عز الدين السريفي، المسؤول عن النشر والاعداد
في موضوع مهم يبرز جانبا من جوانب الأنانية، اللاوطنية، الخيانة والصراع بين الإخوة الأعداء في الجزائر أيام الإستعمار الفرنسي، يتطرق الأستاذ ھشام السنوسي، الباحث في الشؤون الوطنية و الإقليمية، في هذا الجزء لعملية La Bleuite، المؤامرة الزرقاء.
كانت مدينة الجزائر رمز للجزائر الفرنسية، هادئة لم يصلها جيش التحرير الوطني، كان يعلم قادة جبهة التحرير الوطني ان نقل الحرب الى مدينة الجزائر يعني تدويل الثورة الجزائرية. حيث اندلعت معركة الجزائر في خريف 1956 بين الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال ماسو “Massu” و الفدائيين الجزائريين المنتمين لتنظيم المنطقة المستقلة للجزائر. كانت العمليات التي ينفذها الثوار الجزائريون في تصاعد و كانت الخسائر في الأرواح بين الفرنسيين تتزايد أيضا، حيث نفد الفدائييون عشرات الاغتيالات التي طالت عناصر الشرطة و الجيش و الخونة، عشرات التفجيرات التي استهدفت المطاعم و المقاهي و الملاهي و الملاعب الرياضية، في شهر واحد عرفت مدينة الجزائر أكثر من 120 تفجيرا. اشهرها تفجير”Casino la Corniche”
لم تحقق الوسائل العسكرية مبتغى السلطات الفرنسية، فتم اللجوء الى جيش المظليين، اذ ظهر في المشهد من كانت له مقاربة مختلفة في التعاطي مع تلك التطورات الميدانية، شيطان الحرب النفسية النقيب بول آلان ليجي Paul-Alain Légerو مساعديه الرقيب أول Barjot “ديدي الأشقر”، و الرقيب أول عبدالحميد “سركوف الضخم” الذي كان كابوس الثوار، والذي خطط لجيل جديد من الحروب لا يعلم طابعها غير مساعديه الاثنين و رئيسه العقيد قودار “Godard” ، مستعيناً بخبرة اكتسبها في حرب الهند الصينية في فيتنام. كانت وظيفته تتركز في إدارة حرب نفسية هدفها التأثير النفسي وزرع الشكوك و تحويل الصراعات الشخصية القديمة بين الثوار رجالا و نساء، لتجنيدهم كعملاء ضد الثوار، أطلق عليهم اسم مجموعة الزرق ” La Bleuite”
نجاح ترجبته في حرب الهند الصينية في فيتنام. حيث أنه أنشأ جيشاً موازياً من الفلاحين المحليين قوامه ثلاثة آلاف مقاتل حارب به جيش هوشي مين، قرر استنساخ التجربة في معركته الجديدة ضد الفدائيين الجزائريين.
فور تسلمه قيادة العملية السياسية “la Bleuite ” في يناير 1957، ركز النقيب “ليجي” و مساعديه على النبش في الحياة الشخصية للمبحوث عنهم و المطلوبين الملتحقين بالخلايا النائمة و النشطة لجبهة التحرير، في ملفات المخابرات الفرنسية. عملاً بمبدأين أساسيين “في قلب كل صعوبة تكمن إمكانية” و”في داخل كل شخص يقبع شخص آخر، غريب و متآمر، و محتال”. بعد دراسة الأشخاص و البحث عن الثغرات السيكولوجية و تطويع الأشخاص و استغلال لحظات ضعفهم و مطامحهم و مطامعهم. استغل قرار جبهة التحرير الوطني، بمنع التدخين و الموسيقى و لعب الورق و دومينو. فكان يردد على مسامع الأشخاص المستهدفين: “كلنا فرنسيون بغض النظر عن الدين و اللغة و العرق دعونا نتخلص من عقبة جبهة التحرير لنبني نظاماً عادلاً بين الجميع، كي تصبحوا فرنسيين عليكم خوض الحرب بجانبنا “.
بعد نجاحه في تجنيد عدد كبير من العملاء من بينهم عدد مهم من النساء، طلب من الرجال إرتداء “كومبليزونات زرقاء” و التجول في شوارع و أزقة القصبة، بهدف استفزاز الضمير الجماعي المتعاطف مع الثورة. و بفضل عمار علي “عليلو” تمكن النقيب ليجي من إلقاء القبض على جميع المكلفين بنقل الرسائل بين القيادة و الفدائيين. لكن تبقى أصعب مهمة و هي إلقاء القبض على قادة جبهة التحرير الوطني المختبئين داخل قصبة الجزائر. لتحقيق الهدف لجأ النقيب “Léger ” الى الحسناء حورية التي كانت مكلفة بنقل الرسائل بين القيادة و الفدائيين, و التحقت باصحاب البدل الزرقاء بعد ان وشى بها زوجها للسلطات الفرنسية، فتم تجنيدها بنجاح.
قام النقيب “Léger” بتنظيم اعتقال و هرب حورية، التي اصبحت بطلة داخل قبصة الجزائر. فقامت جبهة التحرير الوطني بإخفائها داخل احدى دور الدعارة زنقة البحر الأحمر. هكذا استطاعت حورية كسب ثقة المكلفين بنقل الرسائل الى قائد جبهة التحرير الوطني في القصبة ياسف سعدي. يقول النقيب “Léger” : (بفضل حورية استطعنا مراقبة الشخص المكلف بنقل الرسالة إلى ياسف سعدي و تعقبه عبر أزقة القصبة من طرف الاطفال و النساء و الرجال الذين يشتغلون لصالحي.) في نفس الليل تم اعتقال ياسف سعدي و صاحبته زهرة ظريف. و بعد 15 يوما و بالضبط يوم 08 اكتوبر 1957, قام النقيب بمحاصرة منزل أخطر الثوار, علي عمار الشهير علي لابوانت “Ali la Pointe” بعد رفض علي لابوانت الاستسلام امر النقيب Léger بتفجير المنزل. التفجير خلف مقتل علي لابوانت و حسيبة بن بوعلي و بلعيد و محمود بوحميدي و عمر الصغير.
بفضل الحسناء حورية الشقراء، إنتهت معركة الجزائر العاصمة.
ترقبو في الجزء الموالي، حرب النقيب Paul-Alain Léger ضد جبهة التحرير الوطني، و عملية العصفور الازرق… بطلتها شابة جزائرية ، تسببت في اعدام آلاف الجزائريين على يد الجزائريين.