المسؤول عن النشر والاعداد
الوشاية بالعقيد عميروش، و قاضي جزائري في تونس يحكم بالاعدام على مجموعة من قادة الثورة الجزائرية من بينهم عباس لغرور أحد قادة الولاية الأولى.
تتمة للجزء السابق وفي موضوع مهم يبرز جانبا من جوانب الأنانية، الخيانة، اللاوطنية وصراع بين الإخوة الأعداء في الجزائر أيام الإستعمار الفرنسي. يتطرق الأستاذ ھشام السنوسي، الباحث في الشؤون الوطنية و الإقليمية، في هذه السلسلة للكشف عن التاريخ الدموي للجزائر ابان الثورة.
المؤكد تاريخيا أن العلاقة كانت متوترة بين كريم بلقاسم و عميروش، و خاصة بعد الإجتماع الذي حضره عميروش مع كل قادة الداخل و درسوا فيه الوضع العام للثورة و مدى التزام كل القيادات في الداخل و الخارج بآداء الأدوار المكلفة بها.
و من المؤكد أيضا أن العقيد عميروش تلقى ثلاثة استدعاءات من الباءات الثلاثة (كريم بلقاسم وزير القوات المسلحة، عبد الحفيظ بوصوف وزير المخابرات، لخضر بن طوبال وزير الداخلية، و ثلاثتهم يشكلون الهيئة الوزارية للحرب)، و الاستدعاءات كانت ممضاة من طرف العقيد محمدي سعيد، رئيس الأركان للجيش آنذاك، لم يكن واضحا سبب هذه الاستدعاءات، لكن و حسب الضابط الفرنسي ” Jean Louis Gallet” فإنهم وجدوا لدى العقيدين عميروش (قائد الولاية الثالثة ـ القبائل)، و الحواس (قائد الولاية السادسة ـ الصحراء) مبلغ 8 مليون فرنك فرنسي، و وثائق اجتماع أكفادو، و فيها طلب بمحاسبة العقيد كريم بلقاسم لعدم إرساله الأسلحة إلى الداخل و وثائق أخرى.
بعد الوشاية به الى الفرنسيين من طرف الهواري بومدين ، انه في طريقه الى تونس، توفي العقيد عميروش، رئيس الولاية الثالثة، في قتال مع الفرنسيين الى جانب العقيد الحواس (أحمد بن عبد الرزاق بن أحمودة) ، في جبل ثامر، بالقرب من بوسعادة، جنوب الأوراس. وكان ذلك يوم 29 مارس 1959. تلبية للاستدعاء، إتجه إلى تونس لإحضار الأسلحة و مواصلة الحرب ضد قوات الاحتلال الفرنسي، خاصة في منطقة القبائل.
عميروش لم يكن سياسيا، لقد كان مناضلاً ناضل من أجل الحرية و ضد الاستعمار، والسلاح في يده. و مع مجيء جزائر ما بعد فرنسا، تم استخراج جثته من المكان الذي دفن فيه ليوضع في سرية تامة، في مقبرة بالعالية، وبأمر من بومدين ثم استخراج رفاته مرة أخرى و إخفائها في صندوق مخزن في قبو مركز الدرك الوطني، بن شريف. و في عام 1982 تم استدعاء ابنه نوردين لحضور مراسم دفن والده الرسمية في “Carré des Martyrs”
وعن استشهاد عباس لغرور قال العربي شراب:”حقيقة استشهاده تعود إلى شهر ماي 1957 ،كنا 37 رجلا متجهين إلى تونس لأخذ قسط من الراحة بعد كل هذه المعارك لتجديد نشاطنا، في الطريق استشهد البطل علي غزال متأثرا بجراحه، و عندما وصلنا إلى فريانة استقبلنا صالح بن يوسف، صديق المرحوم بن بلة فأكرمنا جزيل الكرم، وكان الأخوة التونسيون يقدمون لنا كل ما نحتاجه. وعند توجهنا إلى مقر الإدارة ألقي علينا القبض و أدخلنا السجن و كانت من ضمن التهم الموجهة إلينا، محاولتنا القيام بإنقلاب ضد بورقيبة و مساعدة صالح بن يوسف للوصول للحكم. تم حشرنا في زنزانة ضيقة، وكانو يطلقون علينا مياه الصرف و الأوساخ حتى صارت أجسادنا مرتعا للقمل الذي كان يدخل حتى في أنوفنا، و بعد محاكمتنا من طرف قاض جزائري حكم على القادة بالإعدام .”
“اقتربت من أحد الضباط التوانسة وقلت له: “نحن مجاهدون ولا علاقة لنا بالتهم المنسوبة إلينا” فقال لي:”أنتم مرسلون من طرف بن بلة في مهمة سرية !!!!..”و في الواقع إنه حكم إخواننا في القيادة لمعارضتنا لقرارات الصومام.”
“بدأوا بإعدام المعتقلين، اخذوا سي عباس لغرور و سي حوحة بلعيد مع بعضهم، ثم التيجاني عثماني و آيت زاوش، ثم قرفي الربيعي و عبد الحفيظ السوفي، ثم العايب من بسكرة و الأخوين بوحدرة ، الباهي، العيد البوحديجي و غيرهم الكثير…، و لم يبق منا إلا القليل، حتى جاء عميروش و اخرجنا مع حوالي 200 سجين آخر كلهم من الأوراس و جعلو منا كتيبة مكلفة بإيصال السلاح و الذخيرة الحية إلى منطقة القبائل.”من كتاب: إضاءات في التاريخ الداخلي للولاية الأولى.
المؤلف: صالح لغرور
صفحة: 195-196-197.