الأصل وتحافظ على عقاراتها الأصلية، والتي هي هبات ملكية من لدن الراحل الحسن الثاني. فهل تتحول الهبة الملكية إلى حق يبرر النزعة العدوانية؟ هذا هو السؤال الذي يوضح صورة التخبط بشكل فاقع أكثر!..
ثانيا الفراغ: فإذا كنا نقول بأن الرباط «بعيدة» عن الجزائر وأن احتمال أن تكون البيروقراطية الشهيرة في دولة العسكر قد عطلت وصول اتفاقياتها مع الخارجية المغربية، واردا فماذا نقول عن الحكاية التي تهم السفارة المغربية في الجزائر، والتي كانت موضوع مراسلات بين القنصلية الجزائرية والوزارة المغربية، كما يتضح من وثائق القصة.. وفيها طلب جزائري باستعمال عقارات السفارة المغربية في إطار إعادة تصميم عاصمة الجيران؟.. لا جواب عن حادثة نسيان مثل هذه، اللهم إلا إذا قلنا بأن النظام هووك له ذاكرة واحدة هي الحقد واستفزاز المغرب!
لقد كانت الديبلوماسية المغربية ذكية عندما اختارت نفس الشهر (مارس) الذي توصلت فيه برسالة الديبلوماسية الجزائرية في السنة الماضية، لكي تعلن فيه ( أي مارس) عن مسطرة نزع الملكية عن العقارات التي فقدت أية صفة ديبلوماسية!
إن لما سبق أن قلناه أعلاه عن التخبط والهواية ما يعززه. ولعل أبرز عنصر يمكن الإشارة إليه هو كون هذه الوزارة، مثل العديد من مراكز القرار الجزائري لم تعرف أي استقرار في السلطة مع الرئيس صاحب شعار «القوة الضاربة»!.
فهذه الوزارة لوحدها عرفت ثلاثة رؤوس تولوا أمرها منذ مجيئه، وهو رقم قياسي في تاريخ الحكومات، لا تبرره سوى الأزمات العميقة. ومن عناصر الأزمة، أن تبون ضحى أول الأمر بوزيره فيها صبري بوقادوم بعد فضيحة ابن بطوش، ثم جاء رمطان لعمامرة قبل أن يتم إعفائه وتنصيب أحمد عطاف بدله. ولا يحتاج العارفون إلى التنجيم لكي يتأكدوا بأن هذه الوضعية تبين فراغا ونوعا من الهواية غير المستحبة في العمل الدولي.
غير أن الجزائر كلما واجهتها أزمة أشهرت ورقة المغرب، العدو الخارجي لتبرير تخبطاتها!