في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه وزارة الخارجية الدنماركية دعمها المطلق لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء، لم تتأخر هولندا في إعلان الموقف نفسه على لسان وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب في تصريح للصحافة بنيويورك. ووصف رئيس الدبلوماسية الهولندية مخطط الحكم الذاتي بالمساهمة “الجادة وذات المصداقية” في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة. ويأتي هذا التصريح في سياق تعبئة دبلوماسية مكثفة دشنتها الخارجية المغربية على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. وقد أكد وزير الخارجية الهولندي من خلال تصريحه مواقف مسؤولين آخرين قبله عندما قال إن “هولندا تعتبر مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة 2007 مساهمة جادة وذات مصداقية في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة من أجل تسوية النزاع بشأن الصحراء”.
تأكيد وزير الخارجية الهولندي على “الجدية والمصداقية” التي تميز هذا المخطط ينسجم إلى حد بعيد مع مواقف العديد من الدول الغربية التي أعلنت أيضا دعمها لمشروع الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية. الجدية إشارة إلى أن كل المخططات الأخرى التي سبق عرضها مثل الاستفتاء أو التقسيم أو الانفصال ليست واقعية وتفتقد إلى قابلية التطبيق، بل تعتبر تهديداً صريحا للاستقرار في المنطقة. والمصداقية إشارة أخرى أوضح إلى أن المملكة المغربية عندما اقترحت مبادرة التفاوض حول الحكم الذاتي في سنة 2007 قدمت العديد من الضمانات والمقتضيات التي تمكّن سكان الأقاليم الجنوبية من تدبير شؤونهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بأنفسهم تحت السيادة المغربية.
ويأتي هذا التصريح الجديد لوزير الخارجية الهولندي ليؤكد تواصل الدينامية الإيجابية التي يشهدها حشد التأييد الدولي لمشروع الحكم الذاتي، والاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء. ومن الأهمية بما كان أن يستمر هذا الزخم، ولا سيّما على هامش قمة الأمم المتحدة التي تشهد في هذه الفترة من كل عام اتصالات مكثفة ولقاءات وازنة بين المسؤولين الدبلوماسيين من ممثلي الوفود المشاركة في اجتماع الجمعية العامة. ومن ثمّ فإن التصريح الذي أعلنه وزير الخارجية الهولندي يعكس أيضاً الجهد الذي تبذله الدبلوماسية المغربية في هذه القمة، من أجل الترافع عن القضية الوطنية والدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة برئاسة رئيس الحكومة عزيز أخنوش وحضور وزير الخارجية ناصر بوريطة.
ومن المؤكد أيضا أن التصريح الذي أدلى به المسؤول الهولندي ينطوي على قراءة سياسية ذكية للوضع في المنطقة. لم ينس كاسبار فيلدكامب أن يشير في هذا السياق إلى أن دور المغرب “كشريك ينعم بالاستقرار في المنطقة يعد حاسما في هذا الصدد”، مضيفا أن بلاده تقدر “الشراكة الاستراتيجية” مع المغرب، وتعرب عن اعتزازها بتعميق هذا التعاون وتعزيزه بشكل أكبر في المستقبل. ومن الواضح أن التركيز على واقع الاستقرار الذي ينعم به المغرب، إشارة مهمة إلى أن الحلّ الوحدوي القائم على مشروع الحكم الذاتي هو الذي يمكن أن يعزز هذا الاستقرار في المنطقة كلها، وأن أيّ محاولة لفرض خيارات أخرى غير واقعية لن تؤدي إلى نتيجة في مصلحة الجميع.
لذلك أبرز الوزير الهولندي أهمية “الاستقرار الإقليمي” وأكد أن “المغرب بلد جار بغاية الأهمية بالنسبة لأوروبا”. ولعلّ هذه الخلاصة الأخيرة تفسر تراكم المواقف الإيجابية تّجاه قضية الوحدة الترابية للمملكة بدء بإسبانيا وفرنسا مرورا بألمانيا وبريطانيا ووصولا إلى دول شمال أوربا مثل الدنمارك وفنلندا ثم هولندا. لقد اتضح أن الدول الأوربية أضحت مجمعة على موقف موحد لم يعد مستعدا للمخاطرة بالاستقرار الإقليمي من خلال الاستمرار في ترويج دعاوى تقرير المصير وغيرها من الأطروحات المبطنة الداعمة للأطروحة الانفصالية، وأصبحت تميل اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى الحلول الواقعية لقضية الصحراء المغربية، وهي الحلول التي لا يمكن أن تخرج عن دائرة السيادة الوطنية.