بينما كان المغاربة ينتشون فرحا باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه في دجنبر 2020، عقب العملية العسكرية “الجراحية” الناجحة، التي نفذها بواسل القوات المسلحة الملكية، لتطهير معبر “الكركرات” من مسلحي الميليشيات الإنفصالية المدعومة من قبل الجيش الجزائري، كان في المقابل من يشتغل في جنح الظلام على اشعال فتيل حملة مضللة، وطبخها على نار هادئة على “السوشل ميديا” والصحافة الالكترونية، تهدف إلى التشويش على هذا الاعتراف التاريخي، وفي قلب هذه الحملة، برز مدونون وصحافيون من بينهم من يزعم امتلاكه قدرات خارقة على توجيه الرأي العام، وامتلاك شركات “لوبيينغ”، فتعمدوا نشر سيل من المقالات والتدوينات التي تنتقد صيغة الاعتراف الأمريكي والإسرائيلي بمغربية الصحراء، تحت ذريعة أن العملية قد تمت بطريقة لا تحقق مصالح المغرب الحيوية، ولا تضمن سيادته الاستراتيجية.
هؤلاء العناصر الذين يسوقون نفسهم كخبراء في توجيه الرأي العام، استخدموا منصاتهم الإعلامية والشخصية لشن حملة تشويش مغرضة ضد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وركزوا في مقالاتهم على الترويج لرواية زائفة مفادها أن الاعتراف الأمريكي جاء نتيجة صفقة سياسية مشبوهة بين المغرب وإسرائيل، وأن المغرب سيتخلى بموجب الصفقة المزعومة عن دعمه التقليدي للقضية الفلسطينية، وهي حملة لم تكن أبدا عشوائية، بل كانت منظمة من قبل بعض شركات “اللوبيينغ” التي فشلت في تحقيق أي استفادة مالية من الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وهي من كانت وماتزال تحرك هذه الحملات الدعائية المغرضة ضد المغرب عبر شبكة من العلاقات المشبوهة، مما يعني أننا أمام جريمة ابتزاز متكاملة الأركان حاول البعض ممارستها على الدولة المغربية.
ومن خلال انخراطها في التشويش على الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، باتت شركات الضغط تخدم بشكل مريب الأجندات الجزائرية التي تعارض بشدة الدعم الأمريكي للسيادة المغربية، فالنظام العسكري في الجزائر الذي يعتبر الداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو، أنفق أموالا طائلة على توظيف شركات ضغط في واشنطن لمحاولة تغيير موقف الإدارة الأمريكية الجديدة تحت قيادة الرئيس جو بايدن، هذه الشركات سعت لتقويض الاعتراف الأمريكي من خلال الترويج لمعلومات مغلوطة والضغط على أعضاء الكونغرس الأمريكي لمراجعة القرار وقد باءت جميع هذه المحاولات بالفشل واستمرت الإدارة الامريكية على موقفها الداعم لمغربية الصحراء، مثلما سيكون الفشل رفيق درب من يحاولون التصدي لصعود اليمين الفرنسي الى سدة الإليزيه، خوفا من اعلان فرنسا اعترافها بمغربية الصحراء.
تكشف هذه الحملة المضللة، الوجه الحقيقي لبعض شركات “اللوبيينغ” التي تحاول الابتزاز لنيل الصفقات، فعندما فشلت في الحصول على الأموال من المغرب، لجأت إلى حملة تشويه وتضليل لخدمة مصالحها الشخصية على حساب المصالح الوطنية، مما يعتبر سلوكا خطيرا يكشف القناع عن الوجه الحقيقي لهذه البروفايلات “المنفوخة”، التي لا تتردد في ابتزاز الدولة إذا لم تحصل على ما تريد.
المغرب من جهته نجح في كسر شوكة المبتزين عبر اتخاذه مجموعة من المواقف والقرارات المشرفة التي كسرت بروباغاندا “الصحراء مقابل فلسطين” التي حاول المبتزون ترويجها لابتزاز الدولة، حيث أبانت المملكة عن مضيها قدما في دعم القضية الفلسطينية، من خلال تكريسها مقاربات براغماتية، ومبادرات إنسانية متفردة، ما كانت لتنجح لولا توطيد المملكة علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ونخص هنا بالذكر الوساطة المغربية الفعالة، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في فتح المركز الحدودي اللنبي/الملك حسين بدون انقطاع، ما عزز بشكل كبير حرية التنقل للفلسطينيين، كما يبرز التزام المغرب بتقديم مساعدات طبية حيوية وغذائية للشعب الفلسطيني عبر الطريق البرية، مدى استفادة فلسطين من التقارب المغربي الإسرائيلي، وبالتالي شكل هذا الزخم الهائل ضربة موجعة لشركات الضغط التي حاولت ابتزاز المغرب، مما جعلها تعيد النظر في تكتيكاتها الخبيثة.
وبعد فشلها في استعمال السيادة الوطنية للمملكة كوسيلة لنهب أموال دافعي الضرائب، غيرت شركات “اللوبييغ” طريقتها للابتزاز، وقفزت على نوع اخر من الملفات الخارجية للمملكة، لتكون سلاحها البديل في تهديد الدولة تحت شعار “اما أن تدفع المال أو أن تتعرض للتشهير”، ويتعلق الامر هنا باتفاقيات سرية عقدتها الشركات المذكورة مع بعض الخونة القاطنين في خارج ، فتحولت بقدرة قادر الى وكيل حصري لأعمالهم القذرة التي تمس بثوابت الوطن ومقدساته وتتطاول على عناصر سيادة الدولة، وهو عمل يشبه الى حد كبير مهام وكلاء الممثلين والمغنيين والمشاهير لكن طبعا مع اختلاف واسع في المبادئ والقيم، لنصبح أمام وكلاء للخونة.
وفي هذا الاطار باتت شركات “اللوبيينغ” هاته، باعتبارها متخصصة في صناعة الخطابات المضللة، من جهة تخيط لهم التدوينات والتغريدات المسيئة للمغرب على صفحاتهم التواصلية، وتملي عليهم ما يجب كتابته من منشورات تتضمن أفكارا خطيرة منتقاة بعناية فائقة، وعبارات منحطة ومقززة لم يسبق لها مثيل لتحقيق أكبر كم ممكن من الاستفزاز، ومن جهة أخرى تحاول في تناقض صارخ تقديمهم عبر أذرعها الإعلامية على أنهم معارضون وطنيون، وان على الدولة التفاوض معهم والتوصل الى اتفاق يعفيها من لسانهم النتن، وكأن المملكة في موقع ضعف في مواجهة هؤلاء الخونة، أو أن المغرب بات دولة مترهلة وخائفة لدرجة أنها مستعدة لتبديد أموال مواطنيها يمينا ويسارا مقابل اسكات أصوات العملاء والخونة، فمنذ متى اهتز للدولة جفن امام “معارضي اليوتيوب” الذين كل راس مالهم السب والقذف، وبأي منطق يجب على الدولة ان تحتضن أشخاصا مصرين على المضي قدما في درب الخيانة والتآمر على البلاد، وكيف لها أن تفاوضهم بشكل علني وهم ما يزالون على غيهم، في ضرب سافر للتوجيهات الملكية السامية التي فصلت في أكثر من مناسبة وبشكل جلي الحدود الفاصلة بين الوطنية والخيانة، وبين الصد والصفح، حيث قال جلالة الملك بمناسبة الذكرى الـ 34 للمسيرة الخضراء سنة 2009: “وبروح المسؤولية، نؤكد أنه لم يعد هناك مجال للغموض أو الخداع، فإما أن يكون المواطن مغربيا، أو غير مغربي. وقد انتهى وقت ازدواجية المواقف، والتملص من الواجب، ودقت ساعة الوضوح وتحمل الأمانة، فإما أن يكون الشخص وطنيا أو خائنا، إذ لا توجد منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة، ولا مجال للتمتع بحقوق المواطنة، والتنكر لها، بالتآمر مع أعداء الوطن.”، وفي سنة 2014 قال جلالته في خطاب الذكرى 39 للمسيرة الخضراء، “ليس هناك درجات في الوطنية، ولا في الخيانة. فإما أن يكون الشخص وطنيا، وإما ان يكون خائنا. صحيح أن الوطن غفور رحيم، وسيظل كذلك. ولكن مرة واحدة، لمن تاب ورجع إلى الصواب. أما من يتمادى في خيانة الوطن، فإن جميع القوانين الوطنية والدولية، تعتبر التآمر مع العدو خيانة عظمى. إننا نعرف أن الإنسان يمكن أن يخطئ، ولكن الخيانة لا تغتفر. والمغرب لن يكون أبدا، مصنعا لشهداء الخيانة”.
وبناء على التوجيهات الملكية التي تعتبر بمثابة قانون، فان التوبة والرجوع الى الصواب هو الشرط الوحيد للاستفادة من غفران الوطن ورحمته، وان ما دون ذلك فهو خروج عن القوانين الوطنية والدولية، والمغرب كان وسيبقى على الدوام دولة مؤسسات تحترم سيادة القانون، وعليه فردنا الواضح والصريح على شركات “اللوبيينغ” التي تحاول تقديم الخونة على انهم معارضون وطنيون هو أن المغرب لن يكون أبدا، مصنعا لشهداء الخيانة، وأن محاولات توظيفهم في ابتزاز الدولة سيكون مصيرها الفشل والانهيار، مثلما انهارت حملاتهم السابقة في ابتزاز الدولة عندما حاولوا التشويش على الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
وان المغرب عندما قام في السابق باحتضان المعارضين الحقيقين مثل عبد الرحمان اليوسفي ورفاقه، فلأنهم أولا عارضوا بشرف، وبأخلاق المعارضة بعيدا عن العمالة أو التآمر مع الأجهزة السرية لأنظمة تعادي المملكة، وبدون أي تكريس لمنطق الشخصنة ولخطابات السب والقذف والتشهير والطعن في الاعراض، في حق ملك البلاد وكبار مسؤوليه، وفي حق المغاربة الوطنيين، وثانيا لأن اليوسفي ورفاقه الذين تريدون الركوب على حالتهم لتمرير مغالطاتكم المكشوفة، هم من بادروا الى التقرب من المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، عندما طلب اليوسفي وبوستة سنة 1995 لقاء عاهل البلاد بعد عودته من رحلة استشفائية في نيويورك، واعربا في ذلك اللقاء الحميمي عن سعادتهما بتماثل الملك للشفاء، وكانت مبادرة حميدة وذكية منهما، يمكن اعتبارها بمثابة القاعدة الصلبة التي أسست لمرحلة جديدة من المصالحة، تقوم على التوبة وابداء حسن النية من خلال مبادرات ملموسة على أرض الواقع، وهو ما يتعارض تماما مع مناورات شركات “اللوبيينغ” التي تمرر خطابات خبيثة تقوم على ابتزاز الدولة ودق الاسافين بين مؤسساتها، وتهديدها بتعميق التآمر مع أعداء الوطن، وتصوير المملكة وكأنها كيان ضعيف سينهار اذا لم يقبل بتصالح مذل مع الخونة.
وعليه، فان المغرب “الدولة الامة”، المملكة الضاربة جذورها في عمق التاريخ، والتي كانت وستبقى أمة العزة والشموخ، بنظامها الملكي الشريف، وبرجالها ونسائها الاوفياء، وبشعبها الأبي المناضل الملتحم مع العرش، لن تخضع تحت أي ظرف للابتزاز، ولن تطأطئ رأسها للمبتزين، ولن تبدد أموال شعبها في إرضاء المصالح الضيقة والاطماع الشخصية لشركات “اللوبيينغ” التي تتاجر بملفات أشباه المعارضين، نعم حضن الدولة منفتح ويسع كل التائبين، لكنه لن يشمل بالغفران والرحمة المرتزقة والمبتزين، المصرين على تكريس رسائل العداء والتآمر والخيانة.
المغرب قبل كل شيء ولا غالب إلا اللهLe