المسؤول عن النشر والاعداد
دعا ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، الأمم المتحدة والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، ستافان دي ميستورا، إلى “الخروج من مسار يدور في حلقة مفرغة إلى المسار الذي يتجه نحو الحل الوحيد الممكن لهذا الملف، والذي هو الحكم الذاتي”.
جاء ذلك بعد أن ذكّر بوريطة، خلال ندوة صحافية جمعته بنظيرته السلوفينية، الثلاثاء بالرباط، بالدينامية التي يشهدها ملف الوحدة الترابية للمملكة بعد دعم نحو 100 دولة مقترح الحكم الذاتي، الأمر الذي اعتبره “رسالة من المجتمع الدولي بأنه حان الوقت لإنهاء هذه الأزمة، ورسالة أيضاً للأطراف الأخرى لاستغلال الفرصة وعدم التمسك بالأحلام والسراب لأنه لا حل ممكن إلا الحكم الذاتي”.
تعليقا على هذه الرسائل قال بوسلهام عيسات، الباحث في الدراسات السياسية والدولية، إنها تحمل عدة دلالات من بينها “تذكير منظمة الأمم المتحدة ولاسيما مبعوث الأمين العام للصحراء المغربية، بحصيلة ما حققه المغرب اليوم من تأييد ودعم دولي لمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي وجدي لتجاوز النزاع المفتعل بالأقاليم الجنوبية، ثم إشارة إلى المبعوث الخاص والأمين العام للأمم المتحدة للسعي نحو ملاءمة مجهوداتهما لحل النزاع المفتعل بما ينسجم مع قرارات مجلس الأمن، التي تعتبر مبادرة الحكم الذاتي مبادرة جدية وواقعية، وبكونها فرصة للمضي قدما في هذا المسار”.
هذه التصريحات، يضيف عيسات، “رسالة واضحة المعالم بضرورة خروج باقي الشركاء الدوليين أو الشركاء المحتملين مستقبلا من المنطقة الرمادية، وهي تأكيد لما عبر عنه جلالة الملك في خطاب ثورة الملك والشعب بكون الصحراء النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهي معيار قياس صدق الصدقات ونجاعة الشراكات”.
وخلص الباحث ذاته إلى أن ما جاء على لسان وزير الخارجية المغرب “رسالة موجهة إلى خصوم الوحدة الترابية، ولاسيما الجزائر التي أصبحت تستغل عضويتها في مجلس الأمن لخدمة أجندتها وعقيدتها الدبلوماسية المعادية للمغرب بتبني أطروحة الانفصال، بدل التركيز على رهانات الأمن والتنمية بإفريقيا كجزء من المسؤولية التي انتخبت على أساسها لتمثيلها”.
لم يكن موقف المغرب والجزائر والانفصاليين متطابقاً من المبعوثين الشخصيين للأمناء العامين للأمم المتحدة، وذلك طيلة مرحلة ما بعد بداية مسلسل التسوية سنة 1991، فالجزائر والانفصاليون لم يتردّدوا في سحب الثقة من المبعوث الشخصي فان والسوم، الذي عبّر عن قناعته أمام مجلس الأمن بتاريخ 21 أبريل 2008، قائلاً حينها بأنّ “استقلال الصحراء الغربية المغربية ليس خياراً واقعياً، وهدف لا يكمن تحقيقه” وسط دعم من الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهو ما كان واضحاً في قرار هذا الأخير رقم 1813، لكن تشبث الجزائر ومن ورائها جبهة الانفصاليين برفض وساطة والسوم، عجّل برحيله وتعيين الدبلوماسي الأميركي كريستوفر روس، الذي يمكن القول بشأن قبول المغرب به منذ البداية، كونه حسن نية مبالغاً فيها وذلك لأمرين، الأمر الأول يتعلق بخصوصية التعامل مع الدبلوماسيين الأميركيين، ففي حالتهم تضيق المسافة بين كونهم موظفين أممين وكونهم جزءاً من الإدارة الأميركية، الأمر الثاني أنّ روس كان سفيراً للولايات المتحدة في الجزائر، وهو ما جعله أقرب إلى سردية الجزائر والانفصاليين حول النزاع من سردية المغرب. وقد ظهر ذلك جلياً خلال الفترة التي تولّى فيها ملف الصحراء، ففي عهده طُرحت قضايا خطيرة تمسّ بجوهر السيادة المغربية مثل توسيع اختصاصات “المينورسو” وموضوع الثروات وتوزيعها، وكما كانت المواجهة صعبة ومعقّدة مع المبعوث الأميركي الأسبق جيمس بيكر ومخططاته، حدث الشيء نفسه مع كريستوفر روس بل وقع أسوأ من ذلك.
عندما اعتذر كريستوفر روس سنة 2017 عن تجديد ولايته التي كانت ستنتهي في شهر مارس من السنة نفسها، اعتبر ذلك استقالة من مهمّة تميّزت بالتوتر الكبير وعدم حياد مفترض في وسيط أممي، ولعلّ التوتر الكبير الذي ميّز علاقة المغرب بالأمين العام السابق بان كي مون، على خلفية زيارته للمنطقة العازلة بئر الحلو، وإطلاقه تصريحات مستفزة تجاه المغرب، كان فقط أحد تداعيات التوتر الناجم عن سحب المغرب ثقته من كريستوفر روس صيف 2012، والذي قوبل بشكل غريب من الأمين العام للأمم المتحدة، حيث على عكس المتوقع والمطلوب في مثل هذه الحالات، عمد بان كي مون إلى رفض قرار المغرب، وتجديد الثقة بروس كمبعوث شخصي. وهنا كان خطأ المغرب عندما تراجع عن سحب الثقة من روس.
نزاع الصحراء كان دائماً خارج البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يعني أنّ الأطراف تقبل بدور الأمم المتحدة بإرادتها الخالصة. التشبث بروس كان في الواقع إهانة للمغرب، وللقواعد التي تحكم عمل الأمم المتحدة، فالمنظمة الأممية الى حدّ الساعة تلعب دور الوساطة في النزاع بناءً على الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، ومن أصول الوساطة وثوابتها أن تكون مقبولة من طرفي النزاع، إذ ليس هناك من معنى لفرض وسيط أممي.. لكن المغرب تعبيراً عن حسن النية قبل بذلك، ودفع ثمن المواجهة التي أجّل خوضها في وقتها مع الأمين العام ومبعوثه الشخصي.
رفض بان كي مون قرار المغرب سحب الثقة من روس سنة 2012 سيؤجج العلاقة بين الطرفين، بل سيتحوّل روس إلى طرف في الصراع، وهذا ما سيدفع المغرب في ما بعد إلى رفض وجود المكون المدني للبعثة الأممية (المينورسو) الذي يعتبر فريقاً سياسياً للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، والذي شهد عمله بعد سنة 2012 انحرافات كبيرة، سعى من خلالها الوسيط الأممي إلى تغيير مهمّات (المينورسو)، حيث حاول بداية من سنة 2013 إدخال موضوع حماية وضعية حقوق الإنسان ومراقبتها في الصحراء، وقد تمّ تضمين ذلك في عدد من مشاريع قرارات مجلس الأمن قبل أن يسقطها المغرب.
لنُعد تركيب الصورة أكثر، خلال فترة التوتر بين المغرب وكريستوفر روس، أشارت تقارير صحافية إلى أنّ روس سيقدّم إستقالته من منصبه بسبب إعتراض المغرب عليه، وأكّدت ذلك مصادر أوروبية، ولم تستبعد التقارير نفسها أن يكون الوسيط الأممي قد أخبر أعضاء مجلس الأمن بقراره، علماً أنّ وسيطين سابقين قدّما استقالتيهما أيضاً، الأول جيمس بيكر سنة 2004 والثاني الهولندي بيتر فان والسوم سنة 2008، والذي كان قريباً من أطروحة المغرب كما أسلفنا، ما جرّ عليه غضب الجزائر والانفصاليين.. القاسم المشترك بين استقالة كل من بيكر ووالسوم هي أنّها كانت موضوع موافقة سريعة من أعضاء مجلس الأمن، بينما حصل العكس مع استقالة روس سنة 2012، ولم يقف الأمر عند حدّ رفض انسحاب روس من مهمّاته، بل تعدى ذلك إلى الإصرار على دعم جهوده (…) في القرارات التي تصدر عن مجلس الأمن، وهو ما شكّل ضغطاً على المغرب وتقوية لروس في مواجهته.
الآن ما العمل “الحلقة المفرغة”؟ الأكيد أنّ المغرب يجب أن يكون صارماً في أي تجاوز من جانب ديميستورا، حتى لو تطلّب الأمر سحب الثقة منه. وقد كشف وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة قبل يومين، أنّ أي وسيط أممي ملزم باحترام الثوابت التي يعتبرها المغرب خطاً أحمر، وهي أولاً: حصر الأطراف في كل من المغرب، الجزائر، ومن ورائها الانفصاليون ثم موريتانيا، ثانياً: استمرار العمل بمنهجية الموائد المستديرة بمشاركة كل الأطراف، وثالثاً: الحل الوحيد المطروح للنقاش هو الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية.