عز الدين السريفي
من الظواهر التي انتشرت في أغلب المدن المغربية، وأصبحت خلال السنوات الأخيرة من القضايا الاجتماعية المثيرة للنقاش والتساؤل، لجوء فئة من الشباب إلى الجدران لكتابة مجموعة من الجُمل ورسم عدد من الرموز، بعضها يهدف إلى تشجيع الفرق والأندية الرياضية، فيما تندرج البقية ضمن التعبيرات القبيحة والمسيئة والمخلة بالحياء.
سلوكات منتشرة ومتجددة
بعدما كانت تلك السلوكات محدودة ببعض الأحياء السكنية في مدن بعينها، مع سهولة طمسها من طرف المصالح المختصة، صارت الكتابة على الجدران في الآونة الأخيرة لا تفارق مدينة أو حيّا، فيما تزداد حدّتها وبشاعتها في الأزقة الصغيرة المتوارية عن الأنظار، حيث يجد الشبان كل الظروف الملائمة للكتابة بعيدا عن الأعين.
ولم يعد الأمر مقتصرا على جدران البنايات الفارغة والمهملة، بل صار الواقفون وراء هذه السلوكات لا يفرّقون بين جدران المنازل وأبواب المرائب وأسوار المؤسسات العمومية، بما فيها المدارس والفضاءات التربوية والرياضية، من أجل تلطيخها وتشويه جماليتها بعبارات لتبادل السب والشتم بين مشجعي عدد من الأندية الرياضية.
وكلما عَمِل متضرر على طمس العبارات التي شوّهت جدران منزله أو باب مرأبه، أو لجأ مسؤول عن تدبير شؤون مؤسسة عمومية إلى إعادة صباغة السور لإخفاء الكلام القبيح والرموز الخادشة للحياء يتفاجأ الجميع بظهور كتابات جديدة لا تختلف عن سابقتها، كأن الأمر يتعلق بسبورة مُسحت للتو، وصارت جاهزة للكتابة من جديد.
مقاربة نفسية إكلينيكية
ندى الفضل، أخصائية ومعالجة نفسية إكلينيكية، قالت إن “تشجيع الفرق الرياضية عن طريق الأناشيد أو الكتابة على الجدران أو اللافتات يعتبر نشاطا يلجأ إليه شباب اليوم لتفريغ الطاقة السلبية، والتعبير عن حبهم ودفاعهم ورغبتهم في شيء ما بكل تلقائية وبصوت مسموع، وكذلك التعبير عن رأيهم بحرية، وهذا ما يمكن أن يفتقده البعض في الحياة الاعتيادية الشخصية والاجتماعية”.
وأضافت المتحدثة، أن “كتابة الكلام القبيح على الجدران قد تدل على وجود صراع داخلي للشخص مع العالم الخارجي، وهو سلوك يمثّل تعبيرا عن أفكار ومشاعر غاضبة تجاه وضعية ما، ويمكن أن تظهر بسبب معاناة بعض الشباب من اضطرابات ما، كاضطراب الشخصية المعادية للمجتمع على سبيل المثال”.
ومن أجل مساعدة هذه الفئة من الشباب على تجاوز هذا السلوك أكدت ندى الفضل، بصفتها باحثة في سلك الدكتوراه في الصحة النفسية، أن “الأسرة مطالبة بخلق نوع من الحوار والتواصل والتقرب من الشباب لفهم معاناتهم ومساعدتهم في التعبير عن أفكارهم وتصحيح معتقداتهم الخاطئة”.
ولا يقتصر الأمر على الأسرة فقط، تضيف الفضل، “بل إن الإعلام مطالب أيضا بالتقرب أكثر من الشباب، من أجل فتح حوار بناء معهم، يهدف بالأساس إلى فهم تصوراتهم ونظرتهم للواقع، وإيصال أفكارهم واحتياجاتهم، في أفق إيجاد حلول لمشاكلهم ومعاناتهم”.
وفي وقت يطالب المتضررون السلطات الأمنية والقضائية بإعمال المقاربة الزجرية تجاه المخالفين قالت المعالجة النفسية الإكلينيكية إن “المطلوب من السلطة في الوقت الراهن هو التواصل مع الجمعيات الرياضية والترفيهية، وتفعيل المقاربة التشاركية لتصحيح عدد من التصورات التي تخالج الشباب، خاصة الأفكار التي تتعارض مع النظام الاجتماعي”.