المسؤول عن النشر
في موضوع مهم يبرز جانبا من جوانب الأنانية واللاوطنية والصراع بين الإخوة الأعداء في الجزائر أيام الإستعمار الفرنسي. تطرق الأستاذ ھشام السنوسي، الباحث في الشؤون الوطنية و الإقليمية،
لقصة الانقلاب الذي حصلت لأب الوطنية مصالي الحاج، و كيف تمت تصفية المصاليين بشكل مروع.
بدأت حكاية مصالي الحاج، حين أسس حزب شمال افريقيا في 20 يونيو 1926، كان الهدف من تأسيس الحزب في البداية، هو جمع كل القوى الوطنية لمقاومة الإمبريالية الفرنسية و توحيد شمال إفريقيا خلال مؤتمر مناهضة الإمبريالية، الذي عقد في بروكسل سنة 1927، و حضره نخبة من قادة الحركات الوطنية في العالم أمثال نهرو، محمد و هوشي منه، قدّم مصالي الحاج في خطابه بالمؤتمر، مطالب كل من المغرب و الجزائر معاً، بينما تكفّل الشاذلي خير الله بتقديم المطالب التونسية.
كان لخطاب مصالي الحاج في مؤتمر بروكسل، و مطالبته العلنية باستقلال الجزائر ردّ فعلٍ عنيف من السلطات الفرنسية، فقامت باعتقاله في الأوّل من نونبر 1934. وفي سنة 1936، و قدّم الحاكم الفرنسي بالجزائر موريس فيوليت مشروعاً اصلاحياً تحت مسمى مشروع “بلوم فيوليت”، الذي كان يهدف إلى دمج الجزائريين مع فرنسا. ومن أجل دراسة المشروع، اجتمع أقطاب الحركات الوطنية الجزائرية بكل تياراتها في ما يسمى تاريخياً بـ “المؤتمر الإسلامي”، الذي عُقد في يونيو 1936 بزعامة فرحات عباس و محمد صالح بن جلول، فكانت الحركة تسعى من خلاله إلى تحسين شروط الاستعمار و ليس التحرر منه.
و فور عودة مصالي الحاج في 2 يونيو 1936، ألقى خطاباً شعبياً وسط الآلاف من أنصاره في الملعب البلدي بالعاصمة يرفض فيه مشروع بلوم فيوليت. حيث خلّف الخطاب صداً كبيراً في الجزائر و فرنسا، فقامت السلطات الفرنسية بحلّ حزب نجم شمال إفريقيا رسمياً في 26 مارس 1937. بعد شهرين من ذلك، عاد مصالي الحاج مجدداً لتأسيس حزب جديد أطلق عليه اسم “حزب الشعب الجزائري”، كما ظهر لأوّل مرة العلم الجزائري الذي قامت زوجته الفرنسية إيميلي بيسكان بتصميمه : اللون الأبيض يمثل الجزائر و الأخضر يمثل تونس و الاحمر يمثل المغرب و الهلال يمثل الدين الاسلامي و النجمة تمثل الثورة.
استطاع حزب الشعب الجزائري اكتساح الساحة السياسية الجزائرية، فقد انخرط فيه غالبية المناضلين الذين يؤمنون بالاستقلال، و تحوّل الحزب إلى قوة في مواجهة الاحتلال الفرنسي من خلال شعاره “لا للاندماج، نعم للانفصال، نعم للتحرر”. مما أدى إلى تعرّض مصالي الحاج مرات عديدة للاعتقال و السجن، و النفي.
كما عارض مصالي الحاج بشدة مشاركة الجزائريين بالحرب العالمية الثانية إلى جانب فرنسا، الأمر الذي جعل السلطات الفرنسية تنفيه إلى الكونغو سنة 1939، كما قامت بحظر حزب الشعب الجزائري. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، خرجت تظاهرات شعبية سلمية يوم فاتح ماي 1945 في أغلب المدن الجزائرية تندد بالقمع الاستعماري، رافعة الشعار استقلال الجزائر و اطلاق سراح مصالي الحاج. فرد الاستعمار الفرنسي بالرصاص الحي، كان يوم 8 ماي 1945 يوما داميا. و استمر الاستعمار الفرنسي في مواجهة المتظاهرين بالرصاص الحي طيلة شهرين، كانت النتيجة 45 ألف قتيل.
أطلق سراح مصالي الحاج سنة 1946، و في دجنبر من نفس السنة، اجتمعت كوادر حزب الشعب الجزائري، فتقرر إعادة العمل النضالي تحت اسم حركة الانتصار للحريات الديمقراطية مع الحفاظ على حزب الشعب كجناح سياسي سري. انخرط جيلٌ جديدٌ من المناضلين إلى حزب الشعب الذي ظلّ يعمل سرياً، كان أبرزهم المناضلين الذين فجروا ثورة نوفمبر 1954. و في فبراير 1947 تأسس الجناح العسكري “المنظمة الخاصة”، في مارس 1950 اكتشف الاستعمار الفرنسي المنظمة، بفضل الجزائري المدعو رجيمي، الذي أعطى للفرنسيين معلومات ساعدت على تفكيك كل الشبكات في الشرق الجزائري.
قام مصالي الحاج بعد ذلك بإنكار مسؤولية حركة انتصار الحريات الديمقراطية عن المنظمة لحظة انكشاف أمرها، خشية قيام السلطات الفرنسية بحلّ حزبه الأمر الذي أدى إلى انقسام كبير بين المناضلين الجزائريين. حيث طالب جزء منھم بقيادة مركزية أطلق عليه”المركزيون”، و طالب آخرون ببقاء مصالي الحاج قائداً وحيداً للحزب و اصطلح عليهم “المصاليون”.
وفي سنة 1951، سافر مصالي الحاج الى الشرق، للإعداد للكفاح المسلح، بعد ذلك طلب إرسال مناضلين للتكوين في الأكاديميات العسكرية في مصر و العراق، كان من بينهم أحمد بن بلة و الحسين ايت احمد و الخيدر.
بدأت بوادر الحرب بين المصاليين و جبهة التحرير الوطني بعد قرار شباب المنظمة الخاصة، المنشقين عن حركة مصالي الحاج، بقيادة محمد بوضياف و بن بولعيد و ديدوش مراد عدم الاعتماد على مصالي الحاج كقائد في المرحلة، حيث أصبح فيها الكفاح المسلح ضرورة لا مفر منها. فقرر مصالي الحاج عقد مؤتمر لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية في بلجيكا 14-16 يونيو 1954، فصوت المؤتمرون لصالح الثورة و الكفاح المسلح في الجزائر.
ثم انعقد اجتماع ما يسمى 1+21 برئاسة مصطفى بن بولعيد الذين قرروا الكفاح المسلح. وقال محمد بوضياف : لن نترك مصالي الحاج يفجر الثورة، نحن من سيفجرها و لو نسبقه بيوم واحد “.
عقدت مجموعة المنشقين : محمد بوضياف و رابح بطاط و مراد ديدوش و و العربي بن مهيدي و مصطفى بن بولعيد و كريم بلقاسم، آخر اجتماع يوم 23 اكتوبر 1954، فقرروا تفجير الثورة يوم 1 نونبر 1954 في منتصف الليل، و أسسوا جيش التحرير الوطني و جبهة التحرير الوطني.
بعد انطلاق الثورة يوم فاتح نونبر 1954، كتب مصالي رسالة الى مجموعة القاهره “كان عليكم ان تخبرونا عندما فجرتم العمليات المسلحة للأول من نونبر، حتى نأخد احتياطنا” حيث قامت فرنسا باعتقال عدد كبير من المصاليين، وكان بالنسبة للفرنسيين و حتى بالنسبة للجزائريين الظن بأن جبهة التحرير الوطني FLN توجد في القاهرة و ليس في الجزائر ، فساد الإعتقاد بأن المصاليين هم من فجروا الثورة، و أجمعت الصحافة الفرنسية الرسمية على أن مصالي الحاج هو من فجر الثورة. فقام الإستعمار الفرنسي بقتل و اعتقال عشرات المصاليين، و في 5 نونبر قام كذلك بحل حركة انتصار الحريات الديمقراطية.
في دجنبر 1954، أسس مصالي الحاج الحركة الوطنية الجزائرية “MNA” حاولت FLN جلب المناضلين في صفوف “MNA”، و بداية من سنة 1956، بدأت تصفية المصاليين من طرف جبهة التحرير الوطني، أولا في منطقة القبايل.
كان المصاليون يحاربون فرنسا و يحاربون جبهة التحرير الوطني دفاعا عن النفس، و بين 1956 و 1962 خلفت الحرب أكثر من 6 آلاف قتيل و أكثر من 20 ألف جريح، و في فرنسا خلفت الحرب بين الاخوة الأعداء أكثر من 4000 آلاف قتيل جزائري و 12 ألف جريح، و عشرات القتلى الآخرين في بلجيكا وسويسرا.
الحرب الدموية الرهيبة بين الإخوة الأعداء قتل فيها خيرة المناضلين من المصاليين و جبهة التحرير الوطني.
وفي 28 ماي 1957، استفاق العالم على مجزرة ملوزة التي راح ضحيتها 375 قتيل من الموالين لمصالي الحاج، ذبحوا بدم بارد من بينھم من ذبحوا داخل مسجد القرية. و كان المسؤول عن المجزرة محمدي السعيد (قائد الولاية الثالثة)، لأنهم رفضوا الإنضمام الى جبهة التحرير الوطني “FLN”.
بفضل دعم جمال عبد الناصر و الدول الشرقية ل FLN، ثم عزل مصالي الحاج داخل الجزائر و الخارج ، و التحق المصاليون بFLN.
رغم الصراع الدموي بين جبهة التحرير الوطني و المصاليين رفض مصالي الحاج استغلاله من طرف فرنسا للضغط على جبهة التحرير خلال المفاوضات.
مصالي الحاج أب الوطنية وجد نفسه في الآخير في المنفى، منهزما في هذه القصة الفظيعة جداً. و لم يعد أبدا للجزائر حتى وفاته في فرنسا يوم 03 يونيو 1973. حيث أوصى مصالي الحاج بدفنه في مسقط رأسه، مدينة تلمسان.
ومن حقارة هذا النظام رفض بومدين أن يعلم الشعب الجزائري بوصول جثمان مصالي الحاج و رفض تغطية نعشه بالعلم الجزائري، حيث وري جثمان أب الوطنية ليلل بمقبرة الشيخ محمد بن يوسف السنوسي.